ذات يوم سألني صديقي الشاعر البصريّ، الخصيبيّ الاصل، اليوسفاني المولد جمال مصطفى، المقيم في الدنمرك الآن، سؤالاً بدا لي رومانسيا جداً: ألمْ تنجب أبو الخصيب شاعراً بعدنا؟ قلت بلى، وسمّيت له بعض الأسماء، ثم نصحني بإلحاح العارفين أن أكتب معجماً للألفاظ المتداولة في أبي الخصيب. وقتذاك، كنت منشغلاً بشاغل الشعر والصحافة وتفاصيل البيت والأسرة، لكنني قلت له: والله هي فكرة ممتازة، قد اتمكن من الشروع في كتابة شيءٍ من ذلك، لعلمي بأنَّ النسيان لا بدَّ آتٍ على كثير من المفردات لدينا، والتي لم يعد الكثير منها متداولاً الآن، بحكم نزوع الناس نحو (التمدّن) وتقليد سكان المدنية، التي يجد بعض الشباب، من سكان القضاء أنها الأليق بهم، وما يلوكه آباؤهم وأجدادُهم من مفردات إنما هي محط استهزاء وسخرية سكان المدينة، الذين راحوا يلهجون بكلمات المقيمين الجدد فيها، القادمين من ريف العمارة والناصرية. وفيهم من راح يتبغدد بلسانه أيضاً، في هجران واضح لألفاظهم، ألفاظنا، نسيج أرواحنا الذي نسجته أنوال سنين طوال من العيش بين النخيل والظلال والانهار، حتى غدا حلواً متشهىً، كمثل رطبنا وتمرنا ومروءتنا، كمثل كلماتنا والفاظنا التي لا أجمل ولا أسهل منها في اللسان، ولعمري حين يقول الخصيبي: (منيّل) منّجل. (المنجل)المعروف، والمستخدم لدى الفلّاح، أجدها أطرى بين الشفتين وأسهل لفظاً، ذلك لأن حرف النون متبوعاً بحرف الياء أسهل في اللفظ من حرف النون متبوعاً بحرف الجيم.
منذ عمر السادسة عشرة، ولج برنار فيربير (المولود سنة 1961 في مدينة تولوز) عالم الأدب. فكتب قصصاً قصيرة، وسيناريوهات، ومسرحيّات. وبعد أن أنهى دراسته في علم الجريمة والصحافة، عمل محرّراً في الصحافة العلميّة. أصدر سنة 1991 روايته الأولى (النمل) التي حظيت بنجاح منقطع النظير، وهو لم يتجاوز بعد الثلاثين من عمره. يقترح برنار فيربير في أعماله نوعاً جديداً من الكتابة الأدبيّة يدعوها “الخيال الفلسفيّ”، والتي هي مزيج من الخيال العلميّ والفلسفة والمعتقدات الروحيّة. يصبو فيربير إلى فهم مكانة الإنسان داخل هذا الكون عبر وجهات نظر، متعدّدة وغريبة، خارجة عنه: حيوانات، أشجار، آلهة قديمة، وحتّى سكّان محتملون من خارج الكوكب. تستقبل أعمال برنار فيربير بحفاوة ليس في فرنسا فحسب، وإنّما في العالم. غير أنّ ثلاثيةّ النمل -والتي تشكّل هذه الرواية كتابها الأوّل، إذ لحقها يوم النمل 1992، وثورة النمل 1996 -تبقى هي الجوهرة في تاجه الإبداعي، والسمة التي منحت تجربته النكهة الفريدة التي اختصّ بها، وألهمت كتّاباً آخرين.
