((ليسامح الناس تلك المرأة التي ربما كانت عاجزة، منذ أعوام الشباب، عن أن تحمل على كتفيها الضعيفتين تلك المهمة الرفيعة- أن تكون زوجة رجل عبقري وإنسان عظيم)). هذا ما كتبته صوفيا أندرييفنا تولستايا في عام 1913م عقب وفاة زوجها كاتب روسيا الكبير ليف تولستوي، بعد أن عاشت حوالي نصف قرن إلى جانبه، وشاطرته صعوبات الحياة في المجتمع القيصري المتزمت، وفي صعوده سلّم المجد حتى أصبح من أشهر كتاب روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. إن اليوميات هي بمثابة رواية للأحداث اليومية التي تجسد خصال الكاتب وموقف زوجته من سلوكياته معها ومع الاخرين، وأفكاره الطليعية في ذلك الزمان، ومعاناتها بسبب هذا كله. إنها تزوجت الكونت ليف تولستوي في عام 1862م، وأصبحت تحمل لقب كونتيسة، حين كانت في سن 18 عاماً، بعد أن شبّت بلا هموم في كنف أبيها اندريه بيرس طبيب الأسرة القيصرية الذي عاش مع أسرته في شقة حكومية في داخل الكرملين. واكتسبت صوفيا الكثير من العادات الأرستقراطية وحصلت على تعليم جيد من إجادة ثلاث لغات أجنبية، هي الفرنسية والإنجليزية والألمانية، والعزف على البيانو، ناهيك عن الاطلاع على الآداب العالمية. واتسمت بطبيعة شاعرية وبمواهب عدة تركت أثرها في العلاقات مع زوجها لاحقاً، حيث أحبت صوفيا سحر الطبيعة في الريف الروسي، كما أحبت الموسيقى والفن عموماً، وخالفت زوجها في تقييمه للفنون الذي ورد في كتابه “حول الفن”. وكان تولستوي قد أصبح آنذاك كاتباً معروفاً ونافس حتى تورجينيف في الشهرة، وترجمت أعماله إلى اللغات الأجنبية. وقد شق طريقه في ميدان الأدب بعد تجارب حياتية قاسية منها الخدمة في الجيش والمشاركة في حرب القرم ومن ثم في القوقاز بصفة ضابط مدفعية، وعرف كل مساوئ حياة الضباط آنذاك من سكر وعربدة ومعاشرة الغجر وبنات الهوى ولعب القمار.
يُعدّ الدالاي لاما إحدى أكثر الشخصيات أهمية وتأثيراً في عالمنا المعاصر، ولست أغالي كثيراً أو أجانب الصواب إذا قلتُ أنّ مكانة الدالاي لاما وتأثيره في المشهد العالمي تفوق كثيراً تلك التي يمتلكها الكثير من مشاهير هذا العصر (بما فيهم السياسيون ونجوم هوليوود ورجال الأعمال وأصحاب النفوذ والسلطة السياسية أ و المالية). تنبع أهمية شخصية الدالاي لاما كما أرى من حقيقتين: الأولى تتعلق بطبيعة شخصيته وهندسته البدنية؛ فهو يظهر دوماً بوجه مبتسم لايفارقه المرح والإسترخاء، وتلك خصيصتان ثمينتان قد يصارع الكثيرون في محاولة حيازتهما لكن من غير طائل، اما مع الدالاي لاما فتبدوان خصلتين طبيعيتين فيه. الحقيقة الثانية التي تؤكد أهمية شخصية الدالاي لاما فتتأتى من أنه - بالإضافة لكونه قائداً سياسياً يحمل على عاتقه عبء قضية شعبه التبتي - يطرح مفهوماً للدين هو أقرب إلى النسق المجتمعي - السايكولوجي - الثقافي المغاير للمنظومة اللاهوتية الفقهية المتداولة؛ وعليه سيكون أمراً مثمراً الإستماعُ إلى آرائه التي يطرحها في شتى الموضوعات المهمة على الصعيدين الفردي والعالمي. كانت رغبتي قائمة ومؤكدة من وقت ليس بالقصير على ترجمة عمل يختصّ بفكر الدالاي لاما ورؤيته للعالم - تلك الرؤية التي أراها عظيمة الأهمية وبخاصة في منطقتنا الشرق أوسطية حيث يتداخل الدين تداخلاً سلبياً مع السياسات الموجهة لخدمة أغراض بعينها والتي هي في مجملها أغراض لاتخدم شعوب المنطقة ولاتسمح بإطلاق الطاقات الحبيسة للأفراد، وقد وجدت في هذا الكتاب الموجز مادة جيدة تتواءم مع ماكنت أتطلع إليه في إلقاء الضوء على فكر الدالاي لاما من غير وسطاء وإنما على لسان الدالاي لاما ذاته.
