"وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه لأنه ابن شيخوخته، فصنع له قميصاً ملوناً، فكما رأى أخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع أخوته أبفضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام". - تك: 37- 3-4 تشف شخصية يوسف التوراتي عن جينيولوجيا بعيدة جداً، استقرت في الذاكرة، وساهمت ببلورة مجموعة من العلامات الرمزية والشعائر المقدسة، ولم تكن هذه الشخصية كافة طويلاً؛ بل كانت تستيقظ رموزها ومتوازياتها، لتجد فرصة جديدة في التبلور، وتحقق إستبدالات جديدة عليها، لذا فإن "يوسف" التوراتي لم يكن توراتياً خالصاً - هذا ما سيعمد الباحث إلى تناوله في دراسته هذه، ويذكرنا يوسف تماماً بما ترسمه الأساطير الإسرائيلية المستمدة من الأساطير السامية عن شخصية آدم، فهو مخلوق في منتهى الجمال، ويضيء النص التوراتي بأن "يوسف" حقق نجاحاً وتوفيقاً قلّما تحقق لشخص آخر غيره وخصوصاً في مرحلة تطور الدراما الأخيرة، أي بعد البئر / السجن العبودية، حيث تسيّد تماماً على كل مصر، وتجسدت في شخصيته الملامح الأسطورية والفكرية الواضحة لعدد من الآلهة الشابة في الشرق الأدنى القديم، وخصوصاً الآله أدونيس أو "أدوني" الذي يعني الرب أو السيد، ومعروف بأن أدوني آله كنعاني جميل جداً ويسحر القلوب، وتسجد لجماله الساحر العذارى في معابد الكنعانيين، ولفظة أدون قرينة النطق من لفظة آدم، بل أن "أدون" حكم عليه أن يقيم نصف العام تحت أديم الأرض والنصف الآخر فوق الأرض، فمرة يغطيه الأديم ومرة يفترش الأرض، وما اسم آدم ذاته إلا من هذا الأديم، مما يجعل المزاوجة بين أدوم وآدم أقوى؛ "أدون" في هذه يشبه يوسف أيضاً إذ يدخل باطن الأرض مرتين ويخرج منه مرتين في قصته، وذلك عندما يدخل الجب، وعندما أُدخل السجن...
وحدث يوماً أن فكر كعادته في ما مضى من حياته بعيداً عن الله، وعرض خطاياه الواحدة تلو الأخرى ليدرك شناعتها. فتذكر أ،ه رأى منذ بضع سنين في ملعب الإسكندرية ممثلة ساحرة الجمال تدعى "تاييس". كانت تمثل في الألعاب أدواراً شتى. ولم تكن تتحرج من رقص يثير في النفس بحركاته أقوى الشهوات. ويعرض نفس الروائي لأشنع الرغبات. وتبدو في مشاهد مخجلة، مما ألصقه الكافرون بالزهرة وليداً باسيفة، فكانت تشعل نيران الشهوة في جميع المشاهدين. وكان يختلف إليها الشبان المدلهون والشيوخ الأغنياء المغرمون، يعلقون أكاليل الزهر ببابها، فكانت ترحب بهم وتنيلهم منها ما يشتهون. فأضاعت بضياع نفسها نفوساً أخرى عديدة.