وُلد إيفان تورغينيف في 28 تشرين الأول (9 تشرين الثاني في التقويم الجديد) عام 1818 في مدينة أوريول. وكان أبوه سيرغي نيقولايفيتش يخدم في فوج يلزافيتغراد الذي كان يرابط في أوريول، وتقاعد برتبة عقيد. وأمّه فارفارا بتروفنا، من مواليد لوتوفينوف. وكان إيفان سيرغييفيتش الابن الأوسط من ثلاثة أبناء. والأخ الأصغر توفي في ريعان الصبا، والأكبر يعيش في موسكو. فقَدَ تورغينيف أباه، وهو في السابعة عشرة، إلا أنّ أمّه عاشت حتى بلغت السبعين، وتوفيت عام 1850. في عام 1822 سافرت عائلة تورغينيف إلى الخارج، وزارت، فيما زارت، سويسرا. وأثناء إحدى الزيارات كاد إيفان الطفل ، وهو في الرابعة من العمر، يقع في حفرة الدببة الشهيرة في برن، وربما كان سيدفع ثمناً غالياً لتهاونه، لو لم يفلح أبوه في إخراجه فوراً من هناك. وبعد العودة إلى الوطن أقامت العائلة فترة طويلة في ضيعتها، في قضاء متسينسك من ولاية أوريول. وفيها بدأ تورغينيف يتعلّم على أيدي أساتذة من مختلف القوميات ما عدا الروسية. ومن أوائل الكتب الروسية التي قرأها «روسيادا» لمؤلفه خيراسكوف. وهو مدين بتعرفه على هذا الكتاب إلى واحد من أقنان أمه، كان شغوفاً جداً بالشعر. وفي عام 1828 انتقل إيفان تورغينيف مع والديه إلى موسكو، وفي عام 1834 دخل جامعة موسكو، حيث أنهاها بأطوحة «مرشح». وفي عام 1838 سافر إلى الخارج، وكاد يودى به بحريق شب على الباخرة «نيقولاي الأول» قرب ترافيميونده. وحضر تورغينيف في برلين محاضرات في التاريخ واللّغتين اللاتينية واليونانية وفلسفة هيغل.
لعلّ الدارسين لايشيرون إشارة كافية إلى أن تولستوي كان يتأنّى في صنُع أعماله الأدبية: كانت مسودات النصوص ورواياتها لا تني تتكاثر، وكان يعمل على نسخ النص حتى عشر مرات، ثم يهجره ويستأنفه... ليدعَه جانباً، وقد يدعه نهائياً في بعض الأحيان! وذلك لأسباب شتّى: فتارةً كان يرى أن العمل الأدبي لم ينضج نضجاً كا فياً، وتارةً أخرى لأن العمل يتّسم بطابع شخصيّ مفرط؛ أو لأنه لم يكن يريد أن يزيد من خصوماته مع الرقابة. فليس مدهشاً إذن أن تُلفي ابنته ألكسندرا نفسها، بعد موته، مالكةً لنحو أربعين عملاً لم تُنشر، وأن تُبادر إلى أن تدفع جزءاً منها إلى النشر. وكان فلاديمير تشيرتكوف يشرف على تحريرها النهائي. وقد ظهرت ثلاثُ مجلدّات في موسكو، في سنة 1911 وفي سنة 1912. ونحن نجد بينها نحو عشرين قصة وأربع مسرحيات، وأعمالاً من الطراز الأول مثل «الحاج مراد» و«الجثة الحيّة». أما المخطوطات الأخرى فلم يُقدَّر لها أن ترى النور إلا بعد ذلك بزمن كبير، وبرعاية الجمعية التعاونية «زادروغا»، في موسكو، لتظهر في طبعة الأعمال الأدبية الكاملة التي كان يُنوى إخراجها في سنة 1928 بمناسبة مرور مئة عام على ولادة تولستوي. وبما أن الجمعية التعاونية المذكورة قد حلّها النظام السوفييتي فإن نًسخ النصوص التي كانت ستظهر أُرسلت سراً إلى باريس، حيثُ ظهرت بالروسية تحت عنوان: قصص ومسرحيات لم تُنشر، لليون تولستوي، بعناية الناشر المعروف جداً «كاربسنيكوف» الذي كان مهاجراً آنذاك. ويحتوي هذا المجلّد على أربعة أعمال دراميّة وتسع قصص تُرجمت إلى الفرنسية، بعد ذلك، ونحن نقدّمها اليوم مع التي ظهرت في طبعة تشيرتكوف.
الأعمال المسرحية الكاملة لـ تولستوي (جزأن) الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي من عمالقة الروائيين الروس ومصلحا اجتماعيا وداعية سلام ومفكرا أخلاقيا وعضوا مؤثرا في أسرة تولستوي، يعد من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر
ثل أبيلار هيلواز دفنا في قبر مشترك، ارتبط اسماهما معاً إلى الأبد. كانا زوجين من أزواج العالم الأسطوريين. لا يمكننا أن نفكر باحد منهما من دون التفكير بالآخر: سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر. في نهاية الحرب العالمية الثانية تبوأ سارتر وبوفوار، على نحوسريع، مكانة عالية بو صفهما مفكريَنْ حرين وملتزمين. كتبا في جميع الأنواع الاديبة: المسرحيات والروايات والدرا سات الفلسفية وقصص الرحلات والسيرة الذاتية والمذكرات و أدب السيرة والصحافة. وقد شكلت رواية سارتر الأولى «الغثيان» حدثاً في عالم الرواية الفرنسية المعا صرة. وغدت مسرحياته العشر حديث المو سم المسرحي في باري . وأحدثت درا ساته الفلسفية: «الوجود والعدم» و «نقد الفكر الديالكتيكي» وغيرها صدمة هذا إلى جانب بحثيه الأدبيين اللذين كرسهما لجان جينيه وغوستاف فلوبير. لكنه ربما سيُذكر على نحو أفضل من خلال سيرته الذاتية «كلمات»، هذا الكتاب الذي أكسبه جائزة نو بل. وسترتبط وبوفوار دائماً بكتابها الهام «الجن الآخر» وبمذكراتها وبروايتها اللامعة «المندرين» التي ا ستحضرت فيها جو أوربا بعد الحرب العالمية الثانية.
