مؤلف هذا الكتاب ليس ناقداً ادبياً بالمعنى الدقيق ولم يسبق له أن مارس النقد الأدبي، وإن كان قد عمل في النشر وفي الصحافة المحلية، في فلسطين، والعربية أثناء إقامته الطويلة في لندن... ويكمن سر وتميز هذه الدراسة في أنها تقدم قراءة مغايرة، منهجية وتاسيسية في آن، لخماسة مدن الملح التي ما زالت تعتبر، وربما بحق، معلماً رئيسياً وفارقاً في مسار الرواية العربية، خاصة ما يتعلق منها بال مؤلف هذا الكتاب ليس ناقداً ادبياً بالمعنى الدقيق ولم يسبق له أن مارس النقد الأدبي، وإن كان قد عمل في النشر وفي الصحافة المحلية، في فلسطين، والعربية أثناء إقامته الطويلة في لندن... ويكمن سر وتميز هذه الدراسة في أنها تقدم قراءة مغايرة، منهجية وتاسيسية في آن، لخماسة مدن الملح التي ما زالت تعتبر، وربما بحق، معلماً رئيسياً وفارقاً في مسار الرواية العربية، خاصة ما يتعلق منها بالجزيرة العربية. قد لا يجد المتخصص في النقد الأدبي هنا ما اعتاد عليه من تنظير أو تطبيق لنظريات، سواء ما كان منها محلي الصنع أو مستورد، ولكنه سيجد في هذه القراءة التحليلية المنهجية نموذجاً شفافاً لما سمّاه إدوارد سعيد شغف الهاوي، حين جعل القراءة الهاوية للنصوص الادبية أرقى تجليات الاحتراف الأدبي... البروفيسور محمد صدّيق أستاذ الأدب العربي المقارن في جامعة بيركلي بكاليفورنيا
سيخرج مع ساعات النهار ا لأولى، يتجول في مدينته لآخر مرة، ثم ينطلق صوب الساحة الكبرى، يقف تحت لوحتها الصخرية، فيعدد الأسماء كلها، يأتي عليهم واحداً واحداً، أصحاب العمائم والخواتم واللحى والبدلات الأنيقة والسراويل، يذكرهم بأسمائهم وألقابهم الصادقة والكاذبة، فإذا انتهى من آخرهم، يشعل أعواد الثقاب. تناول علبة الكبريت، هزها عدة مرات، جلس على الأرض، يستعين برطوبتها الباردة على حرارة أحزانه، يريح على صلابتها متاعب سنينه المرهقة، عمره الذي ضاع ما بين جبهات الحروب وعذاب السجن ومتاعب ما بعده، فصار كائناً موجوعاً في نومه ويقظته، مسكوناً بالحزن والألم، حتى ذكرياته انقلبت ضده، عدواً شرساً لا يرحم، يجلده كلما وجده مسترخياً، يمزّق صمته بصيحات مرعبة كلما أراد الانقطاع عن هذا العالم.
«شوو! شوو! » - اندفع السيّد پالومار إلى الشرفة يطرد طيور الحمام التي تأكل أوراق الغزانيا، وتثقب بمناقيرها النباتات العصاريّة، وتتشبّث بمخالبها في فروع الجُريْس المتدلّية، وتأكل ثمرات العليق، وتنقر البقدونس المزروع في صندوق قرب المطبخ ورقة بعد ورقة، وتحفر وتخربش الأصص منتزعة منها التربة ومعرّية جذور النباتات، كما لو كانت الغاية الوحيدة من طيرانها هي تخريب كلّ شيء. الحمام الذي أبهج طيرانه يوماً ساحات المدينة خلَفته ذريّة فاسدة، قذرة وملوّثة، لا هي بالأليفة ولا هي بالبرّية، بل مندمِجة في المؤسّسات العموميّة، وبالتالي لا يُمكن إبادتها. سماء روما سقطت من زمان تحت سلطان الكثرة الطاغية لهذه الطيور، التي جعلت الحياة صعبة لجميع أنواع الطيور الأخرى في المنطقة، والتي تغزو مملكة الهواء الطليقة والمتنوّعة ببزاتها المتشابهة المنتوفة ذات اللون الرصاصيّ الرماديّ