مولوي هو بطل رواية ساخرة أريد له أن يكون سهما مُوجّها نحو المهزلة البشريّة، وأداء لا ترحم للهزئ من نتائج التّراكم الإنسانيّ وحتّى الّلغويّ. مُعرّضا بذلك الكلمات لنقيض القيمة التي تدّعيها. ما يهمّ فقط بالنّسبة إليه هو أن يراقب نفسه وأن يصفها ببراءة في كلّ ما يمرّ بها من أحوال وأهوال، براءة مرتبطة بحتميّة إقصائه، والتي تُسائل خلف هذا المفهوم النّظام الاجتماعيّ برمّته. مولوي هو المنبوذ الكامل الذي لا تترك طريقة تصويره العبقريّة المجال لفرضيّة أن لا ينتبه القارئ إلى ذلك. لكنّ الأشياء لا تقف عند هذا الحدّ، فبتأمّله من الدّاخل سيبدو معين إلهام من الصّعب أن ينضب أو تُمسك به كلمة واحدة. نراه محكوما بتحلّل تدريجيّ مُطّرد فلا نملك إلّا أن يلوح لنا بأنّنا إزاء كاريكاتير صارخ للمصير المحتوم لكلّ إنسان. * (جون جاك مايو: ناقد أدبي وأستاذ درّس بجامعة السوربون) مولوي هو المفترق حيث يلتقي؛ شكسبير «نكون أو لا نكون هذا هو الإشكال»، شارل جوليات «لا يسعنا الجزم في شيء، ليس أمامنا سوى الانتقال من سؤال إلى آخر»، سيوران « ما لا يكتمل هو مهمّة المتردّدين»، وإلياد «على المنفيِّ أن يكون قادرا على ولوج المعاني الخفيّة للتجوال وفهمها بوصفها التّجارب الأولى التي تقود إلى المركز». * (جون سيريل چودفري: ناشر وناقد الفرنسي ورئيس تحرير الأسبوعيّة La Grosse Bertha)
نقدم لقرائنا الأعزاء ترجمة جديدة لاحدى أهم أعمال الكاتب المسرحي العبثي الايرلندي صامويل بيكت مسرحية ( في انتظار جودو ) ترجمة وتقديم :( بول شاوول ) - مسرحية في انتظار غودو لصاموئيل بيكت اعتبرت على نظاق واسع من اعظم مسرحيات القرن العشرين، عرضت للمرة الاولى على مسرح بابيلون في باريس عام 1953 وادى لوسيان ريمبورغ وبيير لاتور دوري فلادمير واستراغون، في السنوات التي اعقبت عرض المسرحية.. -المسرحية تدور حول شخصيات معدمة ، مهمشة ، ومنعزلة تنتظر شخصاً يدعى (غودو) ليغيّر حياتهم نحو الأفضل ، مسرحية كانت رمزاً للمسرح العبثي ،تكتنفها نزعه سوداوية وسخرية لا متناهية ،التي تتمثل باستخدام التلاعب بالألفاظ او بأحداث التوتر الذي يقدم السخرية بدوره, الرمزية تغلف كل شيء فيها هي قصة الانتظار ذاتها تتكرر عبر الأزمان والأماكن ، في نهاية الأمر أن “غودو” هو ( الذي لايأتي ) هو المشكلة التي بقيت بدون حلول ، هو اللاسؤال واللاجواب هو اللاشيء ولهذا كانت مسرحيةً تحاور الذات ، ثرثرة بلا نهاية , الانتظار في مسرحية الكاتب الايرلندي صموئيل بيكت ( في انتظار غودو) بحد ذاته عبث حقيقي لا تشوبه شائبة ، خاصة عندما يكون الشيء هو ( الانتظار) لا وجود له أصلا أو لا معنى له
شاعر وروائي سوري، كردي، قويُّ البناء، فريدٌ، نسيج وحده في وصف النقد لأعماله. يُحسَبُ له أنه نَحَا بالرواية العربية إلى ثراء في خيالها، وجعل اللغة في صياغة موضوعاتها لحماً على هيكل السرد والقصِّ لا ينفصل عن جسدها، حتى كأنَّ اللغة لم تَعُدْ وساطةً إلى السرد، بل هي السرد لا تنفصل عن سياق بناء الحكاية. ويُحسَب له في الشعر أنه أبُ نفسه، مكَّنَ القصيدة من استعادة خواصها كحرية تعبير في أقصى ممكناتها. ما من امتثال عنده لنمط أو مذهب. عنيد في نحته العبارةَ بلا خوف من المجازفات، وكل كتاب له، في الشعر والرواية، موسوعةٌ مختصرة. بركات من مواليد مدينة القامشلي، في الشمال السوري سنة 1951. انتقل إلى دمشق ملتحقاً بالجامعة دارساً للغة العربية سنة واحدة، قبل أن يغادر إلى بيروت في العام 1972، ومنها إلى قبرص سنة 1982، ثم إلى السويد في العام 1999 حيث يقيم.
