كيف تحدثُ علاقةُ عشق بين أستاذٍ في الأدب الإنجليزيّ وامرأة بائسة من الحوشة تحلبُ الأبقار وتنظِّف المراحيض؟ أيها القارئُ الكريم، أنت أمام روائيٍّ داهية، ورواية داهية. روايةٌ جسور تخوضُ في إشكالياتٍ كبرى مثل اللون والعنصريات والدين والسياسة والجنس. ببساطة مَن يتناول فنجان قهوة تناوله في الصباح مع مطا لعة الجريدة، تُحطّمُ الروايةُ أهراماتِ التابو تلك، دون رهبة ولا أقنعة ولا حسابات سياسية. تلك الخطوطُ الحمراءُ التي يرهبها الكتّابُ في بلادنا، فيتحلَّوْن بالتقيّة الرمزية والأسلوبية حين يقاربونها، خوفاً من رجال الدولة ومشايخ الدين الذين يتحسَّسون مسدساتِهم، كلما هَمَّ كاتبٌ أن يُشارفها. يغزلُ «فيليب روث» نسيجَه الروائيَّ بخيوط الثقافيّ والجماليّ والحكائيّ، على نحو تهكميّ فريد، يجعلك تلوكُ العَلكةَ المُرَّةَ وأنت تبتسم، فيما مرارتُها تسري نحو أعماقك. سوف تركضُ بين السطور وأنت تطاردُ تلك الوصمة البشرية التي تُخيفُ بطلَ الرواية طوال عمره محاولاً محوَها، حتى توصله إلى حتفه، بسلام. تُرى ما هي تلك الوصمة؟ الروايةُ تجاورُ بين اللغة المركبة المثقفة المتعالية، وبين اللغة الفجّة التي تقتربُ من الإباحية، حدَّ البذاءة، خاصة حين يأتي الكلامُ على لسان السوقة والرعاع من قاع المجتمع الأمريكي. هنا أعترفُ أن هذه الرواية قد أرهقتني كثيراً في الترجمة إلى العربية، بسبب ذلك المزيج اللغويّ المتنافر وطبقات الحديث المتباينة، والخلط بين الإنجليزية الرفيعة والدارجة الأمريكية السُّوقية. المعادلةُ الصعبة في الترجمة بعامة، هي محاولة تحقيق أكبر قدر من الأمانة في النقل، مع الحفاظ على آجرومية اللغة المستضيفة المنقول إليها النص، وهي العربية هنا، إضافة إلى احترام أسلوبية الكاتب. لأن الكاتبَ ، أيَّ كاتبٍ، هو بالأساس أسلوبٌ، وصوغٌ وتراكيبُ لغويةٌ، وليس فكراً ومضموناً وفلسفة، فقط. الحقُّ والخيرُ والجمالُ، من وراء القصد.
لقد حاول جاهدا اللحاق بالترامواي فلم يستطع، وكل ما استطاعه هو التعلق بنافذة العربة التي يجلس داخلها منيب أفندي وصاح: (منيب أفندي… أمضيت الليل كله وأنا أقرأ كتاب الزهاوي الذي أعطيتني إياه بالأمس… وأنا أتسائل لماذا لا نحرق الزهاوي مع كتبه؟). أفلت يده من نافذة العربة، فكاد يسقط على الأرض. انطلق القطار مسرعاً من المحطة وهو يصفر صفرات متقطعة، بينما أخذ المسافرون الواقفون على الرصيف ينظرون إلى هذا الشيخ وهو يلهث. توقف قليلاً، استدار، ثم غادر بين صياح الباعة المتجولين والمسافرين وعمال المحطة، وهو ينظر هناك إلى طربوش أحمر على السكة الحديدية يعبث به الهواء.