في هذه الرواية الثالثة لآلي سميث، بعد "المُصادفة" و"كان ولكن ذلك الحقيقة" اللتين أصدرتهما دار المدى، وهما مغامرتان جديدتان تماماً في مجال الأدب، تبتعد الروائية عن السرد الروائي التقليدي، وتقدّم لنا عملاً يعتمد بالكامل على التداعيات الفكرية والانطباعات الشخصية والاستطرادات. هذا العمل يخصّ آلي سميث؛ إ نه ذاتيّ بامتياز. خطرت لها فكرة كتابته وهي تقوم بزيارة لبلدة فيرارا الإيطالية التي تحتوي قاعات أثرية وقصوراً تضم لوحات جدارية جصّية (فريسكو) لرسامين مغمورين من القرن الخامس عشر، حين كانت عائلة إيست العريقة تحكم البلدة والدوق بورسو يستعد لتنصيبه حاكماً على البلدة. وكان الحكّام وأصحاب الألقاب والقصور يحبّون الظهور والفخامة والأبهة، ويُجنّدون لتحقيق ذلك أفضل الرسامين لتزيين قصورهم بالرسوم التي تبيّنهم جنباً إلى جنب مع الآلهة اليونانيين المشهورين. وكان بورسو هذا صاحب القصر المُسمّى "القصر الذي لا يعرف الملل" أو "قاتل الملل" Palazzo Schifanoia قد عيَّن رسّاماً شاباً موهوباً يُدعى فرانشيسكو ديل كوسا Del Cossa. وكان الرسم يتم على هيئة غرف تُسمّى بأسماء أشهر العام، وتمثّل كل غرفة إلهاً من الآلهة اليونانيين.
رواية ملحمية ترصد التغيرات السياسية والاقتصادية والأجتماعية فى تركيا خلال القرن العشرين عبر الاجيال المتعاقبة فى عائلة جودت بيك، الأول مع انهيار الأمبراطورية العثمانية فى بداية القرن العشرين، والثانى مع وفاة أتاتورك نهاية الثلاثينات، والثالث مع الانقلاب العسكري فى السبعينيات. عندما سئل باموق عن التشابه بين « جودت بيك وأبناؤه» وبين ثلاثية نجيب محفوظ، أجاب « أظن أنى قد أتقاسم مع محفوظ علاقات الشخصيات بالمكان، وكتابة الأحياء والشوارع، وتناول الأحاديث الجانبية والمؤامرات التى تحكيها النساء. ولكن الأمر أكثر عمومية من هذا، يشغلنى تحول حياة العائلات الكبيرة حيث يتعايشون سويًا كما لو كانوا جماعة موحدة، ثم تتفتت الاسرة من البيت الخشبى التقليدى إلى مساكن متفرقة فى بناء موحد .. كل هذا يشكل عالمى الروائى الذى ربما يشبه محفوظ، لكنه يختلف عنه أيضًا».
بعد ان تقدم بي العمر وأنا –الآن- قد تجاوزت الثالثة والثمانين من عمري، لم أجد بُداً من الاستجابة لمناشدات ومطالبات شقيقي الأكبر رفعة، وعدد آخر من الاصدقاء الذين وصلت مطالباتهم حد الالحاح بضرورة كتابة مذكراتي التي لم تخطر ببالي يوما كتابتها وتدوينها. كنت أتضايق من تلك المطالبات في كثير من الأحيان، وكان مردّها يعود لكوني ولجت طريقاً شائكاً وصعباً في العراق أغلب سني عمري، وهو العمل السياسي المعارض في أغلب سنوات نشاطي في هذا المضمار، سائِراً من خلاله على خطى الوطنيين الاحرار الذين كرّسوا جُلّ حياتهم في العمل السياسي المعارض، (الوطني والديمقراطي)، في ظروف كانت في الغالب يسودها القمع والاضطهاد والتهجير، ولربما كانت تؤدي حتى الى الموت، كما حدث للعديد ممن ساروا بهذا الدربِ بإرادتهم، حيث كنت من ضمن هؤلاء الذين اختاروا السير في ذلك الطريق الذي اخترته بقناعة تامة لايشوبها ندم أو تردد.
