"بعد هذه الأشهر من إنتهاء الحرب، أجلس رويداً في البيت أفكر في حياة المحرقة التي سلمتها إلى محمود نوري عندما تسلمت أمر تسريحي من الخدمة، لقد جاهدت كثيراً وأنا أقتلع من هناك، وربما علي أن أفسر بعض الأمور التي بقيت تشغلني حتى هذه اللحظات. فمنذ أن عدت من الحرب قبل أشهر وأنا أضاف الخروج، أفكر بليليان التي هربت منها بسرعة من دون أن أبدي أية مقاومة للتمسك بها، أفكر بأصدقائي الذين لم أرهم منذ أن عدت، بدا أنني بحاجة إلى البقاء لوحدي، لقد تركت العالم في الخارج يحتفل بنهاية الحرب، ولم أشاركهم مشاعرهم تلك، لأنني لم أزل أخوض حرباً ضاربة مع نفسي، والذي لا أفهمه هو هذا الحنين لأيام السجن والمحرقة، وصدى نغمات ناي كما نتدفق حزينة تمزق لحن حياتنا التي خربت بمنتهى الوحشية. لم أعد من الحرب بشيء سوى قلب مجروح ومكتبة محسن وليليان المكدستين في مخزن البيت في الطابق العلوي، طلبت من ليليان ذلك قبل أن تنتهي الحرب فكنت أنقل منها صندوقاً كلما جئت إلى بغداد، أما محسن فلم أر حرجاً من تجميع تلك الكتب التي بقيت الشاهد الوحيد عليه وشحنتها في القطار إلى بغداد.
تندرج رواية «المد الهائل» ضمن أدب الخيال العلمي، وقد نشرها «ألكسندر كي » عام 1970 . وهي تحكي قصة كونان، صبي يعيش بمفرده على جزيرة صغيرة بعد أن أحالت الحرب العالمية الثالثة الأرض دماراً بفعل الأسلحة المغناطيسية. حينها انقلبت محاور الكرة الأرضية، وغَرِقَت القارات في المحيط، ولم يبقَ منها سوى بضع جزر صغيرة. بعد أن نجا كونان من تلك الكارثة المؤلمة التي حلت بالأرض، وجد نفسه في عالم جديد مختلف تماماً عن العالم الذي عرفه من قبل. تتنقل أحداث الرواية بين عالَمَي كونان ولانا عقب انتهاء الحرب المُدَمِرة. كان كونان يعيش وحيداً في جزيرة نائية، ولانا تعيش في «هاي هاربور» مع خالتها مزال وعمها الطبيب «شان» زوج «مزال». بعد مرور خمس سنوات على النجاة، يعثر طاقم سفينة النظام الجديد على الجزيرة التي يقيم فيها كونان، وقد ناهز السابعة عشرة حينها، فيسوقونه أسيراً إلى مدينة «إندستريا » للعمل فيها وخدمة المسؤولين عنها. يلتقي هناك ب «تيتشر» المتخفي بشخصية باتش، الرجل العجوز الذي يصنع القوارب في «إندستريا»، ويجيد التواصل عن بُعد مع ابنته «مزال». وقد تعمّد «تيتشر » إخفاء اسمه الحقيقي، «برياك روا»، ذلك أن قادة النظام الجديد في بحث مستمر عنه، بغية أَسْرِه والحصول على ما لديه من معارف لإعادة ابتكار التكنولوجيا التي كان العالم القديم يمتلكها
النقد التقليدي "البارع متعدد الأساليب" و"له لغة في اللغة". مهما كانت دقة أو صحة هذه التعابير، فإيتالو كالفينو واحد من الكتاب القلة البارزين، كاتب صار معروفاً بطريقته الجميلة المربكة في الكتابة، وبدهاته في ذلك، لا تقرأ له صفحات حتى تقرَّ ببراعته. روايات كالفينو مشوّقة، والقارئ يواصل قراءة القصة بعد أن يجد نفسه في خضم من المفاجآت المتتالية وقد شدّه عالم زاخر بالوهم والغموض، لكنه قبل هذا يجد فيه شيئاً يعنيه، نداء خاصاً لنقاط بعيدة غافية أو لمسألة منتظرة في ذهنه. هذا هو شأن كل كتب كالفينو يظل فيها القارئ يبحث عن الغرض، عن المغزى الذي يطرحه أو يريده الكاتب وهو يسعى وراء المعاني البعيدة التي يلفها الغموض، والتي هي "خفيّة" وهي قريبة، أيضاً من نفسه. و"مدن لامرئية" الذي اخترت ترجمته، هو أول كتاب: لإيتالو كالفينو أثار دهشتي، رواية تثير المشاكل نفسها التي أثارها الكاتب من قبل، ولكن بأسلوب مختلف وبإيجاز جميل ومذاق فيه العمق الثقافي ونكهة الشرق البعيدة والمؤثرة. ففي هذه "الرواية" نرى قبلاي خان يراقب إمبراطوريته، فيراها تتعاظم وتتباعد أطرافها، وهي متماسكة، مثل ماسة صلدة لمّاعة، واقفة في الزمن مثل صرح شامخ... إنما هو في حاجة إلى الإقتناع الأخير، إلى السر الذي يتوق لمعرفته، لكي يتأكد، لكي يقتنع، لكن المدن التي يراها ماركو يولو في هذه الإمبراطورية.
"بعد ظهيرة أشد أيام الربيع دفئاً ونضارة انتهت تدريبات حفل التخرج في المدرسة الثانوية، وتدفق الفتية والفتيات، والآباء والأستاذة، خارج البناء الجديد للمدرسة الجيورجية الطراز القديمة. انفصل جيم ويلارد عن الحشد، وتوقف برهة على الدرجة العليا ومدّ بصره بحثاً عن بوب فورد، لكنه لم يتبينه وسط حشد الفتية بالسترات الداكنة والسراويل البيضاء، والآباء بقبعات القش (كانت تلك موضة ذلك العام في فرجينيا). كثير من الرجال كانوا يدفنون السيجار، وهذا يعني أنهم من السياسيين. كان ذلك هو المقر الريقي وهو غني بشكل خاص
يقدم الكتاب حصيلة نشاط متميز لمنظمة المرأة من أجل حقوق المرأة الإنسانية ويرصد إنتهاكات حقوق المرأة في الريف والمدينة ومن خلال شهادات وكتابات نادرة لنساء يعشن في ظل القمع الجنساني المستمر على مدى قرون.
هذه المدينة الحجرية جادة أكثر من اللازم، ومستقيمة أكثر من اللازم. صممت لأناس يكون البيت مأواهم الأول والأخير، بعد عمل يوم طويل. ولأنه شرقي تعود أن يقضي شطراً من استراحته خارج البيت، تعود الرفاق والمقهى والحانة والسير في الدروب الضيقة وحلزونيات الحياة العلنية والسرية، فقد كان يحس بشيء يفتقده في هذه المدينة المغلقة المكشوفة، ولاسيما وأنه في حالته العاطفية الراهنة، والمختصرة إلى تلك السويعات التي يقضيها إلى جانب سرير ابنه. كان يحتاج إلى ما يستند إليه، ويبدد قتام وحدته. الشوارع عريضة، والبيوت عالية، مكعبات ومستطيلات من الحجارة والإسمنت والزجاج، والفراغات هائلة، والمسافات جبارة يتيه فيها الإنسان الوحيد، إذا لم يكن له دور في هذا الزحام الهائل العجول الراكض إلى غايات شتى. يحس بالضآلة وانعدام الوزن.