هذه الرواية تتناول الأفعال القاسية والظواهر الخارقة في التاريخ العام. تعود حوادث الرواية إلى القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر، إي إلى حقبة نشوء الدولة الروسية الحديثة، التي بدأت تُكتَبُ فيها الحوادث التاريخية بشكل موثوق. ومع ذلك، يتجاور الماضي والمستقبل في بنية النص ويتداخلان بشكل خفي: طوبولوجيا الوقت لا تتطابق مع التسلسل الزمني للحوادث. لا يضيع القديم في سياق الحوادث، بل يتداخل في الجديد. وسأُشَبِّه حركة الوقت بالدوامة. إنه التكرار، ولكنه على مستو جديد أعلى. أو، بصورة أدق، تجربة جديدة، ولكن ليس من صفحة فارغة. بل تحمل معها ذاكرة الماضي المُعاش. وهذه الرؤية لترتيب الأشياء تغيّر مكانة الإنسان في العالم، واتجاه الأفكار في الشخص. إذ يتقارب ديالكتيك هيجل مع تصوف رؤيا القديس يوحنا عن نهاية العالم في وعينا غير الواضح في فكرة واحدة لنهاية التاريخ، وأمل واحد في عودة الوقت الضائع كله إلى الأبدية. هذا النص هو بمثابة جسر بين العالم القديم والعالم المعاصر. إنه يعيد إلى الدورةِ الروحيةِ القيمَ الأبدية للقناعة المرتبطة بتعاليم القديس نيلوس الصُوري وشخصيته. ويدفع بصرنا الداخلي نحو نور الله، نحو البصيرة الصوفية والمتصوفين الروسيين. إنَّ مقاربة المؤلف لسر التصوف الروسي هو اطلاع للقارئ على المعنى الخفي للأرثوذكسية الروسية. وإنَّ تطرقه لها هو أعمق من أي كلمات. وقد ولَّدت إجابة في رأس السائل نفسه، لأن مَن يطرح السؤال غالباً ما يعرف الإجابة، برغم أنه لا يعترف بها دائماً لنفسه. فعندما يتخلص الشخص الذي يبحث عن ذاته من الفائض في نفسه، يتجلى له أهم شيء بوضوح أكبر: ألا وهو - صورة الله. إنه كتاب واضح وساطع، مثل أيقونة. أتمنى أن يكون ما قلته كافياً لإثارة اهتمام القارئ حتى يجد الوقت الملائم ويجهد نفسه في قراءة الأربعين صفحة الأولى على الأقل؛ ثم يُكمِلُ قراءة الصفحات الأربعمائة المتبقية من تلقاء نفسه، لأنه سيجد المتعة فيها. تمارا اليكسانوفا-ناقدة روسية
عالم دوبوا عالم مأساوي، وعنيف، وحياة غير عادلة (الموت المبكر، والزنزانة بحجم 6م ²، والعزلة) عالم من الفشل والضياع والندم عبر سارد يدعى بول هانسن، الذي يرى أن هناك طرقاً كثيرة لا تُحصى للفشل في الحياة. يعمل كحارس عمارة، ويعيش حياة عادية وهانئة في مونتريال بكندا دون مشكلات، إلى أن يقترف جريمة، ويدخل ا
تقدم أريانا هارويكز في هذه الرواية نمطاً من النساء يثير التعاطف في نفس القارئ بسبب اضطراباتها التي تحيلها إلى كائن ضعيف، لكنه سرعان ما يتخلى عن شعوره هذا عندما يستفزه بل يثير نفوره واشمئزازه شعور مناقض يمارسه عليه سلوك وحشي غريب يرافق البطلة على امتداد الرواية. بل يسبقه شعور مفاجئ آخر يقوده إليه عنو ان الرواية «لتَمُتْ يا حبيبي» وما تلاه من بداية حيث تداعب البطلة السكين بيدها وتراودها فكرة قتل زوجها وابنها. امرأة لا تكف عن السعي إلى موتها وهي ترى في نفسها صورة المرأة الشهوانية التي تطاردها رغباتها ورغبات من يطاردها من الرجال الذين تذعن لهم باستسلام. نجحت هارويكز في إثارة مشاعر القارئ وخلخلة مزاجه وخلق شعور بعدم الارتياح لديه وهي تعكس حالة الازدواجية التي تعانيها شخصية تلك المرأة وتلك الانتقالات المفاجئة لها وسط الرغبة التي تتنازعها تجاه زوجها والشعور بالنفور منه بل الرغبة في إزاحته من الوجود وهي تعمد إلى فرض سطوة لغة فجة ومباشرة. لغة تزداد صعوبة وتعقيداً وقرفاً كلما اقتربت من أسلوبية تفتقر إلى الحياء وتتعمق في رؤى حميمية وحسية جريئة عبر صيغة اقترحتها الكاتبة وأكدتها وهي تقول: «نعم، عندما أكتب أحاول تحطيم اللغة وتفكيكها، بين مزدوجين أحاول أن لا تجمعني بها علاقة حسنة، إذ إنني بفعل تحطيم اللغة وضربها أبحث عن دوزنتها وكأنها آلة موسيقية، آلة كمان أو بيانو مثلاً».
