تهافت الستينيين - أهواء المثقف ومخاطر الفعل السياسي الكاتب فوزي كريم الهوة بين النص الشعري وخبرة الشاعر الداخلية ظاهرة عربية، امتدت من الشعر الجاهلي حتى اليوم. عرضتُ لها بتفصيل في كتابي "ثياب الامبراطور". هذا الكتاب الجديد امتدادٌ له، ولكنه يُعنى بوجوه أخرى إضافية من الظاهرة، وفي عصرنا الحديث بالذات. هذه الوجوه العصرية استجابة ليست متعافية لنشاطات الغرب بالغة الكثافة والتعقيد. محاولة منها لإشعار نفسها بالتكافؤ مع الغرب، وتجاوزه أيضاً. وبالتالي كراهيته وتنشيط فعالية العداء غير العقلاني له. وكما بدت الجملة العصرية مترجمة، وبدت القصيدة مترجمة، بدا الوعي الثقافي والأدبي مترجماً هو الآخر. قناع مورد باللأصباغ، يخفي الوجه الحقيقي الشاحب. هذا واضح في أصوات شعرية كثيرة، يمكن لقصيدة النثر أن تكون أوسع أوعيتها. وأصوات نقدية أكثر، تحت راية البنيوية والتفكيكية. فورة الستينيين كانت محاكاة، ولكن صادقة العواطف. وهنا يكمن موطن مخاطرها. لأن أهواءها الخيالية طمعت بأن تكون فعلاً، وفعلا سياسياً بالدرجة الأولى. وإذا كان مفكرٌ أصيل مثل هادي العلوي صادقاً وغير محاكٍ، إلا أن أفكاره التي تسعى الى الفعل لا تقل خطورة بسبب هذه الأصالة وهذا الصدق. في الشعر لم أسع الى شعراء الظاهرة، بل انتخبت، في المقابل، عيّنات من شعراء الخبرة الداخلية. شعراء التيار الذي حفر مجراه ضيقا، ولكن عميقاً، الى جوار التيار الأغلب. احتل هذا المسعى القسم الثاني من الكتاب.
يعرض هذا الكتاب الآراء المتضاربة في شرح مفهوم "علم العمران" الخلدوني، كثير من هذه الآراء والشروحات أعطت ابن خلدون الأولوية أو الفضل في اكتشاف جوانب عديدة من العلوم الاجتماعية. فهناك من يرى أن ابن خلدون هو "أول" من وضع أسس العلوم الاجتماعية، أو على وجه التحديد، إنه "مؤسس" فلسفة التأريخ، و"أول عالم اجتماع، والمفكر الذي وضع الأساس الرئيسي للأثنولوجيا، و"الرائد" ف يعلم السياسة، و"الأب" لعلم الاقتصاد، ومن أوائل من اهتم بدراسة علم الجغرافية البشرية وعلم التربية الاجتماعية.
يهدف هذا الكتاب إلى تقديم رؤية تفصيلية محققة للبسطامي، عن طريق اقتراح جمع كتاباته الصوفية التي تتركز في مساحة كبيرة منها في النص الشطحي الذي انتشر في البيئة الصوفية الإسلامية في القرن الثالث الهجري، واهتم الكتاب بتقديم موقف ايتمولوجي عن مفهوم الشطح، وعرض خصائص هذا النص الذي يرتبط بمضاعفات اللغة الصوفية ونظمها وبنيتها، عن طريق فحص علاقة هذا المفهوم بمحددات فكرة التأويل التي أنتجت بشكل أو بآخر جانباً فعالاً من المعرفة الإسلامية، وكشفت عن تجليات البناء المعرفي للظاهرة الصوفية.
يعتبر محمد الماغوط من أبرز الثوار الذين حرروا الشعر من عبودية الشكل. دخل ساحة العراك حاملاً في مخيلته ودفاتره الأنيقة بوادر قصيدة النثر كشكل مبتكر وجديد وحركة رافدة كحركة الشعر الحديث. كانت الرياح تهب حارة في ساحة الصراع، والصحف غارقة بدموع الباكين على مصير الشعر حين نشر قلوعه البيضاء الخفاقة فوق أعلى الصواري. وقد لعبت بدائيته دوراً هاماً في خلق هذا النوع من الشعر؛ إذ أن موهبته التي لعبت دورها بأصالة وحرية كانت في منجاة من حضانة التراث وزجره التربوي. وهكذا نجت عفويته من التحجر والجمود، وكان ذلك فضيلة من الفضائل النادرة في هذا العصر.