«كتابٌ غنيّ بالأفكار، سُطّرت حروفه ببراعة نادرة وبأسلوب متألق... يسبر أغوار علاقات إنسانية متداخلة، ويخاطب معاناة البشر في أفراحهم وأحزانهم ويتقصّى ذكرياتهم عن الماضي وتأثير كل ذلك على الحاضر ...» •لندن الحرة للصحافة «محاولة جريئة لتغطية رقعة واسعة من التاريخ المليء بالتفاصيل عن تجارب وجدانية ومادية ... أول رواية تكتبها المؤلفة وتنجح في أن تترك علامة بارزة على المشهد الأدبي ...» • برايري فاير «تكشف لنا الرواية الأولى لمادلين ثين التي كتبتها بأسلوب مقتدر عن هموم الناس وانشغالاتهم في فترة ما بعد الحرب والآمال التي يبحثون عنها، ومحاولاتهم التي تبدو قاصرة لفهم من يحبونهم ...» •مونتريال غازيت «رواية متأنية تشعرنا بهدوء كاتبتها، تزخر بشحنات من الأفكار التي تحفز القارئ على التأمل ...» • ناشنال بوست «عملٌ رائع يتجاوز في دقة صياغته ما بدأته مادلين ثين في مجموعتها القصصية (وصفات بسيطة)... رواية متعددة الحبكات مليئة بالمفاجآت... تستحق التوقف عندها، ولا يكاد المرء يصدق أنها أول رواية تكتبها كاتبة شابة ...» • مجلة فاست فورورد الأسبوعية. «عمل نثريّ صاغته يدُ فنانة ماهرة تُقتطع جزيئاته من رحم الأحزان ...»
لا أدري متى بالضبط لمعت تلك الفكرة النميسة في ذهن شعراوي، لكن أغلب الظن أن ذلك حدث حين رأى نظراتي الشبقة التي استقرت على منحنيات ومنعطفات جسد رحاب وهي ترقص بذمة وضمير في فرح أختها سامية، مع أنني لم أكن وحدي الذي انبهرت برحاب التي رأت في الفرح فرصة لإعلان إمكانياتها التي تؤهلها ببراعة لتجاوز أختها، ولم يكن ذلك الإعلان عاماً لكافة من حضروا الفرح وهم قلة على أي حال، بل كان موجهاً نحو ثلاثة من أقارب العريس حضروا في الأغلب لإسعافه في حالة حدوث مضاعفات في ليلة الدخلة، لكن رحاب لم تحظ باهتمامهم، ليس فقط لأنهم لم يكونوا سعداء بالزيجة إيماناً منهم بمبدأ إعلاني كان منتشراً في تلك الأيام يقول "ليه تدفع أكتر لما ممكن تدفع أقل؟"، ولكن لأنهم شعروا أن تسليط نظراتهم على جسد أخت العروسة وإن كان فائراً مثل بركان فيزوف، سيغضبه أو سيحرجه، والواقع أنهم صبروا ونالوا، لأن "أبو سامية" كان قد قرر إكرام ضيوف صهره بـ "نِمرة" خاصة كان ذكرها يمرّ علي أحياناً في بعض ما أقرأه عن أخبار المجون والليالي الحمراء التي ينفق فيها الأثرياء آلاف الجنيهات والدولارات، ولم أكن أتصور أنني سأشهدها عياناً بياناً دون أن أدفع مليماً أحمر.لم يكن حجم الشقة يتسع لحضور فرقة غنائية، فقد كان يكفي بالكاد للعشرين ثلاثين كرسي التي جلس عليها المعازيم المنتقون على الفرازة، لكن الكاسيت الذي انبعثت منه أكثر الأغاني ترقيصاً وهشتكة قام بالواجب وزيادة، ليتم إسكاته فجأة، ثم يقوم أبو سامية وشخصان من أقاربه أو من شركائه لا أدري، بوضع ترابيزة خشبية متوسطة إلى جوار الكوشة الصغيرة التي جلس عليها العروسان، في الوقت الذي كانت أم سامية ورحاب قد دارا علينا بأطباق كبيرة تحوي قطعاً منتقاة من الكفتة والكباب وخرطة مكرونة باشميل وبعض أصابع محشي الكرنب وورق العنب، وبعد أن انتهى أغلبنا من التهام ذلك الأكل البيتي اللذيذ، قام أبو سامية بإطفاء أنوار الصالة التي ظلت مضاءة إلى حد ما بالأنوار المنبعثة من باقي الشقة، وفور أن أعاد تشغيل الكاسيت ليصدح بمطلع أغنية "حبيبي يا عيني"، اندفعت من مكان ما امرأة ترتدي عباءة سوداء فضفاضة، وقام أبو سامية بمساعدتها على الصعود إلى الترابيزة التي كانت أعلى من أن تقفز عليها لوحدها. بعد أن بدأت ذات العباءة في التمايل من باب التسخين على الترابيزة التي ثبت متانتها، أضاء أبو سامية أنوار الصالة وبدأ في التصفيق فتبعناه دون حماس في البداية، لكننا سرعان ما تحمسنا، حين اكتشفنا أنها لا ترتدي العباءة لكونها من أقارب سامية الراغبين في المجاملة، بل كانت على وشك تقديم وصلة رقص استربتيز، حيث بدأت بفك أزرار العباءة على مهل، وانتهت بعد فترة من الزمان مرت كأنها ثواني، بالشروع في خلع ورقة التوت الكلوتّي التي كانت آخر ما ترتديه، لولا أن أوقفتها صرخة العريس الذي أمرها بالتوقف عن ذلك، لأن لكل شيئ حدوداً كما قال.