ينبع نص الكاتب أولاً من همه الذاتي، من رغبته في تحدي الحياة والموت معاً، بل وفي حدود قصوى من رغبته في الوقوف خارج الجماعة، ومن هنا يكون الفن (أدبياً أو غير أدبي) هو فعل مشاكسة، ولأن كل مشاكسة تجاوز، يصبح الفن لغة التطلع الدائم الى الممكن، الى المستحيل،
تحكي قصة شاب فرنسي من أصول إسبانية يدعى «أنس » يبلغ من العمر 35 عاماً، يصاب بصدمة بسبب إصابته بالسرطان، واضطراره إلى الخضوع للعلاج مدى الحياة، فيقرر التخلي عن وظيفته كمدرس فرنسي وعن زوجته ومنزله ومنطقته والهرب بعيداً للانزواء في قرية جنوبية تقع على بعد 500 كيلومتر بالقرب من مدينة بارون، حيث يقدم له معهد سانت كريستوف العلاج المناسب مرة واحدة كل أسبوع. يحاول أنس أن يبقى متحفظاً قدر الإمكان، لكنه يصبح مشبوهاً على الفور ويجري رصده ومراقبته ما يسبب له الكثير من المتاعب. الراوي أنس هو سليل عائلة من المهاجرين الإسبان من عام 1939 ، مرت عبر معسكر اعتقال، حصل على الجنسية الفرنسية ونشأ في ضواحي باريس، تعلم ومارس تدريس اللغة الفرنسية.. أصبحت علاقته بزوجته لوسيل غير مستقرة وكارثية بعد اكتشاف إصابته بمرض السرطان، فقرر خوض تجربة جديدة بعيداً عن حياته المعتادة في قرية صغيرة حيث استأجر حجرة لدى أندريه سيمون (ديدي) وزوجته (الانتقامية) دنيس وابنه داميان المدمن على الكومبيوتر. تضم الرواية شخصيات مختلفة أهمها صاحب مقهى الرياضة مارسيلين لابلاس، زوج فيلومينا الأندلسية ووالد أوغسطين، وزبائن مقهاه ديدي وإميل وجيرار وجاك وإتيان.. وتدور في المقهى نقاشات يتزعمها مارسيلين حول رفض الغرباء، الذي يتحول إلى عاصفة ضد الأجانب والمثقفين والنخب وسكان المدن، ويبرز بين الزبائن جاك جوليو المدرس الفرنسي الذي يتردد بين تأييد هذه المجموعة وأفكاره الكبيرة المعتدلة، كما يقاوم أوغسطين لابلاس، نجل مارسيلين، أفكار والده قدر استطاعته لأنه يقرأ الكتب بشغف، وهذا يكفي لجعله كائناً مختلفاً، في الوقت الذي يتعامل عمدة القرية بلطف مع أنس، لكنه يعترف بأن من الصعب عليه معارضة مارسيلين.. وهنالك الفتاة مينا، النادلة في حانة، وهي خليط من الأصول الفرنسية والتاميلية، التي تتعرف على الغريب في الحافلة وتنشأ بينهما علاقة حب أفلاطونية تفاقم التوتر في القرية، وتؤجج قضية رفض الآخر التي تنسج الكاتبة حولها أحداث روايتها في مجتمع فرنسي صغير حيث ينتشر البؤس المخيف بقدر ما تبرز العنصرية وكراهية الغرباء.
أليس جريئاً فخري كريم حين يعرض يومياته السياسية، تعليقاته على أحداث ومسائل سيارة في كتاب. إذا كانت السياسة لا تنبع من الأفكار وإذا كانت في مسارها تصوب الأفكار، إذا كان الحدث لا يلبث أن يغدو في جهة أخرى فإن من المجازفة تقديم الرأي عارياً من الحدث وبعيداً عما آل إليه. إنها لمجازفة لكنها أيضاً مناسبة للوقوف على المعادلات الصعبة، لإيجاد ضوء ودليل أولي. فخري كريم ضد الاحتلال إنه يندد بما فعله القيصر بريمر من تدمير للبنية العراقية وانفراد في السلطة (يرى بريمر نفسه في الحلم في صورة صدام حسين عارياً يهرع نحو سفارة أميركية غير موجودة)، ضد الاحتلال لكن أيضاً ضد مقاومته بالإرهاب، ضد الفساد لكن أيضاً ضد الانقلاب باسم ذلك على الشرعية. إنها معادلات صعبة يستسهل البعض فكها والالتحاق بأحد جانبيها، وليس من مآل لذلك إلا الانتحار أو الاستتباع والرضوخ. يجازف فخري كريم بمواقف انسلخت عن أحداثها، لكن المجازفة تنفع في النفاذ من التشويش الحاصل بين الزمن والذاكرة. تنفع في اخترع نوع من التذكر الموجه، في إيجاد أرضية أولى للذاكرة.