بين دفتي هذا الكتاب يوميات الكاتبة "أناييس نن" (1903- 1977م) المولودة في ضاحية (نوبي) البارسية لأب أسباني، وأم ألمانية؛ تعتبر يوميات "أنانييس نن" حدساً أنثوياً إزاء أعماق النفس والعالم المحيط في القرن العشرين، تأثرت به الكاتبة وكتبت عنه، وخصوصاً إذا ما عرفنا أنها عاشت بصحبة أسماء لامعة في ميادين الإ بداع الأدبي والفني في باريس في تلك الحقبة من الزمن منهم هنري ميللر، ولورنس داريل، والشاعر جول سوبر فيل وغيرهم كثير من بلدان مختلفة. تأتي أهمية يوميات "أناييس نن" من كونها نجحت في أن تجري فصلاً دقيقاً بين العواطف والمشاعر والأفكار، فقد غطت يومياتها سنوات الثلاثينيات والأربعينيات وصولاً إلى السبعينيات والتي تمثلت مجموعة هامة من الأحداث والأسماء والإنجازات الفنية، من أروع مواقفها على سبيل المثال موقفها من الموضوعة التسوية، فهي تأخذ على المتعصبات النسويات أن يبددن طاقاتهن في البحث عن أسباب لمعاداة الرجال، وتدعوهن للإنشغال بالإبداع الحقيقي الذي يكشف عن ذواتهن وأن يعملن لإقناع الرجال القريبين منهن إلى مشاركتهن في إنجاز التحرر الإنسان في كل العوائق والمخاوف التي تنتاب الجنسين ليكون كل شخص حقيقياً وأميناً وواعياً لواقعه وقادراً على إجتراح أحلامه.
منذ أن اختارت موتها طوعاً عام ١٩٦٣ كُتِب وقيل الكثير عن الشاعرة الأمريكية الآسرة سيلفيا بلاث. في الأخص عن زواجها من الشاعر البريطاني تد هيوز وعن الأشهر الأخيرة من حياتها بعد فشل هذا الزواج عام ١٩٦٢، وارتكابها الانتحار. تعرض يومياتها صورة مؤثرة وحميمة عن الشاعرة التي نظمت قصائد استثنائية كرّست سمعتها واحدة من أعظم شعراء القرن العشرين، لكنها أيضاً يوميات متميّزة بنثر مباشر قوي جعلها إلى جانب -الناقوس الزجاجي- عملاً باهراً من أعمال الأدب. هذه المخطوطات الدقيقة والكاملة لليوميات التي كتبتها بلاث عن السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة من حياتها، القصيرة إنما الممتلئة، والتي تروي فيها عن المراهقة التوّاقة التي تكتشف جنسانيتها، والشاعرة الناشئة التي، وهي مغمورة بطريقة حياة ضارية، تصارع الرفْض لتحقيق طموحها - شاملة زواجها من الشاعر تد هيوز وصراعها مع الكآبة- هي مصدر رئيس لأجمل القصائد التي تشكّل ديوانيها -آرييل- و-لعملاق-. «كل شيء يمرّ أمام عينيها يرتحل من دماغها إلى القلم بصفاء مذهل - من نيوانكلند الخمسينيات، كمبريدج المُمَهِدة للشراكة، بينيدورم الممهدة للسياحة الواسعة النطاق، حيث قضت شهر العسل مع هيوز، حتى ولادة ابنهما نيكولاس في ديفون ١٩٦٢. هذه ومقاطع أخرى هي نابضة بالحياة بحيث تفاجأ حين ترفع بصرك من الصفحة فترى نفسك عائداً إلى الهنا والآن... الصراع مع الذات يجعل هذه اليوميات مفحمة وفريدة». «جون كاري، الساندي تايمز» «يوميات غنية بنثر رائع تحكي في جزئها الأكبر كيف أصبح الشاعر في مرحلة الانتظار الشاعر الذي نعرف». «آن ستيفنسون، مجلة ثامبْسِكْرُو» أقل
كما يسخر الوعى للجسد . يوميات 1964 – 1980، إذ يوفر تبصراً فريداً داخل عقل واحدة من المفكرين الرئيسيين فى عصرنا الحديث، للرحلات الفكرية، الأخلاقية والسياسية لهذه الناقدة والمجددة فى أوج قواها .
