الأوركسترا – عليكم ألا تنسوا ذلك – قائمة على الترتيب الهرمي. لا بد أن تكون كذلك، وهي بهذا الترتيب الهرمي صورة طبق الأصل للمجتمع البشري. ليس صورة لمجتمع بشري معين، بل للمجتمع البشري عموماً... لا تعتقدوا أنني أتحدث عن حسد وغيرة. لا، الحسد شعور غريب لا أعرفه، لأنني أعرف قيمة ذاتي. ما يهمني هو العدل، و بعض الأشياء في مجال العزف الموسيقي هي الظلم بعنيه. الجمهور يفيض على السوليست بالتصفيق الغامر، فالناس يعتبرون الأمر عقوبةً لهم شخصياً، إذا لم يُسمح لهم بالتصفيق. التهليل والتقدير يكون من نصيب المايسترو، والمايسترو يشد على يد عازف الكمان الأول على الأقل مرتين، في بعض الأحيان تنهض الأوركسترا كلها ... ولكن حتى عازف الكونترباص لا يستطيع حتى النهوض بطريقة لائقة. عازفو الكونترباص – أعذروني على التعبير – هم زبالة الزبالة! ولهذا أقول إن الأوركسترا صورة طبق الأصل للمجتمع البشري. إن الذين يقومون بأقذر الأعمال – هنا وهناك – لا يجنون إلا احتقار الآخرين ... (من المسرحية) "عمل نادر لمؤلف ألماني فريد، في ترجمة عربية رشيقة."
في لحظة السكون الغامر تلك تذكر ما كانت تقوله أمه مكية الحسن للنساء اللائي يجلبن لها أطفالهن المرضى لمعالجتهم بالأعشاب ويسألنها عن علامة الشفاء. روت لهن قائلة إن علي عندما كان صغيرا مرض ذات مرة. ارتفعت درجة حرارته فأخذتْ تغذيه بشراب أعدته من أعشاب هندية، وتبرِّد جبينه بكمادات مبللة، وتضعه في المهد عاريا. في اليوم الثالث أضناها الخوف لأن الطفل لم يُظهِر أي تحسن وقررت أن تأخذه إلى الطبيب في الغد، وطلبت من سلمان اليونس أن يستعد لمرافقتها. أمضت النهار كله جالسة قرب المهد. وعند الغروب قفزت من الفرح وصاحت على زوجها أن يسرع ويرى بنفسه. هرع نحوها. وقبل أن يصلها هتفت: «علي سيشفى». سألها عما يجعلها تعتقد بذلك فأشارت إلى عضو الطفل. كان منتصبا. قالت إن هذه علامة على شفاء قريب. وبالفعل مع شروق شمس اليوم التالي استيقظ الطفل سليما معافى.
يقتحم الروائي الكبير فؤاد التكرلي المشهد العراقي بجرأة، ويرسم لوحة روائية مبهرة، عن تحولات عائلة عراقية صغيرة منذ الثمانينات الماضية الى منتصف التسعينات، هي تحولات العراق كله، لا أحد يطرح الأسئلة عما يحدث ولا أحد يجيب!ا . . كان صوتها المشروخ يأتي من بعيد.. بعيد جداً. كانت تصرخ صرخات مبحوحة، تتناهى إلى سمعه كأنها همسات خافتة، والألم والغضب والهياج لا يتركون له أن يتوقف. أراد أن يفتح عينيه فلم يستطع وكان يصدر حمحمة وحشية حيوانية. ليس من فمه بل من صدره وكيانه كله. والألم يزداد وكفاه تحترقان، وهو في قبضة حديدية لا فكاك منها. كأنه في صندوق مغلق مظلم. ثم ارتفع الصراخ وتعددت الأصوات، كلها تتعالى إلى عنان السماء. تصرخ وتصرخ. وهو، في سورة الحمحمة تلك، يريد أن يفتح عينيه وان يهرب مما لا يدري ما هو. كان مرة أخرى، مشلولاً مختل التصرفات. ثم.. ثم وعلى حين غرة سكنت روحه وشعر بنفحة من البرودة تغطي وجهه وجبهته وقمة رأسه.. ففتح عينيه
ربما كانت قصة أصلنا السحرية هي أكثر ما فتن المخيلة البشرية على مرّ العصور. ومع ذلك، لم يكرس الكتاب المقدس لهذه القصة سوى أربعين آية تستعرض قصة آدم وحواء في العهد القديم. ولكن، كيف كانت حياة هذين الكائنين البريئين والشجاعين، وكيف كان ذلك العالم الذي يتوجب عليهما أن يعيشا فيه. يشترك الشعر والغموض في ه ذه الرواية ليقدمنا لنا الرجل الأول والمرأة وهما يكتشفان محيطهما، ويختبران القلق والحيرة حيال العقاب، والقدرة على منح الحياة، وقسوة القتل من أجل البقاء، ودراما حب الأبناء وغيرتهم. نالت اللامتناهي في راحة اليد جائزة بيبلوتيكا بريفي الإسبانية عام 2008 لتفردها وقدرتها على إستحضار عوالم ما قبل العالم. فقد خلقت جيوكندا بيللي عالماً جديداً استخرجته من الكتب المقدسة الكبرى، ومن النصوص المنحولة أو المحظورة، لتصوغ أكثر الحكايات العجيبة التي يمكن تصورها.