بيت الدمية (بالنرويجية: Et dukkehjem) (بالإنجليزية: A Doll's House)؛ هي مسرحية نثرية من ثلاث فصول كتبها هنريك إبسن في عام 1879، عُرِضَت لأول مرة على المسرح الملكي الدنماركي في كوبينهاجن في الدنيمارك في الواحد والعشرين من ديسمبر عام 1879، وكانت قد نُشِرَت في أوائل هذا الشهر. تكمن أهمية المسرحية في الموقف الحاسم الذي تتخذه تجاه أعراف الزواج في القرن التاسع عشر. فقد أثارت جدلًا واسعًا في ذلك الوقت، حيث تنتهي الرواية بترك البطلة نورا زوجها وأبنائها بحثًا
شكلت علاقة الأدب بالفلسفة وتأريخ الأفكار والاشتغالات المعرفية الأخرى - إلى جانب عالم الرواية والترجمة والسّيرة - هاجساً لم تخفت جذوته المتقدة في عقلي منذ أن بدأتُ تعاطي الكتابة الإبداعيّة بكافة أشكالها المعروفة ، وكان السياق الذي حرص عليه دوماً هو ترجمة مقالات وحوارات وسير ذاتية ومذكرات وكتب تتوفر على رصانة بيّنة ممتزجة بطراوةً في التناول وصلة حيّة بالحياة النابضة بعيداً عن الصلابة والصرامة الأكاديميّتين لغرض جعل تلك الترجمات قادرة على طرق قلوب القرّاء وملامسة عقولهم الشغوفة وإثراء حيواتهم الثمينة ، وهذا ما يمكن ملاحظته في هذه الإضمامة من الترجمات المختارة.
نعيش مع هذا الكتاب القصير أنواع من حالات ومفردات ولحظات الحب؛ شوق، لهفة، انتظار، مواعيد، لقاءات، قوة، ضعف، ابتعاد، صبر، تضحية، نصيحة، تفاهم، تحليل، تأمل.. إلخ من مزيج مشاعر إنسانية تمر بنا ونبدو في أغلب الأحيان عاجزين عن التعبير عنها كما نريد، لكننا نجد حسن مطلك يعبر عنها هنا بشكل بالغ الدقة والجمال، وربما هذا من بين الدوافع التي حدت بنا إلى اقتحام خصوصياته ونشرها، فهو بكل تأكيد لم يكن ليضع بحسبانه جعل ما نقرأه الآن من يوميات وذكريات و(كتابة حرة) كتاباً للنشر، لأن الكتاب في مفهومه هو جهد وعمل آخر يعمل على صوغه وإعادته ومراجعته أكثر من مرة.. إلا أن قيمة حسن مطلك الأدبية والإنسانية، ومسؤوليتنا عن إرثه، ورحيله المبكر قبل إنجاز أكثر مشاريعه.. هي التي تجعلنا نتلقف ونهتم بكل ما دونه. هذا ومن الأمور المهمة الأخرى التي دفعتنا إلى كشف هذه التجارب، هو أن حسن مطلك قد صاغ شخصياته الأدبية عن طريق استيحائها من شخصيات حقيقية عاش وتفاعل معها وكان -كما يلاحظ المتابع لأدبه - يوظف العديد من مقاطع يومياته داخل نصوصه الأدبية. شخصية (عزيزة القطان) في روايته (دابادا) وشخصية (سارة) في روايته (قوة الضحك في أورا) وشخصيات بعض قصصه القصيرة الأخرى مثل (تشرين الثالث) و(المذكر والمؤنث) هي مزيج من حبيبتيه (م) و(هـ) وقد أشار هو إلى ذلك في أكثر من موضع، الأمر الذي سينفع الباحثين والدارسين والمتتبعين لأدبه وسيرته ويعينهم على استيضاح المزيد عن شخصياته وأبعادها ومن ثم طبيعة أسلوبه في التوظيف الأدبي للمعطيات الشخصية الواقعية.