يرصد أورهان كمال تحولات المجتمع التركي بتنوعاته وتقاليده في الريف والمدينة .. وصراع الأجيال والمشكلات العائلية التي لا تجد حلا إلا حينما تتحول إلى مشكلات من نوع آخر .
في لحظة السكون الغامر تلك تذكر ما كانت تقوله أمه مكية الحسن للنساء اللائي يجلبن لها أطفالهن المرضى لمعالجتهم بالأعشاب ويسألنها عن علامة الشفاء. روت لهن قائلة إن علي عندما كان صغيرا مرض ذات مرة. ارتفعت درجة حرارته فأخذتْ تغذيه بشراب أعدته من أعشاب هندية، وتبرِّد جبينه بكمادات مبللة، وتضعه في المهد عاريا. في اليوم الثالث أضناها الخوف لأن الطفل لم يُظهِر أي تحسن وقررت أن تأخذه إلى الطبيب في الغد، وطلبت من سلمان اليونس أن يستعد لمرافقتها. أمضت النهار كله جالسة قرب المهد. وعند الغروب قفزت من الفرح وصاحت على زوجها أن يسرع ويرى بنفسه. هرع نحوها. وقبل أن يصلها هتفت: «علي سيشفى». سألها عما يجعلها تعتقد بذلك فأشارت إلى عضو الطفل. كان منتصبا. قالت إن هذه علامة على شفاء قريب. وبالفعل مع شروق شمس اليوم التالي استيقظ الطفل سليما معافى.
يقتحم الروائي الكبير فؤاد التكرلي المشهد العراقي بجرأة، ويرسم لوحة روائية مبهرة، عن تحولات عائلة عراقية صغيرة منذ الثمانينات الماضية الى منتصف التسعينات، هي تحولات العراق كله، لا أحد يطرح الأسئلة عما يحدث ولا أحد يجيب!ا . . كان صوتها المشروخ يأتي من بعيد.. بعيد جداً. كانت تصرخ صرخات مبحوحة، تتناهى إلى سمعه كأنها همسات خافتة، والألم والغضب والهياج لا يتركون له أن يتوقف. أراد أن يفتح عينيه فلم يستطع وكان يصدر حمحمة وحشية حيوانية. ليس من فمه بل من صدره وكيانه كله. والألم يزداد وكفاه تحترقان، وهو في قبضة حديدية لا فكاك منها. كأنه في صندوق مغلق مظلم. ثم ارتفع الصراخ وتعددت الأصوات، كلها تتعالى إلى عنان السماء. تصرخ وتصرخ. وهو، في سورة الحمحمة تلك، يريد أن يفتح عينيه وان يهرب مما لا يدري ما هو. كان مرة أخرى، مشلولاً مختل التصرفات. ثم.. ثم وعلى حين غرة سكنت روحه وشعر بنفحة من البرودة تغطي وجهه وجبهته وقمة رأسه.. ففتح عينيه
ربما كانت قصة أصلنا السحرية هي أكثر ما فتن المخيلة البشرية على مرّ العصور. ومع ذلك، لم يكرس الكتاب المقدس لهذه القصة سوى أربعين آية تستعرض قصة آدم وحواء في العهد القديم. ولكن، كيف كانت حياة هذين الكائنين البريئين والشجاعين، وكيف كان ذلك العالم الذي يتوجب عليهما أن يعيشا فيه. يشترك الشعر والغموض في ه ذه الرواية ليقدمنا لنا الرجل الأول والمرأة وهما يكتشفان محيطهما، ويختبران القلق والحيرة حيال العقاب، والقدرة على منح الحياة، وقسوة القتل من أجل البقاء، ودراما حب الأبناء وغيرتهم. نالت اللامتناهي في راحة اليد جائزة بيبلوتيكا بريفي الإسبانية عام 2008 لتفردها وقدرتها على إستحضار عوالم ما قبل العالم. فقد خلقت جيوكندا بيللي عالماً جديداً استخرجته من الكتب المقدسة الكبرى، ومن النصوص المنحولة أو المحظورة، لتصوغ أكثر الحكايات العجيبة التي يمكن تصورها.
