في لحظة السكون الغامر تلك تذكر ما كانت تقوله أمه مكية الحسن للنساء اللائي يجلبن لها أطفالهن المرضى لمعالجتهم بالأعشاب ويسألنها عن علامة الشفاء. روت لهن قائلة إن علي عندما كان صغيرا مرض ذات مرة. ارتفعت درجة حرارته فأخذتْ تغذيه بشراب أعدته من أعشاب هندية، وتبرِّد جبينه بكمادات مبللة، وتضعه في المهد عاريا. في اليوم الثالث أضناها الخوف لأن الطفل لم يُظهِر أي تحسن وقررت أن تأخذه إلى الطبيب في الغد، وطلبت من سلمان اليونس أن يستعد لمرافقتها. أمضت النهار كله جالسة قرب المهد. وعند الغروب قفزت من الفرح وصاحت على زوجها أن يسرع ويرى بنفسه. هرع نحوها. وقبل أن يصلها هتفت: «علي سيشفى». سألها عما يجعلها تعتقد بذلك فأشارت إلى عضو الطفل. كان منتصبا. قالت إن هذه علامة على شفاء قريب. وبالفعل مع شروق شمس اليوم التالي استيقظ الطفل سليما معافى.
يخبرنا تولستوي أنَّ الحرب والسّلم ليس برواية، ولا هو بقصيدة، انما هو سجل أدبي حافل بالاثارة وقصص الحب ودورس التاريخ وعبره ". هذه الرواية التي كتبها تولستوي العام 1869، والتي تعدُّ قمة تطوره الأدبي، ويصفها البعض بإنها رواية تأمل التأريخ، يقدم لنا تولستوي من خلالها كيف يتعارض حب الحياة مع الحروب ومأسيها، تولستوي يخبرنا أنه كتب الحرب والسّلم ليؤكد أنَّ: حادثـــاً احـــترب فيه ملايين البشر، وقتل فيه نصف مليون من الرجال، لا يمكن أن تكون إرادة فرد واحد هي سببه، أنَّ رجلاً وحده لا يستطيع ان يجبر 500 ألف شخص على ان يموتوا. لم يكن ليف تولستوي "1828 - 1910"، كاتباً فقط، بل كان مفكراً وفيلسوفاً وثورياً. كتب الرواية والقصة والمسرحية وتعمق في دراسة الفلسفة ، وجعل لنفسه مذهباً فكرياً، حاول من خلاله أنَّ يجدَ إجابات للسؤال الذي أرقه دائماً هو: "لماذا نعيش؟" وكانت كل أعماله هي محاولة للإجابة عن هذا السؤال . وضمن مشروعها في طبع الأعمال الكاملة لتولستوي تصدر المدى الترجمة الكاملة والامينة لتحفة تولستوي الخالدة "الحرب والسلام" والتي قام بها المترجم القدير سامي الدروبي، لكن القدر لم يمهله لكي يكملها بعد ان انجز الجزأين الأول والثاني، ليكمل عمله المترجم القدير صياح الجهيم الذي يعد واحداً من أبرز المترجمين العرب، من الذين قدّموا تولستوي الى العربية بلغة صافية وانيقة وبترجمة تطابق النص الأصلي.
في العقود الأربعة ما بين 1969 و 2012، عمل «مولود» في عدد من الوظائف المتنوعة بشوارع إسطنبول؛ من بيع الزبادي والأرز المطهو إلى حراسة موقف سيارات. يراقب مولود الناس بمختلف أشكالهم وشخصياتهم وهم يمرون في الشوارع، ويشهد تدمير وإعادة بناء المدينة، ويرى المهاجرين من الأناضول وهم يصنعون الثروات. وفي الوقت ذاته يشهد كل لحظات التحول المهمة في تاريخ المدينة؛ من صراعات سياسية وانقلابات عسكرية تشكِّل البلد. يتساءل مولود دائمًا عما يميزہ عن الآخرين، عن مصدر الغرابة التي تعشش في عقله، ولكنه لا يتوقف عن بيع البوظة في ليالي الشتاء ويحاول أن يفهم من هي حبيبته. ماذا يهم أكثر في الحب: ما نتمنى، أم ما يخبئه لنا القدر؟ هل تفرض علينا اختياراتنا السعادة، أم التعاسة، أم أن كل هذہ الأشياء تحددها قوى أكبر منا؟ تحاول رواية «غرابة في عقلي» الإجابة عن هذہ الأسئلة وهي ترسم التوتر بين حياة الحضر وحياة الأسرة، وغضب النساء وعجزهن داخل بيوتهن.
