مؤسسة وموظفون وقصص وحكايا يلتقطها غائب طعمة، يزرعها بألوان الطيف، فتغدو للعين صوراً بألوان الحياة. ففي كل حكاية شجن وإحباط وأمل، حنين وشوق، وعواطف وإحساسات تلقي بظلالها على الأحداث فتعكس مدى مقدرة الإنسان على احتواء ظروفه، أقداره التي تجعل منه شيئاً أو لا شيء. بين الخارج والداخل، بين النفس والآخر ين سج غائب طعمة عالمه الروائي الذي يموج بالشخصيات، والحوارات في رواية بطلها الحقيقي والخفي الضمير.
خمسة أصوات هي بمثابة خمسة نداءات استغاثة أطلقها هؤلاء المبتلون بهمومهم الإنسانية والإبداعية وبشغفهم بالحياة التي تخبو حماسته بسبب العوز المادي أحياناً أو بسبب المثال السياسي الذي لم يحقق ما كانوا يحلمون به أو بسبب حاجات الجسد المأزومة.
نصف قرن من الأحداث يسردها بطي في كتابه بحساسية أدبية وسياسية. وبلغة سلسة صافية. وليس غريباً على رجل أمضنى سنين عمره في ميدان الكتابة الصحفية. وخاض حروباً طويلة وشاقة في ميدان (مهنة المتاعب). فاكتسب عبر هذه الممارسة الطويلة أسلوباً يعنى برشاقة العبارة. وبلاغة الجملة. وسلاسة المفردة.. وهاهو الآن يقدم كتابه لا من باب التباه والتفاخر. بل من موقعه كشاهد عاصر الأحداث. وراح يختزنها في ذاكرته الخصبة التي تتدفق الآن. بعد أن بلغ من العمر عتياً. يعود كشيخ وقور يضج بالحكمة والخبرة. إلى ذلك الأرشيف المخبوء في ثنايا الذاكرة ليستحضر منه محطات مشرقة واخرى مظلمة في تاريخ العراق وانعكاساتها على حياة العائلة. وعلى رفاق الدرب وما أكثرهم في هذه الصفحات.
أليس جريئاً فخري كريم حين يعرض يومياته السياسية، تعليقاته على أحداث ومسائل سيارة في كتاب. إذا كانت السياسة لا تنبع من الأفكار وإذا كانت في مسارها تصوب الأفكار، إذا كان الحدث لا يلبث أن يغدو في جهة أخرى فإن من المجازفة تقديم الرأي عارياً من الحدث وبعيداً عما آل إليه. إنها لمجازفة لكنها أيضاً مناسبة للوقوف على المعادلات الصعبة، لإيجاد ضوء ودليل أولي. فخري كريم ضد الاحتلال إنه يندد بما فعله القيصر بريمر من تدمير للبنية العراقية وانفراد في السلطة (يرى بريمر نفسه في الحلم في صورة صدام حسين عارياً يهرع نحو سفارة أميركية غير موجودة)، ضد الاحتلال لكن أيضاً ضد مقاومته بالإرهاب، ضد الفساد لكن أيضاً ضد الانقلاب باسم ذلك على الشرعية. إنها معادلات صعبة يستسهل البعض فكها والالتحاق بأحد جانبيها، وليس من مآل لذلك إلا الانتحار أو الاستتباع والرضوخ. يجازف فخري كريم بمواقف انسلخت عن أحداثها، لكن المجازفة تنفع في النفاذ من التشويش الحاصل بين الزمن والذاكرة. تنفع في اخترع نوع من التذكر الموجه، في إيجاد أرضية أولى للذاكرة.
