منذ غزا سليم بركات المشهد الشعري العربي، في أوائل السبعينيات، بشرنا بشعر جديد مختلف. (محمود درويش) * سليم بركات هو أكثر من حالم ، هو صانع أحلام، وأكثر من لغوي، هو صانع لغات. (بول شاؤول) * لغته برمتها أقامت تناصَّاً من نوع فريد من اُلمنْجَزِ العربي التراثي، دافعة نفسها باتجاه كشوفات وسياقات لغوية تنْ دُرُ مجاراتها. (شوقي بزيع) * كان نص سليم بركات دائماً فاتناً، وقد فَتَن بمثاله، وفَتَن بكماله. (عباس بيضون) * عالَمٌ فريد. (أمجد ناصر) * بركات نموذج يستعصي على القرائن، هو جهد الجواهرجي، ودقة الجرَّاح، وكفاءة الإبرة. (قاسم حداد) * لم يبق سوى سحر الكتابة الحرة، مجنونةً وخطرة. (الطاهر بن جلون) * عندما نقرأ بركات نقرأ الأسرار والمجهول ذاته، لقد أبدع هذا الرجل متفرداً صديقي سليم قمة لن تنسى. ( شيركو بيكه س) * قلت لـ سليم مرةً إِنك أعظم كردي بعد صلاح الدين. وأنا أعود إلى قول ذلك أكثر اطمئناناً . (سعدي يوسف) * اللغة العربية في جيب هذا الشاعر الكردي. (أدونيس) * مولانا، ماذا أبقيتَ لنا؟ أرفعْ يدك عن الشعر. (نزار قباني - رسالة)
(فروغ فرخزاد)، بدأت في سنّ مبكّرة كتابة الشعر الغنائيّ بمواضيع رئيسة كشكوى بين المحبّين أو معاناة امرأة شرقيّة تناجي الرجل الذاهب، الظالم، اللامبالي، وردّاً على ما قيل عن النوع الأوّل الذي كتبته قالت: «إنّ الكلمات حتّى وإن كانت أدوات الشاعر ليست مهمّة بقدر المحتوى وإن تكن المفردات مكرّرة إلا أنّها فوران عشق كان مؤثّراً بالنسبة لي في تلك الحقبة»، (فروغ) لم تكن مع مصطلح الشعر الحديث والقديم بل الشعر هو ذاته في كلّ العصور، لكنّه يختلف من جيل إلى آخر والفرق - فقط - في المسافات الماديّة بين العصور، فالشاعر الذكيّ يجب أن يواكب عصره ويتّخذ معاناة الفترة التي يعاصرها مصدر إلهام لإبراز طاقته على كشف الحقائق المختبئة وإشهار الظلم والزيف، كما تعتقد أنّ فعل الفنّ هو بيان لإعادة ترتيب الحياة، والحياة لها ماهيّة التغيّر والتوسّع والنموّ، بالنتيجة البيان أو الفنّ في كلّ فترة له روح خاصّة به وإن كان عكس ذلك فهو مزيّف ومقلَّد. تقول الشاعرة: «إنّ عالمي – مثلاً – يختلف – تماماً – عن عالم (حافظ الشيرازيّ) أو (سعدي) حتّى يختلف عن عالم أبي، طريقة تلقي الشاعر والقارئ في فهم مفاهيم عدّة كالعشق والشجاعة والمعتقدات تختلف عن الأمس»، وتذكر مثالاً عن (مجنون) في الأدب: «إنّ مجنون هو أيقونة للعشق وفداء المحبوب في قصائد العصور الماضية»، اليوم – على حدّ رأيها – تغيّرت هذه الرؤية، فبتحليل الأطبّاء النفسيّين شخص (مجنون) مريض يحبّ أن يكون تحت سيطرة معاناة دائمة خاضعاً للعذاب غير ساعٍ للحريّة.
من أراد أن يقرأ نصاً روائياً يمثل ما عرف بالواقعية السحرية خير تمثيل فعليه بهذه الرواية . ومن أراد أن يغامر ويبحر في عوالم فنطازية لا يخرج منها إلا بما تخرج به الشبكة من شعاع الشمس أو قبضة اليد من الريح فعليه بهذه الرواية . ومن أراد أن يتفرج على عالم من مخلوقات مرعبة مشوهة كاريكاتيرية منحرفة ا لسلوك غريبة التفكير تعيش في عوالم سفلية مغلقة غامضة فعليه بهذه الرواية .