ولد صامويل باركلي بيكيت في 13 أبريل 1906 بدبلن في أيرلندا. في عام 1923 التحق بيكيت بكلية ترينيتي بدبلن وتخصص في الآداب الفرنسية والإيطالية وحصل على الليسانس فيهما عام 1927. في عام 1928 توجه بيكيت إلى باريس وعمل أستاذاً للغة الإنجليزية بإحدى المدارس هناك، وفي هذه الأثناء تعرَّف إلى جيمس جويس (1882 - 1941). في عام 1935 كتب روايته الأولى (مورفي). في عام 1947 كتب بيكيت مسرحيته (في انتظار جودو). عام 1969 حصل بيكيت على جائزة نوبل للأدب، ولما سمعت زوجته بالخبر قالت: إنها كارثة، واختفى بيكيت تماماً ولم يذهب لحفل تسليم الجائزة. في 22 ديسمبر 1989 مات بيكيت بعد تعرضه لأزمة في جهازه التنفسي. -السّارد في هذه الرّواية هو الكلام في حدّ ذاته، صوت لا صاحب له، لا اسم له، ينتقل من جسد إلى آخر إشباعا لنهم الاستمرار في القول. «لأنّ القضيّة هنا قضيّة كلمات، قضيّة صوت،لا ينبغي نسيان ذلك... ». هنا في سياق التجرّد من الأجسام والمحسوسات يجدر التّنويه إلى أنّ الّلامُسمّى هي خاتمة ثلاثيّة روائيّة (مولوي، مالون يموت، اللاّ مُسمّى)، راحت من رواية إلى أخرى تضيق دائرتها؛ فمن مولوي الأعرج العجوز الذي أصبح يزحف في النّهاية إلى مالون منتظرِ الموت الذي لا يكاد يتحرّك، إلى انعدام الجسد تماما في آخر المطاف. نحنُ إذًا إزاء انسياب كلاميّ لامتناهٍ لا يُشبعُ جوعَه للكلام سوى تفسير وجوب عدم الكلام، الأمر الذي يرفع تناقضا ويزجّ بالمُتلقّي في حلقة مفرغة، دوّامة محورها الكلام ومادّتها الكلام ومُحرّكها الكلام. «سأتكلّم لأقول لا أدري ماذا...». ثمّ في خضمّ عاصفة القول هذه تلتقي شخصيّات بيكيت وتنصهر كما لو أنّها تضرب موعداً في أرض غير الأرض التي نعرفها.
رواية " اللعبة " للكاتب الروسي الكبير يوري بونداريف، الذي عرفه القارئ العربي من خلال رواياته " الثلج الحار" و " الاختيار" و " الطلقات الأخيرة"، يكرسها لموضوع الانتيليجنتسيا الروسية والعبقرية وصدامها الحتمي بالبيروقراطية والنظام الشمولي. عبقري في مواجهة منظومة بيروقراطية مسيطرة هي كالأخطبوط، ومن العسير جداً، بل من الممتنع أحياناً على من يقع في شباكها أن يفلت منها، مهما كان موهوباً – تلك هي اللعبة التي تحكي قصتها هذه الرواية. بطل الرواية مخرج سينمائي مبدع تنقله أفلامه من المستوى المحلى إلى المستوى العالمي، تتنازعه شركات السينما العالمية الكبرى.فتلعب الأوساط البيروقراطية والإدارية لعبتها القذرة، مدفوعة بدوافع قذرة لاإنسانية تشمل الكذب والافتراء والزيف والحسد والفساد. وتأخذ اللعبة أبعاداً إنسانية فيطرح المؤلف قضايا الخير والشر، والجمال والإبداع والفن، والحب والحرب، والإيمان والعدالة، وصراع الأجيال
يضم المجلد الثاني من (المؤلفات المختارة) لتورغينيف روايتين هما (رودين) (1856)، و (عش النبلاء) (1859) وفيهما حصيلة تأملات الكاتب لحقبة الثلاثينات والأربعينات من القرن التاسع عشر. و (رودين) - الرواية الأولى لتورغينيف - تتحدث عن المثقفين النبلاء لأعوام 1830-1840 ، أولئك الذين لم يجدوا لهم قضية ومكانا ف ي الحياة ، لأنهم لم يستطيعوا أن يهادنوا الواقع المعاصر لهم، ويطرح تورغينيف قضية الأهمية الإجتماعية لهؤلاء الناس من مثل رودين ، ودورهم في تاريخ الفكر الإجتماعي الروسي. تتمحور رواية (عش النبلاء)حول قصة حب عميق في مأساويته. وهي في الوقت ذاته رواية عن الواجب الخلقي، والإيثار، والسعادة، ومغزى الحياة.