ولد صامويل باركلي بيكيت في 13 أبريل 1906 بدبلن في أيرلندا. في عام 1923 التحق بيكيت بكلية ترينيتي بدبلن وتخصص في الآداب الفرنسية والإيطالية وحصل على الليسانس فيهما عام 1927. في عام 1928 توجه بيكيت إلى باريس وعمل أستاذاً للغة الإنجليزية بإحدى المدارس هناك، وفي هذه الأثناء تعرَّف إلى جيمس جويس (1882 - 1941). في عام 1935 كتب روايته الأولى (مورفي). في عام 1947 كتب بيكيت مسرحيته (في انتظار جودو). عام 1969 حصل بيكيت على جائزة نوبل للأدب، ولما سمعت زوجته بالخبر قالت: إنها كارثة، واختفى بيكيت تماماً ولم يذهب لحفل تسليم الجائزة. في 22 ديسمبر 1989 مات بيكيت بعد تعرضه لأزمة في جهازه التنفسي. -السّارد في هذه الرّواية هو الكلام في حدّ ذاته، صوت لا صاحب له، لا اسم له، ينتقل من جسد إلى آخر إشباعا لنهم الاستمرار في القول. «لأنّ القضيّة هنا قضيّة كلمات، قضيّة صوت،لا ينبغي نسيان ذلك... ». هنا في سياق التجرّد من الأجسام والمحسوسات يجدر التّنويه إلى أنّ الّلامُسمّى هي خاتمة ثلاثيّة روائيّة (مولوي، مالون يموت، اللاّ مُسمّى)، راحت من رواية إلى أخرى تضيق دائرتها؛ فمن مولوي الأعرج العجوز الذي أصبح يزحف في النّهاية إلى مالون منتظرِ الموت الذي لا يكاد يتحرّك، إلى انعدام الجسد تماما في آخر المطاف. نحنُ إذًا إزاء انسياب كلاميّ لامتناهٍ لا يُشبعُ جوعَه للكلام سوى تفسير وجوب عدم الكلام، الأمر الذي يرفع تناقضا ويزجّ بالمُتلقّي في حلقة مفرغة، دوّامة محورها الكلام ومادّتها الكلام ومُحرّكها الكلام. «سأتكلّم لأقول لا أدري ماذا...». ثمّ في خضمّ عاصفة القول هذه تلتقي شخصيّات بيكيت وتنصهر كما لو أنّها تضرب موعداً في أرض غير الأرض التي نعرفها.
يحمل هذا الكتاب بين صفحاته تعريفاً بكل أنواع اللانهاية: المُحتمَلة والفعلية، الرياضية والفيزيائية، اللاهوتية والدنيوية. وسيقودنا ذلك إلى العديد من المفارقات المذهلة. وبتفحُّصنا هذه المفارقات عن كثب، سنتعلم الكثير عن العقل البشري وقدراته وحدوده. سنرى أن دراسة اللانهاية أمر يتجاوز البحث الأكاديمي الجاف والممل، وأن المسعى الفكري لمعرفة اللانهائي المطلق هو شكل من أشكال بحث النفس عن الإله، كما أدرك "جورج كانتور" سابقاً. وسواء وصلنا للهدف أم لم نصل، فإن وعينا سيضيء في كل خطوة نجتازها في طريق البحث. "اللانهاية والعقل" هو رحلة تمثِّل عملية تحول. أهديه بكل حب واحترام لكل من يسير على هذا الطريق. «رودي روكر».
رواية " اللعبة " للكاتب الروسي الكبير يوري بونداريف، الذي عرفه القارئ العربي من خلال رواياته " الثلج الحار" و " الاختيار" و " الطلقات الأخيرة"، يكرسها لموضوع الانتيليجنتسيا الروسية والعبقرية وصدامها الحتمي بالبيروقراطية والنظام الشمولي. عبقري في مواجهة منظومة بيروقراطية مسيطرة هي كالأخطبوط، ومن العسير جداً، بل من الممتنع أحياناً على من يقع في شباكها أن يفلت منها، مهما كان موهوباً – تلك هي اللعبة التي تحكي قصتها هذه الرواية. بطل الرواية مخرج سينمائي مبدع تنقله أفلامه من المستوى المحلى إلى المستوى العالمي، تتنازعه شركات السينما العالمية الكبرى.فتلعب الأوساط البيروقراطية والإدارية لعبتها القذرة، مدفوعة بدوافع قذرة لاإنسانية تشمل الكذب والافتراء والزيف والحسد والفساد. وتأخذ اللعبة أبعاداً إنسانية فيطرح المؤلف قضايا الخير والشر، والجمال والإبداع والفن، والحب والحرب، والإيمان والعدالة، وصراع الأجيال
تلال صغيرة، نبات قصب وأسل، أجمة شجر ملتف، في الخلفية شبح زقورة يمتد أمامها سور أوروك في جو مغبش. تمثال أحد الالهة إلى يسار الزقورة يُضاء بنور أحمر. في مقدمة المسرح مشهد يمثل مايشبه قبوراً سوداء. ثمة سلّم يتجه نحو نوع من كهف مرتفع. قرع طبول، صرخات استغاثة، ضجيج جموع بشرية، عواء، تخفت الأصوات تدريجياً وتستمر موسيقى حزينة على الناي مع ضرب طبول:تهبط من أعلى المسرح ملابسُ بيضاء مضرجة بالدماء، يرافقها عويل نساء..