إريكا يونغ كاتبة ومُدرّسة أميركية، من أصل بولوني. ولدت عام 1942 لعائلة يهودية من أب يعمل رجل أعمال ولد في إنكلترا لعائلة من المهاجرين الروس وأم رسّامة ومُصممة رسوم أقمشة ودُمى. ولإريكا أخت اسمها سوزان متزوجة من رجل أعمال لبناني اسمه آرثر ضوّ. تزوجت إريكا أربع مرات ولها ابنة اسمها مولي يونغ- فاست من زواجها الثالث. وتقوم إريكا بزيارة هايدلبرغ في ألمانيا حيث كانت تُقيم مع زوجها الثاني في ثُكنة عسكرية، وتزور مدينة البندقية كثيراً. أتى المغني الأميركي بوب ديلون على ذِكرها في أغنيته «Highlands». ساندت المثليين جنسياً وتشريع زواجهم مدَّعية أنَّ «زواج المثليين نعمة وليس نقمة ويُعزز الاستقرار والعائلة وهو حتماً في صالح الأطفال». أشهر أعمالها قاطبة رواية «الخوف من الطيران» عام 1973، وهي رواية أثارت وتُثير جدلاً واسعاً بسبب صراحتها الشديدة حول شؤون المرأة الجنسية، صدر منها أكثر من ثلاثين طبعة، وبيع منها أكثر من 20 مليون نسخة. ومن مؤلفاتها الأخرى: «كيف تنقذين زواجك»، «مظلات هبوط وقُبلات»، «الشيطان طليقاً: إريكا يونغ تكتب عن هنري ميللر» و«الخوف من الخمسين: مذكرات منتصف العمر» وغيرها... يتميَّز أدب يونغ بجرأته الشديدة في الأمور الجنسية إلى درجة الإباحية أحياناً.
«منذ مغادرتكَ للقرية والبلد، ونحن هنا نتابع أخبارك وما تنشره من قصص، وكلما اجتمعنا للسَهر، كنتَ حاضراً معنا، نتحدث عنك ونقرأ ونناقش قصصك سِراً. نجد فيها ذكريات طفولتنا، قصص حبنا البسيطة، أعوام دراستنا الجامعية وخدمتنا في الجيش والحروب.. ونشعر بأنك تُعبر عنا. وفي سنوات الحصار المريرة، عندما أصبح أحدن ا يشعر بالحرج من زيارة صديقه والسهر عنده، كي لا يكلفه واجبات الضيافة، قمتُ بجمع كل قصصك التي حصلت عليها واستنسختها عدة نسخ، غلفتها بكارتون وكتبتُ عليها عنوان (تُحفَة السَهران) ووزعتها على بقية الأصدقاء كي يقرأوها على ضوء شموع أو فوانيس بعد أن ينام الأطفال والعائلة» - من رسالة قارئ - *** يضم هذا الكتاب مجمل القصص القصيرة للكاتب العراقي د.محسن الرملي التي نشرها على مدى ثلاثين عاماً (1985 ـــ 2015)، وهي قصص متنوعة في مواضيعها وأشكالها، فقد كُتبت على مراحل مختلفة، ومنها ما كُتب ونشر أولاً باللغة الإسبانية وما تمت ترجمته إلى لغات أخرى كالإنكليزية والبرتغالية والروسية والألمانية. ومن بين القضايا التي تتطرق إليها، مواضيع: الحُب والحرب والهجرة والذاكرة ولقاء الثقافات والتراث والعزلة والهم الوجودي. كما تتنوع في تقنياتها ولغتها وأساليبها في السرد بين التجريبي والرمزي والتقليدي، بين الإيحاء والتصريح وبين الواقعي والإيهام به.