ولدت السينما من معطف التصوير الضوئي وأسرار الفيزياء والكيمياء والطاقات البشرية المبدعة، بداية من المصباح السحري، وحمل القرن العشرون أوصافاً متنوعة ومثيرة فهو قرن العلم، قرن المعجزات الكبرى، والحربين العالميتين، وحركات التحرر من الاستعمار القديم، وهو قرن الأسلحة الذرية والكيميائية، وعصر النفط والغاز وموسيقى الجاز والطيران والاتصالات، وهو بذلك أخطر القرون وأكثرها غنى وإنجازاً ورعباً، ولكنه قرن السينما والتقنية الرقمية بامتياز. في هذا الكتاب رصد مكثف لشخصيات 145 نجمة سينمائية ساحرة من جنسيات ومراحل مختلفة، اخترتها من بين أكثر من 2500 نجمة عالمية تقريباً، مع التركيز على السيرة الذاتية لكل نجمة و أهم أدوارها السينمائية، مع مختارات من أعمالها وأقوالها، و من المدهش أن عدداً كبيراً من ألمع نجمات السينما ينتمين إلى عائلات كانت تعيش تحت خط الفقر، وصعدن بقوة الدفع الذاتي إلى الذروة، في ما يشبه المعجزات، ومنهن : كلارا بو، بولا نيغري، غريتا غاربو، ماري بيكفورد، ريتا هيوارت، مارلين مونرو، جين تيرني، اغنيس مورهيد، جون اليسون، اودري هيبورن، بوليت غودار، نورما تالماج، مورين او سوليفان، نورما شيرر، دونا ريد، لانا تورنر... وآثرتُ أن أكتب، بدلاً من المقدمات المكررة، هذه «اللقطات المقربة»، أو الأفكار الحرة، غير المراقبة، ذات الصلة بالقفزات العالية في إنجازات السينما العالمية، مصحوبة بملاحظات عابرة عن الظروف الكارثية المحيطة بالحياة والثقافة والفنون والسينما في العالمين المنكوبين: العربي والإسلامي، فمن الصومال إلى أفغانستان تحولت أكثر البلدان العربية والإسلامية إلى مراكز استيراد الجوع وتصدير الخوف. إن الغرب لم يستطع تطوير نفسه إلا بعد أن وضع الكنيسة في مكانها الصحيح، وجردها من سطوة محاكم التفتيش وعزلها عن السياسة، لأن التزمت المذهبي يدفع الناس إلى العزلة والخوف من الآخر، حرصاً على إنجازات التخلف.
هذا الكتاب هو عصارة جهد وعناء، مضنٍ وتجربةٍ مريرةٍ ومسيرةٍ سياسية طويلة تراجع فيها جيلنا كثيراً، بعكس أجيال آبائنا أجدادنا البُناة الأوائل لهذه الأمة، فهذا الكتاب لا يدخل في السيرة الشخصية وتفاصيلها، وإنما يمرّ بالمحطات والمنعطفات الرئيسة التي مرَرْتُ بها، وهو شهادتي عليها، أعرضُ فيه تجربةً لفائدة أجيالنا القادمة في المستقبل. كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) موحِّداً لقبائل العرب، داعياً لقوّتها وسموّها محققاً سلامتها... وقد توارث الأبناء عن الآباء قيم الأجيال السابقة إلى أن هُدِمت بأيدي أجيالنا، فلا مجال للعودة إلى الزمن الرائع من ركام وخراب الدنيا وما نحن فيه ما لم تنهض الأجيال الجديدة بقوة وعزيمة لتغيير الحال القائمة في أنفسنا أولاً وفي مجتمعاتنا. يتكوّن هذا الكتاب من عدة أجزاء، الأول يحكي تجربتي في اللهيب الأول الذي مرّ به العراق عندما كنتُ بعثياً، وحتى وصول حزب البعث إلى السلطة وإختلافي وتركي الحزب وهو لم يزل متماسكاً وقوياً في السلطة، وتعرّضي لمحاولات تصفية وإغتيال من جانب صدّام حسين التكريتي. والجزء الثاني يعرض التجربة في اللّهيب الثاني في العراق، حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت) والحرب الأخيرة التي سقط فيها نظام صدّام، وما ترتّب على تلكما الحربين من دمار وتداعيات كارثية.