"بعد هذه الأشهر من إنتهاء الحرب، أجلس رويداً في البيت أفكر في حياة المحرقة التي سلمتها إلى محمود نوري عندما تسلمت أمر تسريحي من الخدمة، لقد جاهدت كثيراً وأنا أقتلع من هناك، وربما علي أن أفسر بعض الأمور التي بقيت تشغلني حتى هذه اللحظات. فمنذ أن عدت من الحرب قبل أشهر وأنا أضاف الخروج، أفكر بليليان التي هربت منها بسرعة من دون أن أبدي أية مقاومة للتمسك بها، أفكر بأصدقائي الذين لم أرهم منذ أن عدت، بدا أنني بحاجة إلى البقاء لوحدي، لقد تركت العالم في الخارج يحتفل بنهاية الحرب، ولم أشاركهم مشاعرهم تلك، لأنني لم أزل أخوض حرباً ضاربة مع نفسي، والذي لا أفهمه هو هذا الحنين لأيام السجن والمحرقة، وصدى نغمات ناي كما نتدفق حزينة تمزق لحن حياتنا التي خربت بمنتهى الوحشية. لم أعد من الحرب بشيء سوى قلب مجروح ومكتبة محسن وليليان المكدستين في مخزن البيت في الطابق العلوي، طلبت من ليليان ذلك قبل أن تنتهي الحرب فكنت أنقل منها صندوقاً كلما جئت إلى بغداد، أما محسن فلم أر حرجاً من تجميع تلك الكتب التي بقيت الشاهد الوحيد عليه وشحنتها في القطار إلى بغداد.
تندرج رواية «المد الهائل» ضمن أدب الخيال العلمي، وقد نشرها «ألكسندر كي » عام 1970 . وهي تحكي قصة كونان، صبي يعيش بمفرده على جزيرة صغيرة بعد أن أحالت الحرب العالمية الثالثة الأرض دماراً بفعل الأسلحة المغناطيسية. حينها انقلبت محاور الكرة الأرضية، وغَرِقَت القارات في المحيط، ولم يبقَ منها سوى بضع جزر صغيرة. بعد أن نجا كونان من تلك الكارثة المؤلمة التي حلت بالأرض، وجد نفسه في عالم جديد مختلف تماماً عن العالم الذي عرفه من قبل. تتنقل أحداث الرواية بين عالَمَي كونان ولانا عقب انتهاء الحرب المُدَمِرة. كان كونان يعيش وحيداً في جزيرة نائية، ولانا تعيش في «هاي هاربور» مع خالتها مزال وعمها الطبيب «شان» زوج «مزال». بعد مرور خمس سنوات على النجاة، يعثر طاقم سفينة النظام الجديد على الجزيرة التي يقيم فيها كونان، وقد ناهز السابعة عشرة حينها، فيسوقونه أسيراً إلى مدينة «إندستريا » للعمل فيها وخدمة المسؤولين عنها. يلتقي هناك ب «تيتشر» المتخفي بشخصية باتش، الرجل العجوز الذي يصنع القوارب في «إندستريا»، ويجيد التواصل عن بُعد مع ابنته «مزال». وقد تعمّد «تيتشر » إخفاء اسمه الحقيقي، «برياك روا»، ذلك أن قادة النظام الجديد في بحث مستمر عنه، بغية أَسْرِه والحصول على ما لديه من معارف لإعادة ابتكار التكنولوجيا التي كان العالم القديم يمتلكها
النقد التقليدي "البارع متعدد الأساليب" و"له لغة في اللغة". مهما كانت دقة أو صحة هذه التعابير، فإيتالو كالفينو واحد من الكتاب القلة البارزين، كاتب صار معروفاً بطريقته الجميلة المربكة في الكتابة، وبدهاته في ذلك، لا تقرأ له صفحات حتى تقرَّ ببراعته. روايات كالفينو مشوّقة، والقارئ يواصل قراءة القصة بعد أن يجد نفسه في خضم من المفاجآت المتتالية وقد شدّه عالم زاخر بالوهم والغموض، لكنه قبل هذا يجد فيه شيئاً يعنيه، نداء خاصاً لنقاط بعيدة غافية أو لمسألة منتظرة في ذهنه. هذا هو شأن كل كتب كالفينو يظل فيها القارئ يبحث عن الغرض، عن المغزى الذي يطرحه أو يريده الكاتب