يتضمن هذا المجلّدُ، إلى جانب قصة "السيد والخادم" التي لعلها أغرب ما كتبه تولستوي في قدرتها الإيحائية والتي تشكل وثيقةً حقيقية من وثائق الأدب العالمي الشامل، مجموعةً من الأقاصيص والحكايات الشعبية التي تتدرّج من 1895 إلى 1909 (أي قبل موت الكاتب بسنة) والتي تنتمي في معظمها إلى النوع التثقيفي الذي تبنّا ه مؤلفُ "آنا كارينينا" قبل نحو خمس عشرة سنة، وَلْنُبادرْ إلى القول: إننا أضفنا إليها بعض النصوص التي استلهمها أو حاكى بها مباشرةً كُتاباً آخرين، ولا سيّما "موباسان" مثل "نُزُل وسرات"، و"بوذا"، و"كارما"، و"أربعون عاماً"، و"مفرط الغلاء"، والتي من أجل ذلك أثًبتتْ. وفي آخر هذا المجلد، مع أنها ألفتْ في فترةٍ أَسبق أحياناً من الحكايات التي تُدعى الحكايات الشعبية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قصة "حياتي" التي ليست من عند تولستوي، لكنها من عند فلاّحةٍ تُدعى "آنيسيا" كانت تسكن آنئذٍ "كوت شاكي" على مقربة من "إيا سنايا بوليانا"، وقد حبرت السرّاء والضراء، ولحقت بزوجها المنفيّ إلى سيبيريا، ثم ترمّلت وانتهت بأن تزوّجت مُستخدم كنيسة القرية، وكانت "آنيسيا" تُحسن القَّص، مثل كثير من الفلاحين الروس، ولذلك فإن أخت الكونتيسة تولستوي، "تاتيانا كوزمنسكي" التي كانت تصغي إليها بسرور، قد جمعت قصتها.
لم تكن السيدة دلُواي تلك السيدة الإنجليزية التقليدية فحسب، إنما تحولت بقلم فرجينيا وولف إلى بطلة حية إلى الأبد في واحدة من أهم مئة رواية في القرن العشرين، ففي هذا العمل الفذ استطاعت فرجينيا وولف أن ترصد الواقع اليومي، دون أن تتورط في نزعة التوثيق البليدة التي تبعث على السأم. كما نجحت في إبقاء الشخصي ات فعالة، تعيش واقعًا مرهونًا بما يجري لحظة الكتابة بلغة رشيقة تبث الحياة في الأشياء والأحداث التي تشكل واقعنا اليومي. وإظهار ما كان خافيًا تحت سطح الحقائق عن طريق الانطباعات التي ترصدها السيدة دلُواي منذ أن عقدت النية لكي تخرج من البيت لتشتري الزهور.
يتضمن هذا الكتاب "أوراق" الندوة التي نظمها المعهد الفرنسي للشرق الأدنى بدمشق، يومي 19 و20 حزيران 2007، حول السير الذاتية في بلاد الشام بوصفها موضوعاً للدراسة ومصدراً للبحث في العلوم الإنسانية؛ وقد انطلقت فكرة هذه الندوة من القناعة بوجود فجوة بين ندوة الدراسات العلمية حول هذا الموضوع وبين وفرة السير الذاتية، والمذكرات، وروايات السيرة الذاتية، والأوراق الخاصة المنشورة باللغة العربية. وعليه، فقد كان الهدف من عقدها تعميق البحث في تاريخ هذا الجنس الأدبي ودراسة التحوّلات التي طرأت عليه في سورية ولبنان وفلسطين والأردن، مع التركيز بوجه خاص على المرحلة المعاصرة التي انطلقت مع حركة النهضة العربية، وشهدت تطوّراً غير مسبوق لكتب السيرة الذاتية، وقد توخينا، لدى إعداد هذه الندوة، أن تتنوّع تخصصات المشاركين فيها، بحيث يساهم فيها مختصون في الأدب العربي وباحثون في العلوم الإنسانية. وتوزعت أعمال الندوة على محاور خمسة، وهي: "نشوء جنس السيرة الذاتية وتعريفها"، و"كتابة السيرة الذاتية: دراسة حالات"، و"السير الذاتية كمصدر للدراسات التاريخية"، و"قصص حياة معاصرة: ممارسات وإستخدامات"؛ و"حفظ المذكرات والأوراق الخاصة وإصدارها".