حصل مرة أن راح زوسكيند ينقب في الكتب بحثاً عن مادة يوظفها في كتابة سيناريو لفيلم يعمل عليه وأنتج عام 2005، فقاده البحث المضني للبحث عن سؤال جوهري لطالما شغل البشرية واالفلاسفة منذ أزمنة بعيدة : ( لماذا الحب متصل بالموت وعلى نحو جوهري لا فكاك منه ، منذ القديم وحتى يومنا هذا ؟ ) و هنا كانت نقطة
خوسِه أورتِغا إي غاسيت (1883 – 1955) أنجز دراساته الفلسفية في مدريد حيث حصل على شهادة الدكتوراه عام 1904، ثمّ وسّع دراساته في ألمانيا في جامعات لايبزيغ وبرلين وماربورغ. وشغل منصب أستاذ الفلسفة في الجامعة المركزية، ومارس التعليم حتى عام 1936. وأسس عام 1923 مجلة (الغرب) وكانت أهم المنشورات الدورية وأب
ثربانتس يجمع بين فنّي عصر النهضة وعصر الباروك. فهو بتكوينه الثقافي والفكري ينتمي إلى عصر النهضة. فالمثالية والأفلاطونية، والإيمان بالطبيعة، سمات تصبغ جانباً هاماً من أدبه. لكن ظروف حياته والأحداث التاريخية في عصره، غطت مع مرور الزمن على «رموز النهضة»، وقادته إلى فكرة خيبة الأمل الباروكية . فموقف ثربانتس النقدي والريبي ووعيه «بالقيمة المزدوجة للأشياء يمثل خطوة متقدمة نحو الباروكية». ومع ذلك، لا الشك ولا خيبة الأمل دفعت به إلى التشاؤم «فتجربته المؤلمة لم تولد عنده مواقف سلبية». فظلت فكاهته سليمة خالية من المرارة؛ وهي بدلاً من أن تهدم، «ترفع وتُعلي من شأن كل ما تلمسه لأنها تتجذر في إحساس من الفهم الصحيح». أسلوبه ولغته يقفان أيضاً بين عصري النهضة والبارّوك. فهو بميله إلى ما هو سهل مطبوع، وبعيد عن التكلف والتعقيد، يمتثل لقواعد عصر النهضة، لكنه في بعض السمات كالتضاد المستخدم في الدون كيخوته بكثرة، «ينبئ بما ستكون عليه أساليب عصر الباروك». كتب ثربانتس الشعر والقصة والرواية والمسرحية لكنه نبغ في الرواية والقصة ومسرح الإنترميس. هاتان القصتان / «زواج بالخديعة» و«حديث كلبين» / تشكلان عملاً واحداً، وهما مأخوذتان من مجموعة (القصص المثالية) التي تبلغ خمس عشرة قصة. أثبتنا مقدمة ثربانتس للمجموعة كلها، ثم مقدمة الناقد آ. بلبوينا الخاصة بهاتين القصتين المذكورتين.
هذا الكتاب يسرد الأحداث التي عشتها شخصياً أثناء عملي كوزير للتخطيط أو كمستشار في مجلس قيادة الثورة، وخلال فترة لم يكن فيها صدام حسين متمتعاً بـ «الصفات» التي تلازمه الآن. في تلك الفترة كان صدام حسين نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، وكان حذراً في تصرفاته، عملياً في ممارسته للسلطة، يستمع جيداً لكل المناقشات، ينفذ ما يعد به ولا يفقد اتزانه أبداً. كما كان جريئاً في اتخاذ القرار. لم يخطر ببالي أن صداماً سيصل في ظلمه وبطشه وطيشه الحد الذي وصله بعد فترة قصيرة من استلامه مقاليد الحكم في العراق. لم يكن بحاجة الى كل هذا العنف اللامحدود وكل هذه الاستهانة بأبسط الأعراف والقواعد القانونية. لقد كان بإمكانه البقاء في الحكم طوال حياته في عراق تسوده الرفاهية والاطمئنان وسيادة القانون لو أنه تروى وتعقل وتخلص من عقدة الخوف من التآمر عليه، ولو لم يحط نفسه بحفنة من الجهلة والمتخلفين وبمجموعة غير عراقية من المنتفعين... تجار السلاح ومحترفي السياسة.