وهو يسعى وراء المعاني البعيدة التي يلفها الغموض، والتي هي "خفيّة" وهي قريبة، أيضاً من نفسه. و"مدن لامرئية" الذي اخترت ترجمته، هو أول كتاب: لإيتالو كالفينو أثار دهشتي، رواية تثير المشاكل نفسها التي أثارها الكاتب من قبل، ولكن بأسلوب مختلف وبإيجاز جميل ومذاق فيه العمق الثقافي ونكهة الشرق البعيدة والمؤثرة. ففي هذه "الرواية" نرى قبلاي خان يراقب إمبراطوريته، فيراها تتعاظم وتتباعد أطرافها، وهي متماسكة، مثل ماسة صلدة لمّاعة، واقفة في الزمن مثل صرح شامخ... إنما هو في حاجة إلى الإقتناع الأخير، إلى السر الذي يتوق لمعرفته، لكي يتأكد، لكي يقتنع، لكن المدن التي يراها ماركو يولو في هذه الإمبراطورية.
"بعد ظهيرة أشد أيام الربيع دفئاً ونضارة انتهت تدريبات حفل التخرج في المدرسة الثانوية، وتدفق الفتية والفتيات، والآباء والأستاذة، خارج البناء الجديد للمدرسة الجيورجية الطراز القديمة. انفصل جيم ويلارد عن الحشد، وتوقف برهة على الدرجة العليا ومدّ بصره بحثاً عن بوب فورد، لكنه لم يتبينه وسط حشد الفتية بالسترات الداكنة والسراويل البيضاء، والآباء بقبعات القش (كانت تلك موضة ذلك العام في فرجينيا). كثير من الرجال كانوا يدفنون السيجار، وهذا يعني أنهم من السياسيين. كان ذلك هو المقر الريقي وهو غني بشكل خاص
هذه المدينة الحجرية جادة أكثر من اللازم، ومستقيمة أكثر من اللازم. صممت لأناس يكون البيت مأواهم الأول والأخير، بعد عمل يوم طويل. ولأنه شرقي تعود أن يقضي شطراً من استراحته خارج البيت، تعود الرفاق والمقهى والحانة والسير في الدروب الضيقة وحلزونيات الحياة العلنية والسرية، فقد كان يحس بشيء يفتقده في هذه المدينة المغلقة المكشوفة، ولاسيما وأنه في حالته العاطفية الراهنة، والمختصرة إلى تلك السويعات التي يقضيها إلى جانب سرير ابنه. كان يحتاج إلى ما يستند إليه، ويبدد قتام وحدته. الشوارع عريضة، والبيوت عالية، مكعبات ومستطيلات من الحجارة والإسمنت والزجاج، والفراغات هائلة، والمسافات جبارة يتيه فيها الإنسان الوحيد، إذا لم يكن له دور في هذا الزحام الهائل العجول الراكض إلى غايات شتى. يحس بالضآلة وانعدام الوزن.
في لقاءات لاحقة فسر إبراهيم لمحمود صعوبة العيش منفياً بلا وثيقة ما. حدثه عن البواخر التجارية وعن البحر في دلمون حيث عمل هناك وعن أبناء وطنه غرباء نجارين وبنائين وعمالاً أجراء يسعون إلى تشييد سقف مالي فوق رؤوسهم. حدثه عما قرأه في مسرحية أوديب لسوفوقليس قال فيها كريون “ لم أولد وعندي الرغبة في أن أكون ملكاً بل ولدت وعندي الرغبة أن أعيش كذلك!” شغلت الفكرة ذهن إبراهيم مفكراً باغواءات التمَّاهي وتعامل الإنسان منذ خلق آدم و الآلهة والأديان ثم الحياة ما بعد الموت ولازم هذا التماهي الولاء له، الكفران به يساوي الزندقة. والآن تبدو لإبراهيم فكرة أن تعيش ملكاً أو كملك، لا بد من آثار تتركها في علاقات الإنسان بنفسه ومع الآخر والعالم ولم يستبعد تأثير ذلك في السياسة وهذه بدورها تطالب بولاءات وإغواءاتها متنوعة. داخل المقهى رائحة ظل بارد وأصوات غسيل للاستكانات والرصيف ساخن وفي الهواء رائحة غبار وأصوات أتوبيسات سطوحها حمراء لماعة في ضوء الشمس.