اصدر هذا الكتاب كمبادرة لمواجهة عسف نظام البعث الصدامي وتصفياته الجسدية التي طالت المئات من الشيوعيين والديمقراطيين تحت التعذيب وبالإعدامات والاغتيالات المنظّمة بوسائل ابتكرتها المنظمة السرية التي كان يقودها ويشرف عليها صدام حسين شخصياً، عشية انفراده بالسلطة بعد إزاحة أحمد حسن البكر عن رئاسة الجمهورية فيما يُشبه انقلاباً، إن لم يكن انقلاباً مبتكراً في سلسلة الانقلابات التي شهدها العالم العربي طوال الأربعينيات والخمسينيات وما بعد ذلك ، وحتى يومنا هذا، وربما حتى «يوم الدين»، إن لم نشهد استنهاضاً شعبياً واعياً ومنظماً يقتلع جذور الاستبداد ويصفّي مظاهره . كان الدكتاتور قد أصبح على ثقة بـ«اقتداره» على المضي في تصفية الحزب الشيوعي سياسياً بوسائل الإبادة الجسدية الشاملة، بعد أن أجهض الثورة الكردية، وأفرغ البعث نفسه من إمكانية مقاومة مطامعه في فرض سلطته المطلقة، وجعل الحزب الشيوعي «مكشوفاً» أمام وسائل قمعه نتيجة نهجه المتخم بقناعة واهمة بجدية توجه «البعث الجبهوي» وادعاءاته بالتخلي عن السياسة الدموية التي انتهجها بعد انقلابه في ٨ شباط . وفي خطوة تصعيدية بالغة القسوة والتعسف المكشوف، أقدم صدام على إعدام كوكبة من الشيوعيين بزعم انضمامهم إلى التنظيم العسكري للحزب الشيوعي. ولم تكن تلك الخطوة سوى رسالة بالدم الزكي إلى قيادة الحزب، تدعوه للدخول في «خيمة البعث» أي التخلّي عن أُسس وركائز وجوده أو مواجهة التصفية . انبثقت فكرة ترجمة الكتاب ونشره في فورة الأحزان والشعور العميق بالخيبة التي كانت تلازمني وأنا أتابع ما يتعرض له يومياً مئات الرفيقات والرفاق من ملاحقات واعتقالٍ وتعذيب لا نظير له، وتحت قهر التزام الصمت، بل وأحياناً كآبة الموقف بسبب التواطؤ الضمني، تنفيذاً لسياسة الحزب بـ«ليّ الحقائق» ومجافاتها للواقع حول تلك الأهوال التي تحاصر منظمات الحزب وأعضاءه، باظهارها في اعلام الحزب كما لو أنها مجرد «حوادث» غامضة، تحتل مكاناً خجولاً في جريدة الحزب من دون أن تنال بطولة المناضل وبسالة صموده ما يستحقه من نعي وتشييعٍ واستذكار
تكتب اناييس نن في تقديمها لمجموعتها القصصية هذه:هناك سببان جعلاني أوافق على إعادة طبع هذه القصص.أحدهما أنها نُشِرت أصلاً فـي انكلترا بُعيد الحرب العالمية الثانية، فـي أشد الأوقات شؤماً.لم يكن ثمة ما يكفي من الورق، فبدت الطبعة المحدودة هَرِمة قبل الأو
«منذ مغادرتكَ للقرية والبلد، ونحن هنا نتابع أخبارك وما تنشره من قصص، وكلما اجتمعنا للسَهر، كنتَ حاضراً معنا، نتحدث عنك ونقرأ ونناقش قصصك سِراً. نجد فيها ذكريات طفولتنا، قصص حبنا البسيطة، أعوام دراستنا الجامعية وخدمتنا في الجيش والحروب.. ونشعر بأنك تُعبر عنا. وفي سنوات الحصار المريرة، عندما أصبح أحدن ا يشعر بالحرج من زيارة صديقه والسهر عنده، كي لا يكلفه واجبات الضيافة، قمتُ بجمع كل قصصك التي حصلت عليها واستنسختها عدة نسخ، غلفتها بكارتون وكتبتُ عليها عنوان (تُحفَة السَهران) ووزعتها على بقية الأصدقاء كي يقرأوها على ضوء شموع أو فوانيس بعد أن ينام الأطفال والعائلة» - من رسالة قارئ - *** يضم هذا الكتاب مجمل القصص القصيرة للكاتب العراقي د.محسن الرملي التي نشرها على مدى ثلاثين عاماً (1985 ـــ 2015)، وهي قصص متنوعة في مواضيعها وأشكالها، فقد كُتبت على مراحل مختلفة، ومنها ما كُتب ونشر أولاً باللغة الإسبانية وما تمت ترجمته إلى لغات أخرى كالإنكليزية والبرتغالية والروسية والألمانية. ومن بين القضايا التي تتطرق إليها، مواضيع: الحُب والحرب والهجرة والذاكرة ولقاء الثقافات والتراث والعزلة والهم الوجودي. كما تتنوع في تقنياتها ولغتها وأساليبها في السرد بين التجريبي والرمزي والتقليدي، بين الإيحاء والتصريح وبين الواقعي والإيهام به.
