"يواصل البطل هنا حياته في المهجر مع زوجته وابنتها بعد أن رحل عن وطنه قسراً. وسيندب خراب العراق في حربيه الأولى والثانية. ويشهد، مع اليسار العالمي، سقوط الاشتراكية، وضياع الحلم في تحقيق اليوتوبيا، فيرحل إلى ماضيه، الذي يقترن بآمال العريضة، التي كانت تبشر بها أفكار اليسار الاشتراكي، ويحاول استرجاع سعادته الراحلة، في رحلات نوستالجية إلى الأماكن التي عاش فيها شبابه، في بيركلي، ولوس أنجلوس، وبيروت، وحتى بغداد، التي نفته قبل سنوات. ويعود إلى منفاه واجداً ملاذه في عائلته التي أصبحت مدينته الفاضلة، يبعد ضياع كل شيء. لكنه سيواصل نضاله على الصعيد العلمي ليرى هل إن الخلل في غياب الحقيقة\" كوني، في الطبيعة، كما يزعم مفسرو ميكانيك الكم الكلاسيكيون، أم من صنع الإنسان في سياق المصالح؟ وسيجد البطل بصيص أمل في إن الخلل في ضياع الحقيقة ذاتي مصطنع، وليس موضوعياً. "وسيتيح الكاتب في هذه الرواية أن تمارس لعبة كتابة رواية داخل الرواية، يأمل خلق عشق طوباوي داخل المستنقع العراقي، لكنها ستجد أن لعبتها ستصل إلى طريق مسدودة لأن العراق لم يعد بلداً تمارس فيه حياة طبيعية.
ثربانتس يجمع بين فنّي عصر النهضة وعصر الباروك. فهو بتكوينه الثقافي والفكري ينتمي إلى عصر النهضة. فالمثالية والأفلاطونية، والإيمان بالطبيعة، سمات تصبغ جانباً هاماً من أدبه. لكن ظروف حياته والأحداث التاريخية في عصره، غطت مع مرور الزمن على «رموز النهضة»، وقادته إلى فكرة خيبة الأمل الباروكية . فموقف ثربانتس النقدي والريبي ووعيه «بالقيمة المزدوجة للأشياء يمثل خطوة متقدمة نحو الباروكية». ومع ذلك، لا الشك ولا خيبة الأمل دفعت به إلى التشاؤم «فتجربته المؤلمة لم تولد عنده مواقف سلبية». فظلت فكاهته سليمة خالية من المرارة؛ وهي بدلاً من أن تهدم، «ترفع وتُعلي من شأن كل ما تلمسه لأنها تتجذر في إحساس من الفهم الصحيح». أسلوبه ولغته يقفان أيضاً بين عصري النهضة والبارّوك. فهو بميله إلى ما هو سهل مطبوع، وبعيد عن التكلف والتعقيد، يمتثل لقواعد عصر النهضة، لكنه في بعض السمات كالتضاد المستخدم في الدون كيخوته بكثرة، «ينبئ بما ستكون عليه أساليب عصر الباروك». كتب ثربانتس الشعر والقصة والرواية والمسرحية لكنه نبغ في الرواية والقصة ومسرح الإنترميس. هاتان القصتان / «زواج بالخديعة» و«حديث كلبين» / تشكلان عملاً واحداً، وهما مأخوذتان من مجموعة (القصص المثالية) التي تبلغ خمس عشرة قصة. أثبتنا مقدمة ثربانتس للمجموعة كلها، ثم مقدمة الناقد آ. بلبوينا الخاصة بهاتين القصتين المذكورتين.
يفصح المؤلف في روايته عن رؤيته لواقع وأحداث كان جزءاً منها، شغلته بهمومها كما شغلت كثيرين من أبناء جيله، إلا أنه نظر إليها نظرة لا تخلو من الشمولية. لقد كشف ترسب من أوهام وأفكار في نفوس أبطاله تاركاً لهم حرية الإفصاح عن مكنونات نفوسهم دون أن يفقد سيطرته على أحداث الرواية. أما إبطاله فهم أموات وأحياء ، أموات قد غادروا عالمنا أو مازالوا فيه لكنهم يقفون على مسافة من الواقع وينغمسون في أحلامهم وتهويماتهم الصوفية، وهم أحياء بعث فيهم الحياة ورسم لهم طريق العبور إلى الخلود، وهم بيننا يكاد لا تخلو إحدى مدننا منهم لقد التقط المؤلف تفاصيل روايته من الواقع الحي، المعاش وغلفها بتلك الرؤية الخاصة التي لا يمتلكها إلى المتميزون والمبدعون، وبعد فإن القارئ ليحار أيقرأ رؤية أم كتاب تاريخ يؤرخ لما سيأتي، أم أنه يقرأ سفراً من أسفار الخلق.
إذا نشأت في الفن عبقرية تخطت العصور: فإنها تحدث في ساعة في تاريخ البشرية تنشىء حسماً يمتد على مدى عقود من الزمان وقرون. ومثلما يحدث في أضيق حيز من الزمان، وما يجري، في العادة مسرحياً بعضه إثر بعض، أو بعضه إلى جانب بعض، فإنه ينضغط في لحظة واحدة، تحدد كل شيء، وتفصل في كل شيء. كلمة نعم واحدة، أو كلا واحدة، أو لما يئن الأوان، أو فات الأوان، تجعل من هذه الساعة ساعة حاسمة لا رجعة فيها، على مدى مئة جيل، وترسم معالم حياة فرد، أو شعب، بل مسيرة المصير للبشرية بأسرها. وبذلك كان من أهم ما تناوله الكتاب: هرب إلى الخلود, فتح القسطنطينية, انبعاث جورج فريدريش هيندل, عبقرية ليلة, دقيقة واترلو في تاريخ العالم, مرثية ماريينباد, اكتشاف إلدورادو, لحظة بطولية, الكلمة الأولى عبر المحيط, الهرب الى الله, الكفاح من أجل القطب الجنوبي