مؤسسة وموظفون وقصص وحكايا يلتقطها غائب طعمة، يزرعها بألوان الطيف، فتغدو للعين صوراً بألوان الحياة. ففي كل حكاية شجن وإحباط وأمل، حنين وشوق، وعواطف وإحساسات تلقي بظلالها على الأحداث فتعكس مدى مقدرة الإنسان على احتواء ظروفه، أقداره التي تجعل منه شيئاً أو لا شيء. بين الخارج والداخل، بين النفس والآخر ين سج غائب طعمة عالمه الروائي الذي يموج بالشخصيات، والحوارات في رواية بطلها الحقيقي والخفي الضمير.
الفتاة البالغة من العمر 12 عاماً شغوفة بخطف لقطات سريعة من الحياة، من خلال آلة التصوير التي لا تكاد تتركها من يديها، "استريد سمارت" فتاة من نسج خيال الروائية الاسكتلندية "آلي سميث" وهي بطلة رواية "المصادفة".. "استريد" تبدو كأنها تجاوزت مرحلة عمرها، ففي حياتها المزيد من الأفكار النامية، الكم الكبير من التساؤلات المعقدة، والكم الأكبر من الأحاديث التي تجرها إلى فلسفة معقدة، "استريد سمارت" مع كاميرتها، والافلام الصورية الناطقة للأشياء التي تختزنها في شريط ذاكرتها ستخلق لنا حكاية طويلة لا تسهل أبداً على قارئها. من يقرأ رواية واحدة لآلي سميث يستطيع أن يميز أسلوبها المختلف عن أي كاتب آخر، فهى تطرح كماً كبيراً من المعلومات يحتاج معها القارئ لتركيز عال، ومزيد من الصمت، والعزلة عمّا يحيطه، والدخول بين سطور الرواية التي يجب ان تكون جزءاً من واقعه هو
إنّ رواية «المعلم ومارغريتا» تجسّد الواقع الروسي في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين حين أنجز الكاتب تأليفها وصوّر فيها صراع الشر مع الخير، وانتصار سلطة الموظَّفين الحزبيين والباعة الفاسدين في مؤسسات التجارة والوشاة ورجال «الجولاج القساة»، وأحداثها الواقعية تصوِّر الواقع منذ عام 1928 حينما بدأ الكاتب في تدوين أولى نصوصها والتي أحرقها في عام 1930. ولكنه ندم على ذلك وبدأ بإعادة كتابتها من الذاكرة في الأعوام التالية وكتب لها عناوين مختلفة «جنون فاريبوندا» و«حافر المستشار». وتركزت الفصول الأولى على رواية أحداث اليوم الأخير قبل صلب المسيح حين جرى حواره مع الوالي الروماني بونتي بيلاطس. وقد تعب بولغاكوف كثيراً في مراجعة المصادر الدقيقة عن الحياة في أورشليم – القدس ونفوذ الأحبار اليهود آنذاك. ولكنه كتب مع ذلك في عام 1934 إلى صديقه بافل بوبوف: «تدور في رأسي مارغريتا والقط والطيران...». وعندئذ ظهر المسار الثاني للرواية والمكرّس لعلاقة الكاتب بالسلطة. لكن الغريب في الأمر أن "إحقاق الحق" في الانتقام من الذين أساؤوا إلى الشاعر–«المعلم» يتولّاه الشيطان وزبانيته، وبهذا يستعيد بولغاكوف مقولة غوته في فاوست حول الشيطان الذي قال: «أنا جزء من القوة التي تريد دوماً عمل الشر لكنها تعمل الخير دائماً». وواضح أن بولغاكوف أراد القول إن الشيطان موجود هنا بين ظهرانينا دوماً ويصدر أحكامه كما يشاء.