يتعرّض المعماري العراقي المعروف رفعة الجاردجي في كتابه هذا إلى مسألتين، أولهما: كيف تطوّرت النواة الفكرية لنظرية جدليّة العمارة، وثانيتهما: وصف للأبنية التي أنجزها المؤلف مع العديد من زملائه العاملين بصفته مهندساً معمارياً. وهذا الكتاب لا يسرد تاريخ العمارة في العراق ولا يسرد تاريخ ما قام المؤلف بممارسته، وهو كتاب لا ينحصر في مسألة معمارية معينة، وإنما يشمل موضوعات عديدة ذات صلة أساسية بفن العمارة من خلال تجربة وممارسة شخصية وعامة على مدار ربع قرن.
تخفي بغداد كنوزاً معرفية عديدة في ثنايا فضائها المديني. وهذه الكنوز، هي في الواقع، تمثيلاً لابداع فترات مثمرة ومميزة، مرّ بها تاريخ المدينة الممعن في القدم. وقد سعى صفوة من المهتمين وراء تبيان تلك الكنوز والكشف عنها، لتكون المنطلق والأداة اللتين، منهما وبهما، تبدأ نهضة المدينة، وبالتالي نهضة البلد ككل. وكحاضرة “متروبولتانية” عريقة بامتياز، فإنها تخفي، أيضاً، تحفاً معمارية عالية الأهمية، إن كانت في قيمتها الفنية، أم في نوعية مقاربتها الأسلوبية. إنها تحف حقيقية ومتنوعة، ما انفكت تمتلك جمالياتها، وقوة معالجاتها التكوينية. بيد إن سطوة الزمن العاتية، “المتواطئة” مع يد الانسان غير الرحيمة، عملتا على تشويه وإقصاء وغياب “حضور” تلك التحف عن المشهد المديني، رغم ما تمثله من أهمية ثقافية، وما تعكسه من إبداعات مهنية مرموقة.
يهدف كتاب "مئة عام من عمارة الحداثة" التعريف بأهم منجز من منجزات الحداثة، والإحاطة الموضوعية بإحدى تجلياتها المؤثرة وهي (عمارة الحداثة) ضمن فترة زمنية محددة أمدها ومسرحها القرن العشرون؛ وظاهرة عمارة الحداثة - ظاهرة عالمية، كان أن تأثيراتها أيضاً عالمية، ولهذا فإن فهم وإدراك ما حصل في عمارة الوطن العربي مؤخراً، يستدعي فهم وإدراك تلك الظاهرة الإبداعية التي أثرت تأثيراً كبيراً في تغيير البيئة المبنية، وأدت إلى ظهور رموز تلك البيئة وحددت معالمها. ورغم أهمية التأثيرات الواسعة والجذرية التي أحدثتها عمارة الحداثة في المشهد المعماري العالمي، فإن المعرفة بها والإحاطة بمنجزاتها ظلت مقتصرة على إهتمام نخب ثقافية محددة، وعلى ذوي الإختصاص الدقيق. ولهذا فإن الكتاب يطمح إلى توفير فرصة الإلمام والوعي بهذا المنجز المهم من منجزات القرن العشرين الفاعلة، من خلال عرض منجزات المعماريين والحديث عن مقارباتهم التصميمية والتعريف بالتيارات المعمارية المتنوعة، التي ألفت بمجموعها كيان "عمارة الحداثة".