امرأة Una Donna تعتبرُ أوَّلَ رواية نسويَّة في إيطاليا. نُشرتْ في عام 1906 وكان لها أثرٌ كبير في تهشيم ثوابت كثيرة في الوعي الإيطالي حظيت الرّواية باهتمام عالمي وتُرجمتْ للغاتٍ عِدّة. كتبتُها سيبيلا أليرامو واسمُها الحقيقي رينا فاتشيو (1876 – 1960)، والتي تقول إنْها عاشت ثلاث حيوات. الأولى، كأمُ وزوجة، وسطّرت تفاصيلها في هذا الكتاب الثّْانية، تطوَّعتْ فيها لخدمة المعوزين في أحدِ ملاجئ روما، الثّالثة، وهي الثلاثون عاماً الأخيرة من حياتها والتي أمضتْها في الكتابة والعمل. عاشت سيبيلا خمسينَ عاماً بعد رواية امرأة. وواجهت العقَبات، وعايشتْ صراعاتٍ وحروباً، لكنّها تخطّتها جميعاً. حاولت الانتحار في لحظات ضعف، لكنّها استنتجت بعد موت زميلها تشيزاري بافيزي أنّها تهاب الموت: «أجل. أنا خائفة، والحريّة الوحيدة التي لا يمتلكها الشيوعي هي: الانتحار»، فآثرت العمل، وإلقاء المحاضرات، والسّفر، والكتابة حتّى آخر أيّام حياتها. ومع ذلك، لم يجلبُ لها أيُّ كتابٍ من كتبها الشُهرة التي حظيت بها بعد هذه الرّواية. المترجمة
في أحد أيام شهر شباط البارد, التقى صديقان قديمان ليقدمان التعازي بوفاة ((مولي)). كلاهما كان عشيقا لمولي في السابق: ((كلايف)) المؤلف الموسيقي الأنجح في بريطانيا, و ((فيرون)) محرر في جريدة مرموقة. في الأيام التي ستلي الجنازة, سيوقع الصديقان لا يعرفان نتائجها الرهيبة. و سيتخذان قرارا أخلاقيا كارثيا يض
أن تبقي الشمس حية" للكاتبة والمترجمة الايرانية رابعة غفاري، وبترجمة علي عبدالأمير صالح. وبطل الرواية هو "شازديبور" مغترب إيراني مسن في باريس، يتذكر، خلال يوم واحد، حياته الماضية في نيسابور، إيران. كانت أسرته تتندر عليه وتسميه "فوكولي" أي "الأفندي صاحب ربطة العنق" المولع بالغرب وثقافته، يحب الموسيقى الغربية ويفضلها على الموسيقى الفارسية الكلاسيكية، إلا أنه مسكون بإحساس عميق بالفقدان. ورابعة غفاري كاتبة وممثلة وصانعة أفلام، غادرت إيران صحبة والديها قبل شهور من نشوب الثورة، رسمت خرافات محلية ووهبت حتى أصغر شخصياتها الروائية الكثيرة خلفية قصصية تراجيدية.