الجسور، والمضائق والأصوات مروراً بأقسام المدينة وضواحي معجون الأسنان ولوجاً إلى امتداداتٍ في الأرض والسماء التي لا يمكن إ أنْ تُسمّى بالمسافة السحيقة. لم يعرف ماذا يريد. كان الليل لا يزال مُهيمناً على النهر، بل نصف ليل، وكانت أبخرة رمادية تتمايلُ مرتفعة فوق المداخن على الضفة البعيدة. وتخيَّل أنَّ العاهرات سيكنَّ الآن قد هربنَ من الزوايا التي تضيئها أعمدة النور، وهنَّ يهززنَ مؤخّراتهنّ الشبيهة بمؤخّرات البط، وهناك مِهنٌ قديمةٌ أخرى توشك أنْ تبدأ نشاطها؛ شاحنات المنتجات تخرج من الأسواق، وشاحنات جديدة تخرج من أرصفة التحميل، وشاحنات الخبز تقطع المدينة وبضع سيارات متفرّقة تخرج من مستشفى المجانين وتتهادى على الجادّات، ومكبرات الصوت تضخُّ أصواتاً صاخبة. أما المشهد الأشدّ نُبلاً فهو الجسر الممتد عبر النهر، والشمس التي بدأتْ تهدر من خلفه. راقبَ مائة طائر نورس ينتشرون في إثر ماعونٍ يتهادى في النهر. إنها تتمتع بقلوب كبيرة وقوية. يعلمُ ذلك، وهو أمرٌ لا يتلاءم وحجم الجسم. ذات يوم كان يهتمّ بها وتضلَّعَ في التفاصيل الغزيرة للتركيب البنيوي للطيور. تضلَّعَ في أدقّ المسائل خلال جزءٍ من فترة بعد الظهر. لم يكن يعرف ماذا يريد. ثم عرَفَ. لقد أراد أنْ يقصَّ شعره. أطال مدة وقوفه قليلاً، وهو يراقب طائر نورس واحداً مرتفعاً ومتماوجاً في وجه هبّة ريح، مُعجباً بالطائر، وينفذ بفكره إلى داخله، في محاولة لمعرفته، شاعراً بالوجيب الثابت والرصين لقلب الطائر القَمَّام النَّهِم. ارتدى بذلة ووضع ربطة عنق. وقد خفَّفَتْ البذلةُ احْدِيْدابَ صدره الشديد الانتفاخ. كان يحب ممارسة التمارين الرياضية ليلاً، فيرفع أثقالاً حديدية، ويؤدي تمارين الالتفاف والضغط على المقعد بحركات رزينة متكررة تستهلك توترات النهار وضغوطه. أخذ يتمشى في أرجاء الشقة، المؤلفة من 48 غرفة. كان يفعل ذلك حين يكون متردّداً ويشعر بانقباض القلب، ويمرّ بخطى واسعة على طول بركة السباحة المُخصصة للمسابقات، ثم بصالون لعبة الورق، والصالة الرياضية، مروراً ببركة أسماك القرش وغرفة عرض الأفلام. وتوقّفَ عند بيت الكلاب وتحدث إلى كلابه. ثم توجّه إلى المُلحق، لكي يُتابع حالة العملات ويتفحَّص التقارير.
