سمر كلمات -مغامرة روائية، من التداعيات والاعترافات الحية والحرة معاً، تقتحم الحياة الخاصة المعلنة والسرية لنساء ورجال يتحركون في نسيج الحياة اليومية في الكويت، في عشرين دقيقة، مغامرة، في الشكل والمضمون، أغرن الكاتب أن يكون شريكاً بالاسم الصريح، لا شاهداً في الحكاية، بما فيها من غوايات وأحلام ورغبات ووقائع مرة، واستبطان للنزعات الفردية المتغيرة كألوان إشارات المرور.
الجميع يمارسون قتل مسرًاتهم و كل ينوًم يقظته. ذلك طريق للرضا باليباس, للعيش مع الاكزوس و الاسعار, و ارتضاء الحيف الذي نزدرده مع الخبز ثلاث مرات في اليوم, ابقي ايتها الجميلة لنا.
سنة العجائب شاءت المصادفة أن يأتي العمل على ترجمة هذه الرواية متزامناً مع انتشار جائحة كورونا COVID–19، واتّباع إجراءات الحظر الصحي في معظم دول العالم، لتكون حكاية الوباء التي تسردها جيرالدين بروكس عن الطاعون الذي ضرب بلدة إيام الإنجليزية في القرن السابع عشر، والحظر الطوعي الذي فرضه القرويون على أنفسهم، مطرح مقاربةٍ شائقةٍ وملفتة، يباين عبرها القارئ أساليب البشر بتدبّر أمورهم لقطع سلسلة العدوى بالأمراض القاتلة. أساليب ما انفكت تتأرجح بين الشعوذة والإيمان واليأس والعلم، رغم مرور ما يقارب أربعة قرون.
نَسْجُ "سليم بركات" من ذلك النوع الأدبي الذي يشغف بالتّحدي، تحدٍّ للأشكال الشّعرية من جهةٍ ومن ثَمَّ القذف بالقارىء إلى محيط الحيرة التأويلية لما يكتنف هذا "النَّسج" من مساحات معتمة. نسجٌ لا ينفكُّ يضعُ المؤوِّل في حالةِ حيرةٍ مريعةٍ؛ نسجٌ غيرُ معتادٍ في بنينةِ العَلاماتِ وإخضاعها لسلطان مخيِّلةٍ شعريةٍ تَهْتِكُ النِّظَام الدِّلالي في كلِّ حركةٍ للعَلامة، حتى تبدو "العربية" وكأنها تنطق بلغةٍ أخرى في انتظامها النَّصيِّ؛ بل إنّها تبدو غريبةً عَمَّا هي في نظامها الدلاليِّ ــ التداوليٍّ المتعارف عليه. وربما هذه "الغرابة" الأسلوبية التي تنتظم وفقها "شعرية" سليم بركات تكشف عن أسباب فشل استراتيجيات القراءة ــ ولاسيما تلك المتأسسة على فكرٍ جوهراني قارٍّ ــ في جَسْر المسافة بينها وبين هذه "الشِّعرية" الثرية والفريدة ضمن تجارب الشِّعرية العربية الحداثية وما بعدها، شعرية لاتني تفاجىءُ قارىءَ العربية بتشفيرٍ غير اعتيادي، وهو يخوض تضاريس نصيةَ تتشكّل من عوالم دلالية تشرف على العماء. ولذلك لابدَّ من التعامُل معها ــ مع هذه الشِّعرية ــ من زاوية أخرى. ويتهّيأ لي في هذا الصَّدد التنادي القويِّ بين نَسْجِ بركات والمفهومات التي ابتكرها "جاك دريدا" في سياق قراءاته التفكيكية (الاختلاف، الإخلاف، الأثر، اللاحسم الدلالي،...إلخ)، وهذا ما يجعلني أن أتمادى في القول إنَّ نَسْجَ بركات يزرعُ الاضطراب ويترك حالةً من اللاستقرار لدى القارىء الذي يندفع للوصول للنَّص، بيد أنَّ "الأخير" يرفض تحقيق هذه الرغبة، لأنّ "اللاــ وصول" أصلٌ فيه؛ ولذلك يظلُّ هذا "النَّصُّ"ـــ بدءاً من "كلُّ داخل سيهتف لأجلي، وكلُّ خارج أيضاً" وصولاً لقصيد "سوريا"ــ موضوع القراءة راهناً ــ يتحرّك بين وَهَبِ المعنى والامتناع عنه، وهذا ما نقصده بمفهوم "الوصول من عدمه بالنَّسبة لهذا النَّص. إنه يَشْغلُ دور "الآخر الغريب" الذي ينبثق بغتةً أمامنا؛ فنقع في حيرةٍ من الأمر، ذلك أنَّ "الغريب" يحمل معه "الغرابة" مما يهدّد الاستقرار لدينا ويجعلنا في حالةٍ من الدهشة والخوف بل الارتياع. لكن "الغريب" يحفّز على (آخره = القارىء) قراءته؛ فالدفع نحو الاستكشاف أصلٌ في آخر الآخر حتى يبدأ التواصل المرتقب. وليس بجديد القول إنَّ قصيدَة "سوريا" تشي بصرخةٍ مدوية في وجه "عزلة الكون" لما يجري في هذا البلد من تدمير وتنكيل وتهجير، الصرخة الشعرية تستحضر الصرخة الفنية لإدوارد مونش في لوحته الشهيرة؛ كما لو أنها تدفقت دفعةً واحدة، ولذلك فهي أقرب إلى "المرثية" من كونها "ملحمة"؛ فهي نصُّ الصّوت الواحد كما لاحظ أحد الشعراء، تخلو من تعددية الأصوات حيث ينشج راوي السرد الشعري فجائع هذا البلد نشيداً جنائزياً.