وصف كتاب بكاء الطاهرة: رسائل قرة العين تأليف (يوسف أفنان الثابت) يتحدث الكتاب عن شخصية بكاء الطاهر الشخصية التاريخي التى حكم عليها بالموت عام 1852 بمدينة طهران ، فقد كانت رمزا من رموز التحرر للمرأة و الحداثة الدينية والتمرد على التقاليد
ن لندن في عقود الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي والفترة ذاتها في العراق، وبين دمشق خلال القرن الثالث عشر أثناء سنوات المُتصوِّف ابن عربي الأخيرة، ينسج «لؤي عبد الإله» روايته «كوميديا الحب الإلهي» (دار دالمون- دمشق) جاعلاً من مقولة سقراط «الحياة غير المختبَرة لا تستحق أن تُعاش»، صِراطه في رسم شخصيات عمله الروائي على اعتبارها من ممكنات الوجود التي يستطيع الحب، وحده، أن يجعلها قادرة على صياغة منعطفات حياتية، سواءً أكان ذاك الحب موجّهاً تجاه الجسد فقط، أم مُندغماً مع عاطفة الأمومة، أم متجسداً من خلال سطوته على عالم الأفكار التي في إمكانه أن يُحلِّلها من جميع عناصر قوتها، وجعلها مطواعة بين يديه. أربع شخصيات أساسية جمعتهم العاصمة البريطانية: «عَبْدِلْ» الطامع بكسب المال والوصول إلى الثراء بعد أن كشفت طفولته عن قدرات ذهنية تجارية عالية، و«بيداء» التي لم تفكِّر البتة بالخروج من بغداد، لكن زواجها من «عبدل» جعل منها امرأة تعيش وفق القيم العراقية في لندن، و«شهرزاد» ابنة عمة بيداء، طبيبة متحررة من كل التقاليد وتعيش على هواها في عاصمة الضباب، التي التجأت إليها إثر خروج عائلتها من العراق بعد ثورة الرابع عشر من تموز ١٩٥٨، و«صالح» الهارب من رجال الأمن في بغداد، والطامع بخوض غمار التجارب الحياتية لإغناء شخصيات روايته. من خلال لقاءات هذه الشخصيات الأربع وحواراتهم، وعبر تداعيات أحلامهم وهواجسهم وتناقضات أفكارهم، استطاع «عبد الإله» أن يُقدِّم لنا صورة عن تاريخ العراق المعاصر، من خلال الربط المتواصل بين ماضي الشخصية وحاضرها، والمتغيرات الحاصلة في أسلوب عيشها وتفكيرها، مع رصد المخاوف وانعكاساتها في مُضارع كل منها، إلى جانب التأكيد على أن «الشخصية هي مصيرها» عارضاً لمروحة الخيارات التي فُتحت أمام كل منها، وكيفية اتخاذ القرار وفق الخصوصية النفسيّة التي طرّزها بعناية، مع تحليل عميق لمكامن الضعف والقوة في كل شخصية، وكأننا أمام جلسات لعلم النفس يقوم فيها الروائي بتشريح علمّي دقيق لشخصياته والمآلات التي وصلت إليها، لكن من دون أن تفتقد، ولو جزءاً يسيراً من حيويتها، إذ تستشعر بأسلوب الكتابة ضيقها وفرحها، حيرتها وجنونها، نبضها وأصوات تنفسِّها، حتى إنك تُحسّ كأنك تعيش في تيارات وعيها، وتفتُّح خياراتها على الحياة، ومن ذلك تلمُّس الفارق الكبير بين عبدل وبيداء بعد ولادة ابنهما البكر «سليم» الذي يُعاني متلازمة داون، فعبدل استدعى غيبياته الخاصّة وغضب والده منه، معوّضاً الغرابة التي استشعرها من ابنه بمزيد من الجنس مع زوجته لولادة أبناء معافين يليقون به، وكانت النتيجة توءماً وبعدها مباشرة طفلة، في حين أن بيداء كانت تستشعر قوّتها في تعاطيها الإيجابي مع ابنها «سليم»، وفي الوقت ذاته في الرضوخ لرغبات زوجها ومزاجيته، على قسوتها في كثير من الأحيان.