اصدر هذا الكتاب كمبادرة لمواجهة عسف نظام البعث الصدامي وتصفياته الجسدية التي طالت المئات من الشيوعيين والديمقراطيين تحت التعذيب وبالإعدامات والاغت. . . يالات المنظّمة بوسائل ابتكرتها المنظمة السرية التي كان يقودها ويشرف عليها صدام حسين شخصياً، عشية انفراده بالسلطة بعد إزاحة أحمد حسن البكر عن رئاسة الجمهورية فيما يُشبه انقلاباً، إن لم يكن انقلاباً مبتكراً في سلسلة الانقلابات التي شهدها العالم العربي طوال الأربعينيات والخمسينيات وما بعد ذلك ، وحتى يومنا هذا، وربما حتى «يوم الدين»، إن لم نشهد استنهاضاً شعبياً واعياً ومنظماً يقتلع جذور الاستبداد ويصفّي مظاهره . كان الدكتاتور قد أصبح على ثقة بـ«اقتداره» على المضي في تصفية الحزب الشيوعي سياسياً بوسائل الإبادة الجسدية الشاملة، بعد أن أجهض الثورة الكردية، وأفرغ البعث نفسه من إمكانية مقاومة مطامعه في فرض سلطته المطلقة، وجعل الحزب الشيوعي «مكشوفاً» أمام وسائل قمعه نتيجة نهجه المتخم بقناعة واهمة بجدية توجه «البعث الجبهوي» وادعاءاته بالتخلي عن السياسة الدموية التي انتهجها بعد انقلابه في ٨ شباط . وفي خطوة تصعيدية بالغة القسوة والتعسف المكشوف، أقدم صدام على إعدام كوكبة من الشيوعيين بزعم انضمامهم إلى التنظيم العسكري للحزب الشيوعي. ولم تكن تلك الخطوة سوى رسالة بالدم الزكي إلى قيادة الحزب، تدعوه للدخول في «خيمة البعث» أي التخلّي عن أُسس وركائز وجوده أو مواجهة التصفية . انبثقت فكرة ترجمة الكتاب ونشره في فورة الأحزان والشعور العميق بالخيبة التي كانت تلازمني وأنا أتابع ما يتعرض له يومياً مئات الرفيقات والرفاق من ملاحقات واعتقالٍ وتعذيب لا نظير له، وتحت قهر التزام الصمت، بل وأحياناً كآبة الموقف بسبب التواطؤ الضمني، تنفيذاً لسياسة الحزب بـ«ليّ الحقائق» ومجافاتها للواقع حول تلك الأهوال التي تحاصر منظمات الحزب وأعضاءه، باظهارها في اعلام الحزب كما لو أنها مجرد «حوادث» غامضة، تحتل مكاناً خجولاً في جريدة الحزب من دون أن تنال بطولة المناضل وبسالة صموده ما يستحقه من نعي وتشييعٍ واستذكار
اصدر هذا الكتاب كمبادرة لمواجهة عسف نظام البعث الصدامي وتصفياته الجسدية التي طالت المئات من الشيوعيين والديمقراطيين تحت التعذيب وبالإعدامات والاغتيالات المنظّمة بوسائل ابتكرتها المنظمة السرية التي كان يقودها ويشرف عليها صدام حسين شخصياً، عشية انفراده بالسلطة بعد إزاحة أحمد حسن البكر عن رئاسة الجمهورية فيما يُشبه انقلاباً، إن لم يكن انقلاباً مبتكراً في سلسلة الانقلابات التي شهدها العالم العربي طوال الأربعينيات والخمسينيات وما بعد ذلك ، وحتى يومنا هذا، وربما حتى «يوم الدين»، إن لم نشهد استنهاضاً شعبياً واعياً ومنظماً يقتلع جذور الاستبداد ويصفّي مظاهره . كان الدكتاتور قد أصبح على ثقة بـ«اقتداره» على المضي في تصفية الحزب الشيوعي سياسياً بوسائل الإبادة الجسدية الشاملة، بعد أن أجهض الثورة الكردية، وأفرغ البعث نفسه من إمكانية مقاومة مطامعه في فرض سلطته المطلقة، وجعل الحزب الشيوعي «مكشوفاً» أمام وسائل قمعه نتيجة نهجه المتخم بقناعة واهمة بجدية توجه «البعث الجبهوي» وادعاءاته بالتخلي عن السياسة الدموية التي انتهجها بعد انقلابه في ٨ شباط . وفي خطوة تصعيدية بالغة القسوة والتعسف المكشوف، أقدم صدام على إعدام كوكبة من الشيوعيين بزعم انضمامهم إلى التنظيم العسكري للحزب الشيوعي. ولم تكن تلك