بعدَ ثمانية عشر عامًا من السُّخرة المُهينة لدى وكيل مزرعة "ميري"، يتمكن جودبيارتور جونسون مِن شِراء مزرعته الصغيرة الخاصة به، وَيصير "بيارتور صاحب البيت الصيفي". وَلم يعد يطمح بعد ذاك سوى بتربيةِ قطعانه وزيادتها دون أن يكون لأحدٍ عليه مِنّة ولا فضلُ. بيدَ إن ابنته آستا سوليليا الجريئة المفعمة بالحيو
طرأ شيء من التوقف على أعمال تولستوي الأدبية المُبدعة، بعد «الحرب والسلم». وذلك لا يعني أن الكاتب يظل خالياً من العمل، على العكس: إنه يقرأ بكَثرة، ويعمل على تأليف، «كتب القراءة الأربعة» التي يَعُدّها أعظم الأعمال الأدبية شأناً في حياته. وتتفتّق في ذهنه مشروعات روايات جديدة. لكن صوفيا تولستوي تُدوَّن في 24 شباط 1870 مايلي: «قال لي البارحة مساء أن قد ظهر له نموذج امرأة متزوجة، من الطبقة الارستقراطية. ضلّت سبيلها. وقال لي: إن مهمته تنحصر في عَرض هذه المرأة على أنها جديرة بالعطف وليست مذنبة، وما إن مَثُل هذا النموذج بين يديه حتى وَجدت جميع الشخصيات والطباع المذكّرة التي ظهرت له من قبل مكانها وانتظمت من حول هذه المرأة. «لكن ذلك لم يكن سوى فكرة عارضة؛ وبدا المشروع كأنه لا مستقبل له. وبالفعل، فإن تولستوي، في السنوات الثلاث التي تلت، يُنجز كتب القراءة الأربعة، ويدفعها إلى الطباعة في 1872، وتشغل بالَه، قبل كل شيء، فكرة كتابة رواية تجري في عهد بطرس الأكبر، رواية يُحرّك فيها جدَّه بطرس تولستوي، تلك الشخصية الملتبسة التي تنتهي حياتها نهاية جدّ مثيرة. وهو يحيط نفسه بمجموعة من الوثائق ويقرأ كتب التاريخ، ويُعيد كتابة البداية نحو عشر مرات، ثم يَعجز، في نهاية الأمر، عن الانتقال بالخيال إلى عصر العاهل العظيم، السحيق البعد، فيَهجُر مشروعَه ليعود إلى المخلوقات التي تُحيط به. إلى الوسط الاجتماعي الذي يعرُفه حق المعرفة والذي يستطيع أن يصفه بوضوح أعظم.
في المقبرة المتهدّمة تجمَّعَ حول القبر عدد من زملائه السابقين في مجال الدعاية في نيويورك، وأعادوا إلى الذاكرة حيويته وإبداعه وأخبروا ابنته، نانسي، عن مدى سرورهم في العمل معه. وكان هناك أيضاً أناسٌ جاؤوا من ستارفيش بيتش، قرية مساكن التقاعُد على ساحل جرسي حيث كان يُقيم منذ عيد شُكر عام 2001 - العجوز ا لذي كان حتى عهدٍ قريب يُعطيه دروساً في الفن. وكان هناك ولداه، راندي ولوني، رجلان في منتصف العمر من زواجه الأول المضطرب، يُشبهان أمهما كثيراً، ونتيجة لذلك لم يجِدا فيه ما يستحق الثناء ووجدا الكثير مما هو شنيع وحضرا بدافع أداء الواجب لا أكثر. وأخوه الأكبر، هوي، وزوجة أخيه كانا حاضرَين، بعد أنْ وصلا بالطائرة في الليلة السابقة، وكانت هناك إحدى زوجاته الثلاث السابقات، الوسطى، والدة نانسي، فيبي، الممشوقة، الشديدة النحول ذات الشَّعر الأبيض، التي تتدلّى ذراعها اليُمنى بارتخاء إلى جانبها. وعندما سألتها نانسي إنْ كانت تريد أنْ تقول شيئاً، هزّتْ فيبي رأسها نفياً باستحياء لكنها مضتْ قُدُماً لتتكلَّم بصوتٍ ناعم. خرج منها الكلام مُبهماً ومُشتتاً: «ببساطة من الصعب التصديق. لا أستطيع أنْ أنسى مرآه وهو يقطع المرفأ سباحةً». ثم جاء دور نانسي، التي كانت قد قامت باستعدادات جنازة والدها واتصلتْ هاتفيّاً بأولئك الذين حضروا حتى لا يقتصر الحضور على أمها، وهي نفسها، وأخيها وزوجة أخيها. كان هناك شخص واحد لا صِلة له بالدعوة، إنها أثقل النساء وزناً ذات أشد الوجوه المستديرة سماحة والشَّعر المصبوغ باللون الأحمر التي ظهرت ببساطة في المقبرة وقدّمتْ نفسها باسم مورين، الممرضة الخاصة التي كانت تعتني به بعد أنْ أجرى عمليّة في قلبه قبل سنين خلتْ. وتذكّرها هوي وتقدَّمَ ليُقبّل وجنتها.