رواية «سيدات زحل» للروائية العراقية «لطفيّة الدليمي» عمل سردي مميز بكل ما للكلمة من معنى، فهي مكتوبة بشفافية ندر مثيلها، وبلغة رفيعة الشأن فيها شغف حزين بأحوال المجتمع العراقي فقد عرضت لوحة انسانية مركبة للعراق في حقبتي الاستبداد والاحتلال وتميزت بانتقاء المشاهد السردية وبالرؤية الانثوية للعالم . وجدت في رواية سيدات زحل افضل مدونة سردية عن احوال بلادنا في العقود الاخيرة وندر ان ظهرت رواية عراقية في السنوات القليلة الماضية على مثل هذا المستوى من الجودة في الحبك والبراعة في الصوغ السردي فقد عرضت الشخصية الرئيسة، برؤية أنثوية، تجاربَ مذهلة عمّا حدث لها ولأسرتها، ولعدد كبير من صديقاتها إبان الاحتلال الأميركي للعراق، وخلال سيطرة الجماعات المسلحة على أحياء كاملة من بغداد في ظروف الحرب شبه الأهلية التي مرت بها البلاد قبل بضع سنوات ، وما سبق ذلك من حكم مستبدّ أفرغ المجتمع من قيمه الإنسانية والثقافية، فتقوم تلك السيدة بنشر كرّاسات سرّية ارتسمت فيها جميعا حالات لنساء قتلن، أو شردن، أو اغتصبن، أو جرى التنكيل بهن بلا رحمة، وذلك على خلفية عنف متنام مارسه رجال قساة ، وتتواشج الأحداث مع وقائع تخص تاريخ بغداد وتأسيسها وتحولاتها وتمتلك الرواية أهميتها الاستثنائية في تمثيل أحوال النساء عامة، ولأنها المدوّنة السردية الكاشفة لأحدى أهم حقب التاريخ العراقي الحديث.
يقول فيلليني الذي لا يشبه غيره: «إن كل الفنون هي سيرة ذاتية، فالجوهرة هي سيرة ذاتية للمحارة التي صقلتها»، وهو بذلك يوسّع طيف السيرة الذاتية لتشمل عدة أفلام متقاربة أو متباعدة من أعماله، ولهذا نجد أن كل الأفلام التي ترصد، أو تلامس، شخصيات معروفة في الماضي أو الحاضر، تدخل في نسيج السيرة الذاتية، بتدرجات مختلفة، وأن نسبة هذه الأفلام أكثر مما نظن في الإنتاج السينمائي العالمي المتواصل، إذا أضفنا إليها ما يسمى «شبه سيرة ذاتية». اختار الناقد السينمائي علاء المفرجي، في هذا الكتاب، أن يرصد تنويعات من هذا «النوع» من الأفلام الأجنبية والعربية، بأساليبها وموضوعاتها المختلفة، ليكشف عما وراء المرئي فيها، صعوداً وهبوطاً، مع تأكيده على فكرة أن أفلام السيرة الذاتية لا يمكن أن تحيط بكامل تفاصيل سيرة الشخصية، لأن كل فيلم محكوم بمستوى السيناريو والمخرج والممثل، وتأتي أهمية كل فيلم من قدرته على تقديم الشخصية بطريقة توحي بأنها إعادة كتابة التاريخ بلغة الصورة، والكشف عن المسكوت عنه في النصوص المكتوبة أو المعلنة، وهذا ما نجده في الأفلام الثلاثة للمخرج اوليفر ستون عن الرؤساء الامريكيين السابقين جون كيندي ونيكسون وجورج بوش الابن. إن الأفلام التي تناولها الكتاب تغطي كل وجوه النشاطات والإبداعات البشرية من السياسة إلى العلوم النظرية والتطبيقية والفنون والعلاقات الإنسانية، في مسافات زمنية وجغرافية متباعدة أو متقاربة، مع محاولات جريئة لتشريح السلوك والتوجه الفكري والعاطفي، ونقاط القوة والضعف في حياة الشخصيات التي رسمتها الأفلام، إضافة إلى رصد نقاط الضعف والقوة في الأفلام نفسها، مع التركيز على وباء الفساد السياسي في القرن العشرين وما بعده، حيث اختفى التعريف القديم للسياسة: العلم والفن والأخلاق، وصار البديل: القتل العنصري والطائفي، والتدمير الشامل، والتهجير، والحرق بالأسلحة الكيماوية، والعودة إلى خرافات المذاهب في القرون الوسطى. بندر عبد الحميد أقل