الشعر الروسي غور لا يسبر ولا يمكن أن يحتويه كتاب واحد بين دفتيه، شأنه شأن الشعر القومي في أي بلد يمتلك تراثاً شعرياً ضخماً. ومع شعورنا أن هذه المختارات غيض من فيض، فإننا عقدنا العزم على ترجمتها لتوفير انطولوجيا في الشعر الروسي الذي يشغل منزلة رفيعة بين عيون الشعر العالمي، ولإطلاع القارئ العربي على نماذج تعتبر- حسب رأينا - من غرره. القرن التاسع عشر هو الفترة الزمنية التي توخينا الترجمة لشعرائها، لكن وجدنا لزاماً علينا العودة إلى بداياته ومعرفة امتداداته القديمة التي لعبت دوراً كبيراً أو قليلاً في تطوره وبلورته. لذلك صارت «أغنية حملة إيغور» وأشعار البيليني والأشعار الدينية وبعض شعراء القرن الثامن عشر؛ نقطة البدء في ترجمتنا، لكي نستطيع أن نعطي صورة تاريخية واضحة عن نشوئه. وقد نقلنا «أغنية حملة إيغور» عن ترجمة أبولون مايكوف الشعرية لها إلى اللغة الروسية مع مقارنتها- بقدر ما استطعنا- مع النص الأصلي الذي كان مكتوباً نثراً. ترجمنا لسبعة عشر شاعراً يمثلون مختلف الاتجاهات والمراحل التي شهدها مسرح الحياة الشعرية. ومع ذلك لم يتسع أمامنا المجال لتقديم شعراء آخرين مثل كريلوف Krylov وفيازيمسكي Vyazemsky وكارولينا بافلوفا Karolina Pavlova وغيرهم ممن كان لهم نصيب في رفد الشعر الروسي ونمائه.
في ذلك الوقت، عندما كنت لا أزال أتسلق الأشجار – وهذا منذ زمن بعيد، بعيد جداً، قبل سنوات وعقود كثيرة، حينها كان طولي لا يتجاوز المتر إلا قليلاً، وقياس قدمي ثمانية وعشرين، وكنت خفيفاً لدرجة أنه كان بوسعي الطيران – لا، هذا ليس كذباً، فقد كان بوسعي حقاً أن أطير آنذاك – أو تقريباً على الأقل، أو يُفضل أن أقول: يُحتمل حقاً أنه كان بإمكاني حينذاك أن أطير، لو أني عندها قد أردت ذلك فعلاً وبإصرار، ولو أني حاولت حقاً، إذ... إذ ما زلت أذكر تماماً، أني ذات مرة كنت على وشك أن أطير. كان ذلك في الخريف، في سنتي المدرسية الأولى. كنت عائداً من المدرسة إلى البيت وكانت تهب ريح بالغة الشدة، لحد أنه كان بمقدوري دون أن أفرد ذراعيَّ، أن أميل عليها، مثل القافزين من على منصة الثلج بل وأكثر، دون أن أقع... وعندما ركضت في وجه الريح عبرالمروج منحدراً على جبل المدرسة – إذ كانت المدرسة مبنية فوق جبل صغير خارج محيط القرية – وأنا أقفزعن الأرض قليلاً، فارداً ذراعي، رفعتني الريح، فصار بوسعي القفز دونما جهد لارتفاع مترين وثلاثة وأن أخطو مسافة عشرة أمتار بل اثني عشر متراً ـ ربما ليس بهذا الارتفاع ولا بهذا الطول، وما الفرق في ذلك –!.
ليس الإنسان أكثر من عود قصب قابل للكسر. لكنه عود قصب مفكِّر، لا تحتاج القدرة الكلية أن تحشد سلاحاً من أجل سحقه. لأن بوسع قطرة ماء صغيرة أن تقضي عليه. ولكن حتى لو كان بإمكان هذه القدرة الكلية أن تسحق الإنسان، فإنما يبقى هو أكثر نبلاً. لأنه مدرك أنه سوف يموت. في حين أنها لا تعرف شيئاً عن هذه الميزة التي بها يتربع الإنسان فوق عرش الأرض. هكذا فإن كل ما نتمتّع به من رفعة كامن في تفكيرنا. من هذا المنطلق علينا أن ننتفض كبشر، وليس من منطلق التحرك في المكان والزمان، مسؤوليتنا كبشر أن نفكر جيداً. وهذا هو منطلقنا الأخلاقي. باسكال أقل
المقالات المستلة في هذا الكتاب عن «المنظورية والحواس في تفسير النص»، ذوات مواليد متباعدة، ونُشِرتْ انفراداً في مطبوعات مختلفة، على مدى سنين. كانت بمثابة خرز بلا خيط. لم يكنْ يدور بالبال أنها ستكون مسبحة متجانسة، أو نواة لرؤية نقدية، إذا ما جُمعتْ في دفّتي كتاب. إنها مجرد محاولات ـ على جدّيتها ـ أوليّة معنية بفهم بعض النصوص، لا سيّما الشعرية منها. بقدرة قادر، أو بصورةٍ فوق علمي، استوت تلك النواة النقدية، وبرّرتْ جدواها بعد تطبيقات عملية متكررة على نصوص عربية وأجنبية مختلفة الشيات، كان قد آشتدّ الخلاف على فهمها وبالتالي ترجمتها. إذنْ أمام المعنيين، معياران نقديان قد ينضافان إلى نظريات نقدية معتمدة، لفكّ رموزات نصوص شعرية ذات طابع غريزي على وجه الخصوص كأشعار المتنبي وشيكسبير... ألحقت بهذه النصوص تطبيقاً عمليا، على نصّ نثريّ قصصي، باستعمال معيار الحواس، لتتوضح الصورة أكثر. صلاح نيازي