"..أنام وأحلم بأن الموت الجديد سيحصد روحي بصورة لا مثيل لها لسخفها وعبثها ويتداعى في رأسي كل الموت الذي اختزنته ذاكرتي... كنت أستعيد كمن يجرك شريطاً سينمائياً متآكلاً التفاصيل نفسها والكلام نفسه... كنت أمرن نفسي على القطع النهائي مع هذه الحياة... اختزلت حياتي ببضع محطات وكبستها مع بعضها، ووضعتها في حقيبة، خططت أن أتركها في بيتنا المتهالك لتأكلها الجرذان والأرضة بعد رحيلي..." تعتمد هذه الرواية على الشخصية المحورية (نديم) بوصفه شاهداً على كل الأحداث التي جرت خلال العقود الثلاثة الماضية، وقد صقله المؤلف من عدة جوانب (اجتماعية ونفسية ومكانية وزمانية).
صحفي ألكسندر كريفيتسكي مراسلٌ حربيٌّ لجريدة "كراسنايا زفيزدا" ("النجم الأحمر"). وهو أول من تحدث في عام 1941 على صفحات جريدته عن مأثرة الـ 28 محارباً من فرقة الجنرال بانفيلوف الذين كانوا يدافعون عن طريق فولوكولامسك العام عند مشارف موسكو. وقد حظي هذا "الأوتشراك" بشهرة، وطبع عدة مرات بطبعات مستقلة. وأل كسندر كريفيتسكي مؤلف كتب شعبية عن أحداث الحرب الوطنية العظمى: "الليل والفجر"، "لن أنسى إلى الأبد" وغيرهما. هناك شيءٌ مشتركٌ في هذه الأعمال التي تؤلف المجموعة، وهو أن مؤلفيها وجدوا أبطالهم من صميم الحياة، وكل ما عاشوه كأنما عاشوه بصورة مشتركة. ولن تجد في أي مكان تأملاً فارغاً. ولكن لم ذاك؟ لأن كلَّ إنسان سوفييتي التقى بفكرة ممارسة صداقة الشعوب السوفييتية لقاء عيان، وكان في استطاعته أن يتحدث عن هذه الظاهرة العظيمة للحياة الاشتراكية بشيء يخصه، وقريب إليه.
تحكي الرواية عن روبرت و جلوريا اللذين فشلا فى العثور على عمل فى هوليوود، فقررا الاشتراك فى ماراثون رقص حتى يلاحظهم أحد المنتجين هناك، وماراثونات الرقص هي نوع من المسابقات يتنافس فيها المشاركون في الرقص واقفين على أقدامهم لأيام طويلة…
"إنيارا" مجموعة شعرية للشاعر هاري مارتينسون هي وليدة زمنها، فعندما خرجت للقراء في العام (1956) تحولت إلى ظاهرة ثقافية في غضون السنوات الخمس التالية، اعتبرها مارتينسون مقياساً لأعماله المستقبلية اللاحقة، في مقابلة أجراها في هلسنكي عام 1963، الشاعر الذي لم يخفِ شكواه، وإن بشيء من المزاح، بأنه يعتبر كتابه (إنيارا) أشبه بصناعة سجادة اسكندنافية ضخمة وكل ما بوسعك فعله، بعد ذلك، هو أن تجلس وتقوم بصنع وسائد صغيرة، وسيقول الناس: لماذا لا يقوم بصنع سجادة اسكندنافية ضخمة عوضاً عن هذه الوسائد الرديئة؟
رواية عبقرية. بل نظلمها إن قلنا رواية. هي ملحمة عظيمة. كتبتها امرأة. الأمر الذي يشي بالفخر. فصدقت حين قالت : أن الحب كالحرب. يفعلها الرجال و تؤرخها النساء. و هاهي بكل عبقرية تكتب عن غزو الأسبان لأمريكا اللاتينية و احتلالهم لأرض تشيلي الخصبة. تكتب الرواية على لسان المرأة الأسبانية التي حكمت تشيلي مع عشيقها الفارس الغازي بيدرو دي بالديبيا الذي غزا تشيلي و ارتكب من الجرائم في حق أهلها ما يشيب له الولدان. تكتبها و هي التشيلية التي تنحدر من سلالة لا بدا و أن تعُذّبت على يد بيدرو دي بالديبيا وتكن الكُره للشيطانة خليلته.