من بيت فلاح، ومن صميم الأسرة العصامية المكافحة انطلق الماغوط منتزعاً نفسه عن صدر أمه ليكون هبتها للوجود، ثم من بلده التي تعرت من كرومها، وبادلت ذهب السنابل ومساكب الورد وأصداء سوق الذرة وأنين المقاصب والصفصاف بموسم واحد من القطن، كان كفن الرغيف وإعصار الصحراء العاتي على كل أمل بعودة الحياة. ولما تهاوت الجذوع الهرمة، وسقطت عجائز الأشجار مودية بأعشاش الطيور، تقاوى على نفسه هذا الصقر المهاجر مرمماً جناحيه المهشمين منطلقاً من سفر عسير، وفضاء لم يدخر له أي شيء من الطقوس الرديئة. من العبث أن يستخدم لغة الكلام من أجل التحدث عن تلك الحقبة من عمره، فلعل ما علق من مزق الثياب، ومن بقع الرعاف وتشقق الأقدام على التلال والمقالع والمغاور والكهوف وفروع الأشجار المكشرة على التخوم ما يروي بمنتهى البلاغة والإعجاز بداية التشرد والتمرد والإصرار على لقاء الخلود. تتعدد أطياف الشعر عند الماغوط، تورف عرائشه على كل الجدران، وكمهندس بارع ما يني بوسع فتحة الفرجار على مدار واسع يشمل العالم كله والإنسان في كل مكان باعتباره آخر نتاجات الكون وأقدس من أن يداس. وكبناء مرهف خبير يضع الطوبة على الأخرى لينصبه في عقد القبة الكونية، ولسان حاله يقول: لتسقط كل الحضارات أمام طفل يفغر فاهه لقطرة من الحليب. يحاول الماغوط بكل ما أوتي من قوة الإحساس، وصدق المشاعر، وعمق المعاناة أن يجعل من الأدب شعاعاً قوياً يسلطه على الحياة من أجل اجتثاث المأساة من جذورها، واستئصال آفات الزمن الردئ. من غربته، من ثنايا وحدته، من كوابيسه المرعبة، والأشباح التي تقتحم لحظات رقاده القليلة، تطل عليك قصيدة الماغوط آخاذة جذابة، لا تتمالك نفسك من أن تنهال عليها كما ينهال الجائع البائس على الرغيف، والضال التائه على النجم الدليل تقرأها متسارعاً كما يتسارع نبض العدائيين، متسائلاً: أمام أية حقيقة ستضعنا سخرية الماغوط، وماذا هناك أيضاً من المفقودات الثمينة التي دفعت به لأن يقف في صحن محكمة التاريخ يهز ضميره، ويمسك بتلابيبه صائحاً: أوجدها.
مؤلف هذا الكتاب هو الشاعر والناقد العراقي محمد جواد الغبّان الذي ينحدر من مدينة النجف نفسها التي ينحدر منها الجواهري. تلقى تعليمه في هذه المدينة المقدسة، ونشأ في أحضان أسرة تهتم بالعلم والفقه وعلوم اللغة، شأن أغلب الأسر النجفية، فقد كان والده عبد الكاظم الغبّان شاعرا، وكذلك خاله محمد علي اليعقوبي، وهو وجد نفسه يميل إلى الشعر أكثر من أي شيء آخر، وقاده هذا الاهتمام إلى إصدار عدة كتب تتعلق بالشعر، فقد صدر له كتاب «المعارك الأدبية حول الدعوة إلى تحرير المرأة في الشعر العراقي المعاصر». وكذلك اصدر مجلدا في أربعة أجزاء تحت عنوان «مختارات الغبان من ديوان الشعر العربي»، وهو معجب إلى حد بعيد بشاعرين كبيرين هما المتنبي كشاعر قديم، والجواهري كشاعر معاصر، وكتابه «الجواهري..فارس حلبة الأدب» يأتي كنتاج لإعجابه بهذا الشاعر، وصداقته له، وقناعته بان الجواهري، ورغم الدراسات الكثيرة التي صدرت عنه، غير انه لم يأخذ حقه من الاهتمام، فمنجزه الشعري الوافر يحتاج إلى إعادة القراءة بصورة مستمرة.
ولهبوب الحكاية، صوت كصوت الألم الصغير، لهبوبها بداية متكئة على بعضها البعض، كعيني الأعمى، وهي –الحكاية- مثل سلاح شديد، وهما –العاشقان- سيدهنان جسديهما بطيب الملك، وبقدونس الشيخوخة اليانعة، سيغمسان شفتيهما الحمراوين في حكمة المزامير
شاهدت في قرية إيرانية نائية شيئاً من أقوى الأشياء التي شاهدتها في المسرح في أيما وقت مضى: مجموعة من أربعمائة قروي يجلسون تحت شجرة ينتقلون من هدير الضحكات الى النحيب العلني، رغم أنهم يعرفون تماماً نهاية القصة، فقد شاهدوا الحسين سابقاً وهو يتعرض لخطر القتل، وكيف كان بناور أعداءه، واستشهاده بعدئذ، وعندما يموت الحسين يغدو شكل المسرح حقيقة.