لا يترك الكاتب والروائي الكولومبي أنتونيو غارثيا آنخيل مساحة في جمله القصيرة، وانتقالاته الفجائية بين الحلم والواقع، تفصيلاً من تفاصيل حياة مدينة بوغوتا اليومية إلاَ وتوقف عنده أو أسهب في وصفه في روايته هذه «تداعٍ »، أقل مايقال عنها حكاية لصورة مقصودة عن تلك المدينة المتأرجحة بين مشاهد الفقر وملامح ثقافة العولمة وظلالها. متوالية من المشاهد اليومية المتكررة بين أمكنة المدينة عمد الكاتب إليها من أجل تكريس وجودها وتأكيد هويتها، فضلاً عن محاولة حثيثة منه لجعل مدينته حاضرة على امتداد أحداث الرواية، فهو يجيد التنقل في المشاهد والأحداث، بل يصر على ذلك، عبر فضاءات المدينة المفتوحة والمغلقة على حد سواء.. إذن هي رواية «مدينة » وهذا ما يؤكده أنتونيو غارثيا آنخيل نفسه عندما يذكر في إحدى المقابلات قائلاً: «نعم إنها رواية مدينة، إنها بوغوتا »، بوغوتا التي عاش فيها أكثر من نصف حياته، يقدمها في صورة تعكس حياة واقع الطبقة المتوسطة التي ينتمي اليها «خورخه» شخصيتها الرئيسة، المقتحمة بعمق لهذه المدينة والمكتشفة لأجزاءٍ مدهشة من عالمها. وصفت هذه الرواية بأنها «كافكاوية» بامتياز إذ إنها تعيد خلق حياة شخصية «خورخه » الشبيهة بشخصية «غريغوريو» بطل رواية المسخ للكاتب الألماني فرانز كافكا، حيث يواظب خورخه على التحرك في حلقة من الأحداث اليومية الروتينية التي تتخللها مشاهد درامية بسيطة لا تخلو من عجائبية تأتي إما بصورة أحلام أو أحداث تتداخل فيما بينها بنحو غير محسوس، وتندمج مع مشاهد فرعية أخرى تكثف من عجائبيتها لتُوقع قارئها في حيرة البحث عن خيوط الحقيقة.. لكن تداخل الأحداث مع الأحاديث سرعان ما يضعنا أمام فانتازيا أو غرائبية تخرجنا بين الحين والآخر من شعور بالملل والحزن وإحساس بالوحدة والرتابة يلازمنا حتى آخر مشهد في الرواية. وُصفت رواية «تداعٍ » بأنها واحدة من أفضل الروايات التي صدرت في كولومبيا في العام 2016
في عام 1955، بعد إقصاء أيرا عن المذياع بوضعه على اللائحة السوداء لكونه شيوعياً بأربعة أعوام، طَرَدتْ هيئة الثقافة مَري من منصبه بالتدريس لرفضه التعاون مع إدارة مكتب مناهضة النشاطات المعادية لأميركا عندما مرّت بنيوارك لعقد جلسات إستماع لأربعة أيام، ثم أعيد إلى منصبه، ولكن بعد مرور ستة أعوام من الكفاح القانوني انتهت بقرار 5- 4 أصدرته المحكمة العليا في الولاية، أعيد إلى منصبه مع الرواتب المتأخّرة، مُقتَطَع منها المبلغ الذي كسبه من أجل إعالة عائلته خلال تلك الأعوام الستّة كبائع للمكانس الكهربائيّة. قال مَري مبتسماً: "عندما لا تعرف ماذا تعمل، تبيع مكانس كهربائيّة، من باب إلى باب، مكانس كهربائية ماركة كيربي، تقوم بإفراغ منفضة ممتلئة على السجادة ثم تُنظّفها بالمكنسة الكهربائيّة أمامهم، تنظّف المنزل كله لهم، هكذا تبيع البضاعة.