الخطوة سوى رسالة بالدم الزكي إلى قيادة الحزب، تدعوه للدخول في «خيمة البعث» أي التخلّي عن أُسس وركائز وجوده أو مواجهة التصفية . انبثقت فكرة ترجمة الكتاب ونشره في فورة الأحزان والشعور العميق بالخيبة التي كانت تلازمني وأنا أتابع ما يتعرض له يومياً مئات الرفيقات والرفاق من ملاحقات واعتقالٍ وتعذيب لا نظير له، وتحت قهر التزام الصمت، بل وأحياناً كآبة الموقف بسبب التواطؤ الضمني، تنفيذاً لسياسة الحزب بـ«ليّ الحقائق» ومجافاتها للواقع حول تلك الأهوال التي تحاصر منظمات الحزب وأعضاءه، باظهارها في اعلام الحزب كما لو أنها مجرد «حوادث» غامضة، تحتل مكاناً خجولاً في جريدة الحزب من دون أن تنال بطولة المناضل وبسالة صموده ما يستحقه من نعي وتشييعٍ واستذكار
«شوو! شوو! » - اندفع السيّد پالومار إلى الشرفة يطرد طيور الحمام التي تأكل أوراق الغزانيا، وتثقب بمناقيرها النباتات العصاريّة، وتتشبّث بمخالبها في فروع الجُريْس المتدلّية، وتأكل ثمرات العليق، وتنقر البقدونس المزروع في صندوق قرب المطبخ ورقة بعد ورقة، وتحفر وتخربش الأصص منتزعة منها التربة ومعرّية جذور النباتات، كما لو كانت الغاية الوحيدة من طيرانها هي تخريب كلّ شيء. الحمام الذي أبهج طيرانه يوماً ساحات المدينة خلَفته ذريّة فاسدة، قذرة وملوّثة، لا هي بالأليفة ولا هي بالبرّية، بل مندمِجة في المؤسّسات العموميّة، وبالتالي لا يُمكن إبادتها. سماء روما سقطت من زمان تحت سلطان الكثرة الطاغية لهذه الطيور، التي جعلت الحياة صعبة لجميع أنواع الطيور الأخرى في المنطقة، والتي تغزو مملكة الهواء الطليقة والمتنوّعة ببزاتها المتشابهة المنتوفة ذات اللون الرصاصيّ الرماديّ
ولد صامويل باركلي بيكيت في 13 أبريل 1906 بدبلن في أيرلندا. في عام 1923 التحق بيكيت بكلية ترينيتي بدبلن وتخصص في الآداب الفرنسية والإيطالية وحصل على الليسانس فيهما عام 1927. في عام 1928 توجه بيكيت إلى باريس وعمل أستاذاً للغة الإنجليزية بإحدى المدارس هناك، وفي هذه الأثناء تعرَّف إلى جيمس جويس (1882 - 1941). في عام 1935 كتب روايته الأولى (مورفي). في عام 1947 كتب بيكيت مسرحيته (في انتظار جودو). عام 1969 حصل بيكيت على جائزة نوبل للأدب، ولما سمعت زوجته بالخبر قالت: إنها كارثة، واختفى بيكيت تماماً ولم يذهب لحفل تسليم الجائزة. في 22 ديسمبر 1989 مات بيكيت بعد تعرضه لأزمة في جهازه التنفسي. -السّارد في هذه الرّواية هو الكلام في حدّ ذاته، صوت لا صاحب له، لا اسم له، ينتقل من جسد إلى آخر إشباعا لنهم الاستمرار في القول. «لأنّ القضيّة هنا قضيّة كلمات، قضيّة صوت،لا ينبغي نسيان ذلك... ». هنا في سياق التجرّد من الأجسام والمحسوسات يجدر التّنويه إلى أنّ الّلامُسمّى هي خاتمة ثلاثيّة روائيّة (مولوي، مالون يموت، اللاّ مُسمّى)، راحت من رواية إلى أخرى تضيق دائرتها؛ فمن مولوي الأعرج العجوز الذي أصبح يزحف في النّهاية إلى مالون منتظرِ الموت الذي لا يكاد يتحرّك، إلى انعدام الجسد تماما في آخر المطاف. نحنُ إذًا إزاء انسياب كلاميّ لامتناهٍ لا يُشبعُ جوعَه للكلام سوى تفسير وجوب عدم الكلام، الأمر الذي يرفع تناقضا ويزجّ بالمُتلقّي في حلقة مفرغة، دوّامة محورها الكلام ومادّتها الكلام ومُحرّكها الكلام. «سأتكلّم لأقول لا أدري ماذا...». ثمّ في خضمّ عاصفة القول هذه تلتقي شخصيّات بيكيت وتنصهر كما لو أنّها تضرب موعداً في أرض غير الأرض التي نعرفها.