سوناته لكروتزر 1889 – 1891. هذا النص الشهير والذي أثار كثيراً من المجادلات، تخيّله تولستوي بعد أن تجاوز الستين. والمؤلّف يتّخذ فيه موقفاً تجاه المشكلة الزوجية وتجاه الفن الموسيقي على حد سواء. وقبل أن نتصدّى للمشكلة الأولى لِنُشر إشارةً عابرة إلى أن تولستوي أحبّ الموسيقا كثيراً منذ شبابه وفي كل زمان
رواية «سيدات زحل» للروائية العراقية «لطفيّة الدليمي» عمل سردي مميز بكل ما للكلمة من معنى، فهي مكتوبة بشفافية ندر مثيلها، وبلغة رفيعة الشأن فيها شغف حزين بأحوال المجتمع العراقي فقد عرضت لوحة انسانية مركبة للعراق في حقبتي الاستبداد والاحتلال وتميزت بانتقاء المشاهد السردية وبالرؤية الانثوية للعالم . وجدت في رواية سيدات زحل افضل مدونة سردية عن احوال بلادنا في العقود الاخيرة وندر ان ظهرت رواية عراقية في السنوات القليلة الماضية على مثل هذا المستوى من الجودة في الحبك والبراعة في الصوغ السردي فقد عرضت الشخصية الرئيسة، برؤية أنثوية، تجاربَ مذهلة عمّا حدث لها ولأسرتها، ولعدد كبير من صديقاتها إبان الاحتلال الأميركي للعراق، وخلال سيطرة الجماعات المسلحة على أحياء كاملة من بغداد في ظروف الحرب شبه الأهلية التي مرت بها البلاد قبل بضع سنوات ، وما سبق ذلك من حكم مستبدّ أفرغ المجتمع من قيمه الإنسانية والثقافية، فتقوم تلك السيدة بنشر كرّاسات سرّية ارتسمت فيها جميعا حالات لنساء قتلن، أو شردن، أو اغتصبن، أو جرى التنكيل بهن بلا رحمة، وذلك على خلفية عنف متنام مارسه رجال قساة ، وتتواشج الأحداث مع وقائع تخص تاريخ بغداد وتأسيسها وتحولاتها وتمتلك الرواية أهميتها الاستثنائية في تمثيل أحوال النساء عامة، ولأنها المدوّنة السردية الكاشفة لأحدى أهم حقب التاريخ العراقي الحديث.
في هذه الزاوية المعتمة بترابها وغبرتها ، وعلى الكرسي الذي توقف اهتزازه ، بعدما صار يصدر صفرا متحشرجاً ، ثم متكسراً ليصبح متقطعاً وانتهى بتوقفه عن الحركة تماماً . شكله يبدو ككرسي هزاز ، لكنه ثابت كأنه تمثال صب من حجر صلد . . على هذا الكرسي ، يجلس كائن ، كان بشرياً في يوم ما ، يعلوه شعراً أجرد أو الحقيقة ، لا لون له ، يحيط وجهاً فقد ملامحه ، والعيون لاتدور في محجريها ، وكأن الاتجاهات تلاشت فيها ، أعلى أسفل ، يمين يسار ، تتجه النظرات الى الأمام فقط ، عبر الزجاج الذي لا يمرر كل الألوان إلا اللون المغبر أو اللالون . . يغطي هذا الكائن خرق لا تعرف بدايتها من نهايتها . . قطع قماش ، كأنها ملابس ، نامت بكسل على جسد لا يتحرك إلا نادراً وعند الضرورات ، تعيش كائنات صغيرة بين ثنايا هذه الخرق . . وتصالحت مع الجسد الساكن . فلم يزعجا بعضهما وعاشا كائن كان امرأة في يوم ما ، لها شعر أسود يتماوج خلال لمعانه اللون الأزرق ، عينان شهلاوتان وأنف دقيق وشفاه مدورة كأنهما قطعتي فاكهة ، أو بسكويت مدور محلي بلون زهري . . امرأة كان فيها الماضي والحاضر ، ولها صوت كأنه نغمة تتجدد في كل لحظة . . تتحرك بحيوية وحب ، فتتحرك حولها ومعها كل الكائنات . . امرأة ضم صدرها قلباً لم يتوقف عن الحب أبداً . . | الجسد الآن شبه ساكن ، لا فعل فيه . . وأحيانا نادرة تصدر منه بعض ردود الأفعال ، لكن الروح داخله ، تتلوى داخل قفص الجسد المترب ، ترتفع وتهبط ، تهرب الى اليمين لتسرع وتتجه الى الأعلى . أصوات عبر النافذة تنادي الروح الملتاعة ، تصرخ فيها منادية : بعثنا لك رسلاً تحيي العظام وهي رميم