انشغلت النساء لقرون عديدة ليصبحن ملهمات للفنانين. وأعلم أن القارئ قد تتبعني في اليوميات عندما أردت أن أكون ملهمة، وزوجة لفنان، بيد أني في الحقيقة كنت أحاول تجنب النتيجة الأخيرة –والقيام بالمهمة بنفسي. فقد وجدت في الرسائل التي تلقيتها من النساء، ما وصفه دكتور رانك، المحلل النفسي، بأنه شعور الذنب تجاه الإبداع. إنه لمرض غريب للغاية، لا يصيب الرجل– بسبب الثقافة التي تطالبه أن يعطي أقصى ما عنده من مواهب. فالثقافة تشجعه ليصبح طبيباً ماهراً، وفيلسوفاً عظيماً، وأستاذاً كبيراً، وكاتباً بارعاً. كل شيء قد خُطط له حقاً ليدفعه في هذا الاتجاه. ولم يُطلب هذا الأمر من النساء لحد الآن. في عائلتي، كما هو الحال في أي عائلة على الأرجح، كانوا ينتظرون مني ببساطة أن أتزوج، أن أكون زوجة وأربي أطفالاً. لكن ليست كل النساء لديهن القدرة لهذا الدور، وأحياناً، كما قال د. هـ. لورانس، لا يقمن به بطريقة مناسبة. «لا نحتاج إلى المزيد من الأطفال في العالم، وإنما نحتاج إلى الأمل». هذا ما اعتزمت فعله، وتبنيتُ المزيج الذي بداخلي. لأن بودلير أخبرني منذ زمن بعيد أنه في داخل كلٍّ منا يوجد رجل وامرأة وطفل – والطفل هو من يقع دائماً في الورطة. يؤكد علماء النفس دوماً ما قاله الشعراء منذ زمن طويل. أتعلمون، أن حتى فرويد الجدير بالشفقة، الخبيث قد قال ذات مرة: «أينما ذهبت، وجدت شاعراً أمامي». لهذا يقول الشعراء إننا نمتلك ثلاث شخصيات، إحداها مخيّلة الطفل التي تبقى عند البالغين و تساهم بطريقة ما في تكوين الفنان
في رواياته وقصصه القصيرة، وفي حوارياته، يظل فؤاد التكرلي يبحث في العمق، في تجربة الحياة وتجربة الكتابة، في نسيج واحد، يتداخل فيه الفرح والحزن، الحرية والقمع، النجاح والإخفاق، فالشخصيات تتحرك دائماً تبحث عن مصائرها ومساراتها التي تتغير دائماً.
أليس جريئاً فخري كريم حين يعرض يومياته السياسية، تعليقاته على أحداث ومسائل سيارة في كتاب. إذا كانت السياسة لا تنبع من الأفكار وإذا كانت في مسارها تصوب الأفكار، إذا كان الحدث لا يلبث أن يغدو في جهة أخرى فإن من المجازفة تقديم الرأي عارياً من الحدث وبعيداً عما آل إليه. إنها لمجازفة لكنها أيضاً مناسبة للوقوف على المعادلات الصعبة، لإيجاد ضوء ودليل أولي. فخري كريم ضد الاحتلال إنه يندد بما فعله القيصر بريمر من تدمير للبنية العراقية وانفراد في السلطة (يرى بريمر نفسه في الحلم في صورة صدام حسين عارياً يهرع نحو سفارة أميركية غير موجودة)، ضد الاحتلال لكن أيضاً ضد مقاومته بالإرهاب، ضد الفساد لكن أيضاً ضد الانقلاب باسم ذلك على الشرعية. إنها معادلات صعبة يستسهل البعض فكها والالتحاق بأحد جانبيها، وليس من مآل لذلك إلا الانتحار أو الاستتباع والرضوخ. يجازف فخري كريم بمواقف انسلخت عن أحداثها، لكن المجازفة تنفع في النفاذ من التشويش الحاصل بين الزمن والذاكرة. تنفع في اخترع نوع من التذكر الموجه، في إيجاد أرضية أولى للذاكرة.