مؤلف هذا الكتاب هو الباحث والأكاديمي الفلسطيني ماهر الشريف الذي يقيم في دمشق. حاز على درجة دكتوراه دولة في الآداب والعلوم الإنسانية من معهد تاريخ الحركة النقابية التابع لجامعة باريس الأولى ـ السوربون عن رسالته المعنونة بـ «الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919 ـ 1948 م». نشر العديد من الكتب والمؤلفات، ومنها: «الأممية الشيوعية وفلسطين 1919 ـ 1928»، و«البحث عن كيان»، و«رهانات النهضة في الفكر العربي»، و«فلسطين في الأرشيف السري للكومنترن»، و«تيار الإصلاح الديني ومصائره في المجتمعات العربية» بالاشتراك مع سلام الكواكبي، وغيرها من المؤلفات التي تناولت، في غالبيتها، حركة اليسار العربي، وتاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين. له مساهمات قيّمة في مجال الترجمة، ولعل من أهم ترجماته كتاب: «تأسيس المجتمع تخيليا» لكورنيليوس كاستورياديس، وهو، إلى جانب جهوده في مجال نشر الكتب، تأليفا وترجمة، يتابع باهتمام القضايا السياسية والفكرية الملحة؛ المثارة في المشهد الثقافي والسياسي العربي، إذ ينشر باستمرار في الصحف والدوريات العربية. ولعل كتابه الأخير «تطور مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي»، الذي نحن بصدده، والصادر، أخيرا، عن دار المدى (دمشق ـ 2008)، يأتي في سياق اهتمامه بالمسائل التي تفرض نفسها على الباحث، في المرحلة الراهنة، كمسألة «الجهاد» التي تثار، الآن، في مختلف المناسبات والمؤتمرات والندوات، لارتباطها العميق بالظروف والوقائع التي تمر بها المنطقة والعالم.
طفل غريب يتعرض لحادث في الأهوار، جنوب العراق، يعالجه ويتبناه شيخ عشيرة حكيم، من الصابئة، فينمو وتتطور شخصيته ليتولى الزعامة، في مجتمع ذي خصوصية مميزة، في حياته اليومية وتقاليده، ولم يكن الحب بعيداً، في نسيج هذه الحياة التي تحفل بالمفاجآت.
فكرة هذا الكتاب الأصلية قد أقنعتني بتأليف سيرة شخصية لبستاني اسقرّت صورته في ذهني منذ منت طفلاً. كان ذلك البستاني رهين حديقة واسعة الأرجاء، وجليس أنواع لا تحصى من الورود والأشجار، ونديم أجناس لا تهدأ من الطير والفراش والديدان، ومرشد أصناف شتّى من الناس. كان المنتزهون الهائمون فرادى وأزواجاً في الحديقة يطهرون وحدتهم من هواجس الحصر والكبت بالاستمتاع ببساطة التكوين الطبيعي وتناسقه وجماله، والعشاق يطقئون أوار عشقهم بسكون الطير وعناق الزهر وشباب الأرض، فإذا طال بهم الالتفاف والانزواء تلقوّا من البستاني، إينما رأوه في زاوية بالحديقة، همسات شاردات أو تلويحات صامتات.
نشر الشاعر العراقي الراحل مظفر النواب الذى وافته المنية أمس بأحد مستشفيات الإمارات قصيدة "الريل وحمد" في ديوان يحمل الاسم نفسه فوجد النقاد أنفسهم أمام نوع من الأدب الجديد المكتوب بالعامية، لكنه مختلف عن القصيدة العامية التقليدية أو الكلاسيكية حيث امتازت بلغة آسرة ومفردات جديدة، بل إن بعضها يستخدم لأول مرة، بعيدة عن الوصف المباشر، وهو ما استشهد به الشاعر سعدي يوسف لدى تقديمه الشاعر الراحل مظفر النواب في ندوة بديوان الكوفة جاليري في لندن أواسط التسعينيات، خصوصا قصيدته للريل وحمد. وهنا المفارقة التي يذكرها الناقد والكاتب الدكتور حسين سرمك حسن في كتابه "الثورة النوابية" الصادر عن دار الينابيع في دمشق عام 2010 حيث يعتبر أن النواب كان "رائد الثورة العامية الحديثة في الشعر الشعبي".
يرصد موسى الخميسي خصوصية التجربة الفنية الأكثر تأثيراً في حركة الفن، لعدد من كبار الفنانين في العالم، من أجيال واتجاهات وانتماءات مختلفة، تجارب فردية أغنت الابداعات الانسانية وأعطتها قدرة على التأثير في انماط التعبير، وانعكست على ايقاع الحياة نفسها.