"هل سبق لك أن التقطت كتاباً من أحد متاجر الكتب المستعملة وحصلت منه على إيصال ما، أو اكتشفت رقم هاتف مكتوباً على ورقة غافية بين طياته، أو قرأت نقشاً عن مشاعر دافئة لشخص لم تصله؟ هل جعلك تتساءل عن حياة أولئك الذين قلبوا تلك الصفحات قبلك؟".
هي حكاية "فيتا ساكفيل ويست"، عشيقة فرجينيا بين أعوام 1925 إلى 1928؛ التي كانت روائية بوهيمية، أرستقراطية، ثنائية الجنس، لدرجة أن هناك عبارة تختزل الرواية إلى حد كبير على لسان نجل ساكفيل، بأنها: "أطول رسالة حبّ في الأدب، وأكثرها سحرًا". من الصعب الحكي عن رواية كتلك في سطور قصيرة، لكن يمكن القول إنها رواية ممتدة لزمن طويل يصل حوالي ستمائة عام. حكاية أورلاندو التي تبدو إنسان خالد، وُلدت ذكر، طفل وصبي وشاب، من أجمل الشباب الذين عاشوا في تلك الحقبة حتى أن الملكة فقدت أعصابها في حضوره واتخذته عشيقا صغيرا لها. يؤلمه الحب ويدمي قلبه فينعزل طويلا قبل أن يتحول فجأة إلى شابة جميلة. تتغير حياته بأكملها وتنطلق أورلاندو في كل مكان، تجرب كل شيء، تكتب وتنشر وتعيش مع الغجر وترتدي الفساتين والسراويل وتركب السفن والأحصنة والسيارات. حياتها الطويلة الممتدة عبر العصور وهي فقط في الخامسة والثلاثين من عمرها، تتأرجح بذكاء على أجنحة الأنظمة والاختراعات الحديثة بينما تدير أملاكها وتحب وتعشق وتعد نفسها لزواج سعيد. ليس الحديث هنا عن المرأة أو عن النسوية وأسئلة الهوية الجنسية والجندرية، رغم أن الرواية حافلة بهذه الأسئلة، التي قد تبدو كلاسيكية في نظر المجتمع الغربي، وإن كنا لا نزال بحاجة إلى طرحها في ثقافتنا العربية، بسبب قوانين الزمن الغريبة، والتي تقول عنها وولف في هذه الرواية: "لكن لسوء الحظ فإن الزمان، رغم أثره على الحيوانات والنباتات التي تزهر أو تذبل، لا يمتلك القدرة ذاتها على العقل البشري. عقل الإنسان عجيب، يؤثر بدوره على جسد الزمان. ساعة زمن، بمجرد أن تسكن الروح البشرية الملغزة، قد تصير خمسين أو مائة ضعفًا، ومن الممكن لنفس الساعة أن تمر على العقل البشري كثانية واحدة". هذه القوانين الغريبة للزمان، والتي تعد من تقنيات هذه الرواية، هي التي تجعلنا لا بد أن نقرأ الأسئلة السابق ذكرها؛ لأن ساعة الزمن أيضًا حين تسكن المجتمعات، فإن أمرها يختلف من مجتمع إلى آخر، وقد تمضي بهذا المجتمع أسرع أو أبطأ.
