كتاب "ابتسامة في أسفل السلم" للكاتب الامريكي الشهير هنري ميللر ترجمه الى العربية ياسين طه حافظ. الكتاب يحتوي ثلاثة نصوصٍ تتأرجحُ بين الإبداع والدراما السّاخرة، الانتحار وقلب السُّخرية فعلاً جادّاً وملاحقة الأسئلة الصعبة بعد الموت.. وقد عرف عن هنري ميللر عدم رضاه عن الاتجاه الأدبي العام في الأدب الأمريكي. وبدأ تطوير نوع جديد من الرواية والتي هي عبارة عن خليط من القصة والسيرة الذاتية والنقد الاجتماعي والنظرة الفلسفية والتصوف، يجمع هنري بين نقيضين فهو يمتلك القدرة على التعبير الواقعي ثم لا ينعدم وجود أفكار خيالية في أدبه.
أفواه الزمن - إدواردو غاليانوثل طائر يهبط الى الارض بسرعة ليلتقط شيئا لانراه، كذلك يفعل ادواردو غاليانو في كل كتاباته يلتقط صورا نادرة من حياتنا اليومية، ويعيد تلوينها باقلامه الساحرة، في صور مدهشة وغريبة كانها من عالم اخر.. الكتاب عبارة عن مجموعة من القصص والحكايا والطُرف والمفارقات والتأملات في الكون والتاريخ والسياسة والحياة وكل ما يخطر على بال الكاتب .. الأسلوب فكاهي وممتع .. أفكار قصيرة ومتفرقة ومتسلسلة بطريقة ذكية.
"أعرف بأنني رغم كل ما فعلته لها ولأجلها، لن تعيد لي بلاطة من أزقتها، أو غصناً من غوطتها، إنها مدينتي وأنا أعرفها، ولذلك سأشرب من ينابيعها، بكل ما أستطيع دون ظمأ، وآكل من طعامها فوق طاقتي دون جوع، وأعبّ من هوائها بكل قواي دون علة، لأسترد بعضاً من حقوقي عليها، آه... فلتذهب حقوقي وحقوقها إلى الجحيم، المهم... كيف أنساها؟ أنام على جنبي الأيمن: نوافذها وشرفاتها، على الأيسر: مطابخها ومناورها، أتمدد على ظهري: سماؤها، ولكن متى توفرت الرغبة بالانتقام، فأدواته لا تحصى، سأترك وحلها على حذائي، وغبارها على ثيابي، لأسيء إلى سمعة كتّابها، سأرش شواعها وملاعبها بالمسامير، وأرشد القمل إلى رؤوس أطفالها، والريح الثلجية إلى عظام عجائزها، واليأس إلى نفوس شبابها، وأمزق ما تطاله يدي من موسوعاتها ومجلدات آدابها وعلومها ووقائع أيامها وأطارد طلابها وقططها في الشوارع، وأنهر متسوليها على الأبواب، وأنقض الحبر على خرائطها وطرق مواصلاتها، وأحطّم مصابيحها في الظلام، وأنزع حتى اللحاء عن غاباتها في الشتاء، لا لأنني ساديّ دموي وشرير، بل لأنني مللت النوم كل ليلة، وأنا مرتاح الضمير".
ذات يوم سألني صديقي الشاعر البصريّ، الخصيبيّ الاصل، اليوسفاني المولد جمال مصطفى، المقيم في الدنمرك الآن، سؤالاً بدا لي رومانسيا جداً: ألمْ تنجب أبو الخصيب شاعراً بعدنا؟ قلت بلى، وسمّيت له بعض الأسماء، ثم نصحني بإلحاح العارفين أن أكتب معجماً للألفاظ المتداولة في أبي الخصيب. وقتذاك، كنت منشغلاً بشاغل الشعر والصحافة وتفاصيل البيت والأسرة، لكنني قلت له: والله هي فكرة ممتازة، قد اتمكن من الشروع في كتابة شيءٍ من ذلك، لعلمي بأنَّ النسيان لا بدَّ آتٍ على كثير من المفردات لدينا، والتي لم يعد الكثير منها متداولاً الآن، بحكم نزوع الناس نحو (التمدّن) وتقليد سكان المدنية، التي يجد بعض الشباب، من سكان القضاء أنها الأليق بهم، وما يلوكه آباؤهم وأجدادُهم من مفردات إنما هي محط استهزاء وسخرية سكان المدينة، الذين راحوا يلهجون بكلمات المقيمين الجدد فيها، القادمين من ريف العمارة والناصرية. وفيهم من راح يتبغدد بلسانه أيضاً، في هجران واضح لألفاظهم، ألفاظنا، نسيج أرواحنا الذي نسجته أنوال سنين طوال من العيش بين النخيل والظلال والانهار، حتى غدا حلواً متشهىً، كمثل رطبنا وتمرنا ومروءتنا، كمثل كلماتنا والفاظنا التي لا أجمل ولا أسهل منها في اللسان، ولعمري حين يقول الخصيبي: (منيّل) منّجل. (المنجل)المعروف، والمستخدم لدى الفلّاح، أجدها أطرى بين الشفتين وأسهل لفظاً، ذلك لأن حرف النون متبوعاً بحرف الياء أسهل في اللفظ من حرف النون متبوعاً بحرف الجيم.
إن ابن المدينة الذي لم يكن على وفاق دائم مع الزمن الذي يعيشه ، كان قد غادر عتبات بيته الآمن ، فإذا به يدفع إلى تاريخ مضطرب يسير باتجاه الماضي . هذه الحركة يختصرها عنوان هذا الكتاب ، وتعيد بعض النصوص إعادة إنتاجها . هذا الكتاب يحمل لهجة الثقافة ويستخدم خيوطها ونسجها ، لكنه في القلب معني بالحياة ، والدفاع عنها ، وعن القيم المدنية.