ولدت لويزا م. الكوت في ۲۹ نوفمبر ۱۸۳۲ في مدينة جيزمان تاون بالقرب من فيلادلفيا وتوفيت في بوسطن في 6 مارس ۱۸۸۸ . من المؤلفات الأمريكيات المعروفات ، اشتهرت بكتبها للأطفال ، ومنها نساء صغيرات . قضت معظم حياتها بين مدينة كونكورد ومدينة بوسطن . وقد تعرفت منذ الصغر على كل من رالف والدو امرسون و هنري ديفيد تورو ، وكان جارها نتانيال هاوثورن . استمعت منذ حداثة عهدها إلى كل من مارجريت فولر وأوليفر وندل هولمز ووليم الزي شنيخ وهنري جيمس الكبير وغيرهم من العلماء والمفكرين ، أدركت لويزا مبكراً أن عمل والدها - أموس برونسون ألوكت - الفيلسوف والمربي لا يكفي لإعالة زوجة و أربع بنات ، لذا اضطرت إلى العمل مبكراً في حياكة ثياب الدمي لتقوم بنفقاتها . النحنت لفترة قصيرة بمدرسة لتعليم الحياكة واشتغلت بعض الوقت في الأعمال المنزلية . وانتهى بها الأمر إلى احتراف الكتابة ، فأخذت تؤلف القصص والروايات . . كان أول كتاب لها مجموعة من قصص الجن بعنوان « أساطير الزهوره . كتبتها ، وهي في السادسة عشرة من عمرها ونشرت عام 1854 . وكانت لويزاند حكت هذه القصص في الأصل لألين ابنة آمر سون أستاذها . كانت هذه الكاتبة شديدة الحماس لمبدأ إلغاء الاسترقاق في الولايات المتحدة الأمريكية : لذا نراها تتطوع كممرضة حين بدأت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب ، وأصيبت بمرض التيفوئيد بسبب سوء الظروف الصحية في المستشفى التي كانت تخدم فيها ، فأعيدت إلى بيتها . . إلا أنها لم تسترد كامل صحتها بعد إيلالها من المرض . وفي عام 1863 نشرت كتابها مشاهد من مستشفى » ، وقد حوى مجموعة من الرسائل التي كتبتها حين كانت تعنى بمرضى الحرب ، وأخذت قصصها تظهر في مجلة أتلانتيك مانلي » . ولما طلب إليها أن تكتب كتاباً للفتيات رفضت في البداية ، ولكنها اضطرت آخر الأمر إلى العدول عن هذا الرفض لتلبي احتياجات أسرتها الملحة . . وهكذا صدرت انساء صغيرات ) ، سيرتها الذاتية واللوحة التي عكست سحر الحياة الأمريكية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وقد نشرت في عامي ۱۸۹۸ و ۱۸۹۹ وحققت نجاحاً كبيراً ، وتعتبر هذه القصة من خير ماكتب للفتيات.
منذ أن اختارت موتها طوعاً عام ١٩٦٣ كُتِب وقيل الكثير عن الشاعرة الأمريكية الآسرة سيلفيا بلاث. في الأخص عن زواجها من الشاعر البريطاني تد هيوز وعن الأشهر الأخيرة من حياتها بعد فشل هذا الزواج عام ١٩٦٢، وارتكابها الانتحار. تعرض يومياتها صورة مؤثرة وحميمة عن الشاعرة التي نظمت قصائد استثنائية كرّست سمعتها واحدة من أعظم شعراء القرن العشرين، لكنها أيضاً يوميات متميّزة بنثر مباشر قوي جعلها إلى جانب -الناقوس الزجاجي- عملاً باهراً من أعمال الأدب. هذه المخطوطات الدقيقة والكاملة لليوميات التي كتبتها بلاث عن السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة من حياتها، القصيرة إنما الممتلئة، والتي تروي فيها عن المراهقة التوّاقة التي تكتشف جنسانيتها، والشاعرة الناشئة التي، وهي مغمورة بطريقة حياة ضارية، تصارع