وُلد إيفان تورغينيف في 28 تشرين الأول (9 تشرين الثاني في التقويم الجديد) عام 1818 في مدينة أوريول. وكان أبوه سيرغي نيقولايفيتش يخدم في فوج يلزافيتغراد الذي كان يرابط في أوريول، وتقاعد برتبة عقيد. وأمّه فارفارا بتروفنا، من مواليد لوتوفينوف. وكان إيفان سيرغييفيتش الابن الأوسط من ثلاثة أبناء. والأخ الأصغر توفي في ريعان الصبا، والأكبر يعيش في موسكو. فقَدَ تورغينيف أباه، وهو في السابعة عشرة، إلا أنّ أمّه عاشت حتى بلغت السبعين، وتوفيت عام 1850. في عام 1822 سافرت عائلة تورغينيف إلى الخارج، وزارت، فيما زارت، سويسرا. وأثناء إحدى الزيارات كاد إيفان الطفل ، وهو في الرابعة من العمر، يقع في حفرة الدببة الشهيرة في برن، وربما كان سيدفع ثمناً غالياً لتهاونه، لو لم يفلح أبوه في إخراجه فوراً من هناك. وبعد العودة إلى الوطن أقامت العائلة فترة طويلة في ضيعتها، في قضاء متسينسك من ولاية أوريول. وفيها بدأ تورغينيف يتعلّم على أيدي أساتذة من مختلف القوميات ما عدا الروسية. ومن أوائل الكتب الروسية التي قرأها «روسيادا» لمؤلفه خيراسكوف. وهو مدين بتعرفه على هذا الكتاب إلى واحد من أقنان أمه، كان شغوفاً جداً بالشعر. وفي عام 1828 انتقل إيفان تورغينيف مع والديه إلى موسكو، وفي عام 1834 دخل جامعة موسكو، حيث أنهاها بأطوحة «مرشح». وفي عام 1838 سافر إلى الخارج، وكاد يودى به بحريق شب على الباخرة «نيقولاي الأول» قرب ترافيميونده. وحضر تورغينيف في برلين محاضرات في التاريخ واللّغتين اللاتينية واليونانية وفلسفة هيغل.
في تلك الليلة ونحن نتناول العشاء، جلستُ ما بين عبارات بابا وماما «نحن فخوران بكِ جدّاً » و «إنّها ذكيّة »، إلى أن ساد الصمت. «تعرفان ماذا يعني هذا »قلتُ، «الأمر الكبير الذي يعنيه ». عبس بابا وماما، وألقى كلّ منهما إشارات الاستفهام صوب الآخر. «ألا تتذكّران؟ » قلتُ، «عندما بدأتُ الدراسة في غايلر ستريت قلتما إنّني لو حصلتُ على علامات تامّة في جميع الموادّ طوال فترة الدراسة، يمكنني الحصول على أيّ شيء أرغب به كهديّة تخرّج» . «أتذكّر » قالت ماما. «لقد كان ذلك من أجل صرف انتباهك عن موضوع المُهر» . «المهر هو ما أردتُه عندما كنتُ صغيرة، أنا أريد شيئاً مختلفاً الآن. ألا تشعران بالفضول لمعرفته؟ »، قلتُ. «لستُ متأكّداً » أجاب بابا، «هل نشعر بالفضول؟ ». «رحلة عائليّة إلى القارّة القطبيّة الجنوبيّة! »، وسحبتُ البروشور الذي كنتُ جالسة عليه. إنّه بروشور من شركة سياحة تنظّم رحلات بحريّة إلى أماكن بعيدة. فتحته على صفحة القارّة القطبيّة الجنوبيّة، ومددته عبر الطاولة. «يجب أن نسافر خلال الكريسماس إن كنّا سنذهب ». «الكريسماس هذا؟! » سألت ماما، «أي بعد شهر؟ » ثمّ نهضت، وأخذت تحشر علب الطعام الجاهز الفارغة في الأكياس التي وصلت بها. كان بابا مستغرقاً في قراءة البروشور، «إنّه الصيف هناك » قال، «وهو الوقتُ الوحيد الذي يمكن الذهاب فيه .» «الأمهار ظريفة »، عقدت ماما فوهات الأكياس. «ما رأيكِ؟ » نظر بابا إلى ماما. «أليس التوقيت سيّئاً بالنسبة لكَ بسبب العمل؟»، سألتْه. «نحن ندرس القارّة القطبيّة الجنوبيّة» قلتُ، «لقد قرأتُ كلّ يوميّات المستكشفين، وسأقدّم عرضاً عن شاكلْتن». بدأتُ أتلوّى في مقعدي ثمّ قلتُ: «لا أصدّق هذا! لا أحد منكما قال: لا!».