ينبغي أن يكون حذراً معها، فهي ليست مثل أية امرأة أخرى. يرفع يده عن خدها ويضعها على مرتفع فخذها.. يضعها متردداً، ثم يتركها ساكتة في مكانها. ترنو إليه في حياء. ثم تغمض عينيها ولا تتكلم. يمر الوقت وهما يرقدان هكذا متلاصقين، يده على مرتفع فخذها، وعييناها مغمضتان، كأنها نائمة تنتظر وجلة. عندما يحرك يده أخيراً يتصلب جسدها. تفتح عينين مفزوعتين، ثم تنتفض جالسة في الفراش. حركتها المباغتة، تجعله يجلس هو أيضاً، يتأملها حائراً. “ماذا حدث!؟ لماذا!؟”، “أشم رائحة حريق، كأنه عند الجيران!” يتشمم الهواء، ثم يقول، “معك حق، الرائحة قوية، كأن المدينة كلها تشتعل!
وقد بلورت هذه الإشكالية في الوقت نفسه روح البحث عن اليقين. وتميز هذا الروح في الحضارة الإسلامية بمفارقة احتوائه على الاختيار المجبور في تأمل أفعاله بوصفها بحثا عن الاعتدال. ولا يعني البحث عن اليقين هنا سوى معقولية الانتماء للأسلاف والاخلاص لحقيقة تجاربهم في العلم والعمل. وبذلت الحضارة الإسلامية في ميدان البحث عن اليقين والإعتدال أحد أجزاء روحها الكبير من أجل استكناه ذاتها وقد بلورت هذه الإشكالية في الوقت نفسه روح البحث عن اليقين. وتميز هذا الروح في الحضارة الإسلامية بمفارقة احتوائه على الاختيار المجبور في تأمل أفعاله بوصفها بحثا عن الاعتدال. ولا يعني البحث عن اليقين هنا سوى معقولية الانتماء للأسلاف والاخلاص لحقيقة تجاربهم في العلم والعمل. وبذلت الحضارة الإسلامية في ميدان البحث عن اليقين والإعتدال أحد أجزاء روحها الكبير من أجل استكناه ذاتها وموقعها في عالم الإبداع العقلي، وتقاليد الوحي النبوي، وبقايا الوثنية الغابرة. وهو استكناه رافق ولازم خلافات الأمة الناشئة واحترابها الداخليز وإذا كان الوعي الإسلامي اللاحق قد بذل قصارى جهده لاستلهام تقاليد الرحمة والإستغفار لما مضى، فانه وجد في الإختلاف أيضا " سنة الله" الدائمة في الوجود. وبهذا يكون قد حافظ على استمرار الوحدة المرنة لما يمكن دعوته ببراهيم الرحمة الميتافيزيقية وفعالية العقاب الفقهي. وهي وحدة استمدت مقوماتها من جدلية البحث عن اليقين والإعتدال، التي شكلت أحد الأرواح الثقافية للحضارة الإسلامية. من هذا المنطلق بحث الأستاذ هيثم الجنابي واقع الحضارة الإسلامية متناولا المواضيع التي تصب في دراسة مقوماتها كالواحدانية وتنوع الهويات وبين إشكاليات العقل والشرع ، والفلسفة والدين - نموذج الإعتدال الثقافي. تقييم النفس. "إفتراق الأمة" بين التاريخ والسياسة _ البحث عن اليقين العقائدي . "إفتراق الأمة" بين التاريخ والثقافة - البحث عن اليقين الروحي . "إفتراق الأمة" بين التاريخ والفكر - البحث عن يقين منهجي. الحقيقة العقائدية - قلق البحث عن اليقين. الحقيقة المجردة - قلق البحث عن الإعتدال. الروح الثقافي الإسلامي - البحث عن الروح الإنساني. نقد الأديان - البحث عن الوحدانية. النقد العقلي للأديان - تأسيس الوحدانية الإسلامية. "وحدة الأديان" - الأبعاد الروحية في الإعتدال الإسلامي.
عندما قيل مرة لأحد المتصوفة "من أي شيء هذه الآه؟" أجاب "من كل شيء!" وهو وصف يمكن تطبيقه على بقايا العراق ولسان حاله الواقعي. فقد أبقت التوتاليتارية والدكتاتورية عليه مراوحاً في مكانه وسرقت منه تاريخه الكلي من خلال سحقها لمعنى وقيمة التفاؤل بالمستقبل. إلا أن مفارقة العراق الحالية تجعل من الممكن، بل ومن الضروري أيضاً التفكير بإسدال الستار من أجل التخطيط لمشروع جديد. إذ لا شيء في العراق غير المستقبل! فكل ما جرى على حلبة تاريخه السياسي والاجتماعي في مجرى القرن العشرين يبدو عبثاً ومنافاة للعقل والحكمة. وها هو يقف وجهاً لوجه أمام ذاته الحقيقية، بعد انقطاع طويل من أجل البرهنة عل قدرته بأن يكون سيد نفسه. بمعنى قدرته على الانتقال من التوتاليتارية إلى الديمقراطية. وفي هذا الانتقال يمكن للروح العراقي التمتع الفعلي بنا يمكن دعوته بسيادة الأمل الدائم. وهي سيادة تفترض على الدوام مواجهة النفس، وتأمل التاريخ الذاتي، وتأسيس البدائل الواقعية للإشكاليات التي نواجهها. وفي هذا يكمن مضمون الرهان التاريخي للعراق ومعاصرة المستقبل فيه.