الرفْض لتحقيق طموحها - شاملة زواجها من الشاعر تد هيوز وصراعها مع الكآبة- هي مصدر رئيس لأجمل القصائد التي تشكّل ديوانيها -آرييل- و-لعملاق-. «كل شيء يمرّ أمام عينيها يرتحل من دماغها إلى القلم بصفاء مذهل - من نيوانكلند الخمسينيات، كمبريدج المُمَهِدة للشراكة، بينيدورم الممهدة للسياحة الواسعة النطاق، حيث قضت شهر العسل مع هيوز، حتى ولادة ابنهما نيكولاس في ديفون ١٩٦٢. هذه ومقاطع أخرى هي نابضة بالحياة بحيث تفاجأ حين ترفع بصرك من الصفحة فترى نفسك عائداً إلى الهنا والآن... الصراع مع الذات يجعل هذه اليوميات مفحمة وفريدة». «جون كاري، الساندي تايمز» «يوميات غنية بنثر رائع تحكي في جزئها الأكبر كيف أصبح الشاعر في مرحلة الانتظار الشاعر الذي نعرف». «آن ستيفنسون، مجلة ثامبْسِكْرُو» أقل
يتّفق النقاد ومنظّرو الدراسات الثقافية ودارسو تأريخ الافكار أن الرواية أحد أهم الإبتكارات الثقافية التي جاءت بعد عصر التنوير الأوربي، وقد كُتب الكثير بشأن الفنّ الروائي منذ القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا. أودّ في هذا التقديم تثبيت بعض المؤشرات التي علقت في ذهني كملاحظات تراكمت لدي منذ زمن حتى بلغ ا لتراكم حداً رأيت معه أن أعلّق على بعض التفاصيل الخاصة بالرواية في إطارها العام، من وجهة نظر شخصية خالصة، مع التركيز على الرواية المعاصرة بخاصة، وأودّ التأكيد منذ أنني لست بصدد الحديث عن الثيمات الكبيرة الخاصة بوظيفة الفن الروائي وطبيعته وأجناسه - تلك الثيمات التي كتب عنها بشيء من التفصيل في تقديمي لكتابي المترجم (تطور الرواية الحديثة) الصادر عن دار المدى 2016؛ بل سأؤكّد هنا على بعض التفاصيل المُغْفلة التي غالباً ما تُهّمشُ ولا يعنى بها بعضُ قرّاء الرواية وكتّابها.
قال لعبد الله «راح أغيب كم دقيقة» وخرج من المقهى وقطع الزقاق متجهاً إلى اليسار. وقال عبد الله في نفسه «كأن الزورخانة ستنفعه» وراقبه يحني قامته الطويلة ويدخلها. كانت «الزورخانة» بيتاً قديماً مجهول الأصل، شبيهاً بجارته «الجومة» بابه المصنوع من الخشب الرخيص ذو المصراع الواحد يؤدي إلى فناء مربع الشكل تتوسطه حفرة مستديرة مثلمة الحوافي هي «الجفرة» مهجورة الآن لفصل الشتاء. والى اليسار إيوان صغير بنيت فيه دكة طينية طويلة لصق الحائط فرش عليها حصير من الخوص مهلهل. وفي أقصى الإيوان باب أسود واطئ تهبط بك درجتاه الطينيتان إلى حجرة صغيرة في سقفها «سماية» مدورة. وفي الحجرة دكة طينية أخرى أضيق، ورفوف خشبية وضعت فيها أدوات الزورخانة، ومشاجب منفردة أو مسامير كبيرة تعلق عليها الملابس، والأرض مفروشة ببساط مبقع مختلط الألوان ضار بلون الجلد المدبوغ العتيق. وفي الجانب الآخر حجرة أخرى يسكن فيها حارس الزورخانه، والمقيم فيها. كانت الزورخانة لا تستقبل زواراً كثيرين في موجات البرد والمطر. كان المطر يملأ الجفرة، وينقع الجدران، ويتسرب من خلال السقف إلى أرض الحجرة. وحجرة اللعب لا تتسع لغير لاعبين أو ثلاثة. وكانت الزورخانه زورخانة «المحلة» مثل مقهى دبش. فكان رجال الطرف يترددون عليها من حين لآخر كلما شعروا بأن أجسادهم ثقيلة، وتحتاج إلى تمرين عضلات. مجرد هواية كالسباحة ولعب الدومينو وتدخين النرجيلة.