ولادة ثانية "، صورة شخصية متعددة الألوان لواحدة من أعظم الكتاب والمفكرين الأمريكيين، تعج بفضول سونتاغ النهم وظمئها للحياة. في هذه اليوميات، أو الاعترافات (( العظيمة ))، نراقب بشغف تفتحها على الحياة، ونشاركها لقاءاتها مع الكتّاب الذين أغنوا معارفها، وننشغل بتحديها العميق للكتابة نفسها. كل هذا، يترش ح في تفاصيل لا تضاهى للحياة اليومية. في اليوميات بوح ذاتي على نحو غير عادي، يتظافر مع وصف شغفها الفريد الى معرفة فكرية، وحسية ايضا، عندما كانت سونتاغ تتوق الى أن تغدو جديرة بالكتّاب والرسامين والموسيقيين الذين تبجل. جشع سونتاغ الاستثنائي ــ (( الإحساس الذي كانت بحاجة اليه لتسمع كل قطعة موسيقى، وترى كل عمل فني، وتلم بكل الأعمال العظيمة في الأدب )) ــ كان موجودا منذ البداية، ونحن نلمسه في هذه اليوميات " الحقيقية ".
ذلك إننا يجب أن نسعى بجهد إلى معنى كل كلمة وكل سطر، لأننا نفترض دائماً أن هناك مهنى أكبر من الاستعمال الشائع الذي تتيحه لنا الحكمة والشجاعة وسماحة النفس التي نتحلى بها. هناك كتب نتصفها بمتعة ناسين الصفحة التي قرأناها ما أن ننتقل إلى الصفحة التالية. وكتب نقرأها بخشوع دون أن نجرؤ على الموافقة أو الاعتراض على فحواها. و أخرى لا تعطي سوى معلومات ولا تقبل التعليق. وهناك كتب نحبها بشغف ولوقت طويل، لهذا نردد كل كلمة فيها لأننا نعرفها عن ظهر قلب. القراءة عبارة عن محادثة، تماماً مثلما يبتلى المجانين بحوار وهمي يتردد صداه في مكان ما في أذهانهم، فإن القراء يتورطون أيضاً بحوار مشابه، يستفزهم بصمت من خلال الكلمات التي على الصفحة. في الغالب لا يدون القارئ ردود أفعاله، لكن أحياناً تنتاب قارئ ما رغبة بإمساك القلم والتواصل مع هذا الحوار بكتابة الهوامش على النص. هذا التعليق، هذه الهوامش، هذه الكتابة الظل التي ترافق أحياناً كتبنا الأثيرة توسع من النص وتنقله إلى زمن آخر، وتجعل من القراءة تجربة مختلفة وتضفي واقعية على الأوهام التي يرويها لنا الكتاب، ويريدنا (نحن قرائه) أن نعيشها.
امبرانت، لم يكن يؤمن بالخلود. ربما حضر له كأمرٍ ديني، لكنه لم يصل عنده حد يقينيات الكائن البشري. و لم يكن عنده فاعلاً وموجِّهاً. وهذا كان سبب اكتئابه. لكنه أيضاً، لم يستطع ابعاده عن حياة الانسان المتفوق فيه. لهذا كانت استمراريته متجاوزا ما هو ادنى. هو بقي سجينَ احلامه الكبيرة وسجين فنائه وظمئه. جسد متنافر. لذا صار المكان والزمان عنده بُعدين لخلية جسدية. لم يكفّ عن قياس الفرح المر بالاضطهاد، وكما لو ان الحرمان من الابدي لم يكن الا وعياً مؤسفا اكثر بنهايتنا. مارسيل بريون 1946 MARCEL BRION رامبرانت صور نفسه بوضوح، في الرسم الزيتي وفي النقش على المعادن وفي التخطيطات، ما يقارب المائة مرة. وفي كل مرة من هذه المرات نتعلم اكثر عن رامبرانت. إلى حدٍ ما، حقّقَ رامبرانت متطلبات يونج وعرض الشخصية في رسومه كظاهرة متطورة. تقنياً، كانت سمتُه التقدم بحذق متزايد في مضمون اللوحة. تبدو النفس في رسومه تخترق القناع المرسوم وتجعل منه تسجيلا مهتزا لحياة الفنان الداخلية. لكن رامبرانت كان يشعر بوضوح ان هذه الدرجة من الكشف ليست كافية وان الشخصية تتحطم تدريجيا تحت ضغط الواقع و الوجه يفقد نعومته وتناسقه وتماسكه. هربرت ريد 1955