كان أبي وأمي ينظران إلى وجه نامابيا الضاحك بقلق صامت، وكنت أعلم علم اليقين أنّهما كانا يتساءلان في سرهما ما إذا كان ابنهما عضواً في عصابة أم لا. في بعض الأحيان كنت أجزمُ أنه ينتمي إلى إحداها. فأفراد العصابات يتمتعون بسمعة ذائعة الصيت، وسمعةُ نامابيا واسعةُ الانتشار. الصبيان الآخرون كانوا ينادونه بلق ب - «الجبان»- ثم يصافحونه يداً بيد، كلّما مرّ بهم، أما الفتيات، وبخاصة شلّة «الجميلات الكبيرات» المعروفة، فكنّ يعانقنه لأطول مدّة ممكنة، في كلّ مرّة يقلْن له مرحباً. كان يرتادُ جميع الحفلات، تلك الهادئة، في السكن الجامعي، وتلك الأكثر صخباً، في المدينة، وكان، بحقّ، الذكر المحبّب بين الفتيات، والذكّر المحبب بين الذكور، والشابّ الذي يستطيعُ أن يدخّن علبة روثمان كاملة في اليوم، بل واشتُهر بأنه يستطيع أن يحتسي صندوقاً كاملاً من البيرة، في جلسةٍ واحدة. وفي أحيان أخرى، كنتُ أظنّ أنه لا ينتمي إلى أي جماعة بعينها، لأنّ سمعته اخترقت الآفاق، وكان أسلوبه يتطلّب أن يصادق الصبيان من مختلف الانتماءات، وأن لا يكون عدواً لأحدٍ منهم. كما أنني لم أكنْ متأكّدةً أنّ شقيقي يمتلك حقاً المؤهّلات المطلوبة- الشجاعة وفقدان الأمان- للانضمام إلى عصابة ما. المرة الوحيدة التي سألته فيها ما إذا كان فرداً في عصابة، نظر إليّ بدهشةٍ، عبر رموشه الطويلة، الكثيفة، كأنما ليقول لي، ينبغي أن تعرفي أكثر من أن توجّهي سؤالاً كهذا، فقط ليجيب جازماً، «بالطبع، لا». عندئذٍ صدّقته. وأبي صدّقه أيضاً. لكن حقيقة أننا صدّقناه لم تغير في الأمر شيئاً، فقد أُلقي القبض عليه، ووجّهت له تهمة الانتماء إلى عصابة. وقد قال لي هذا- «بالطبع، لا »- أثناء أوّل زيارة لنا إلى قسم الشرطة، حيث زُجّ به في السجن
خلال السبعة وعشرين عامًا التي قضاها نلسون مانديلا في السجن، كان يقتلُ الوقتَ بقراءة الأدب النيجيريّ ذي الطبيعة شديدة الخصوصية والثراء والعجائبية. حتى إنّه وصفَ متعتَه بقراءة رواية «الأشياءُ تتداعَى» Things Fall Apart للنيجيري «تشينوا آتشيبي»، الذي لُقِّبَ بـ «أبو الأدب الأفريقيّ الحديث»، قائلًا: «بر فقته تتهاوَى جدرانُ المعتقل». وقد راهنَ آتشيبي على روائية نيجيرية شابة، لافتة الموهبة بحق، اسمُها تشيمامندا نجوزي آديتشي، من مواليد نيجيريا 1977. قال عنها آتشيبي: «آديتشي جاءتْ مكتملةً»، وهي شهادة كبرى من أديبٍ ذائع الصيت عالميًّا. استطاعت تشيمامندا، عبر روايتين بالإنجليزية، حصْدَ قلوبِ ملايين القراء من أرجاء العالم، وكذلك حَصْدَ العديد من الجوائز الأدبية الرفيعة. روايتها الأولى «الخُبّيزة الأرجوانية» 2003، فازت بجائزة «الكومنولث» لأفضل كتابٍ أولَ لكاتب 2004، ثم صدرتْ روايتُها الثانية، التي نقدِّمُها بالعربية هنا، «نصفُ شمسٍ صفراء»، «Half of a Yellow Sun» عام 2007، لتفوز بجائزة «الأورانج» البريطانية، وتبيع ملايين النسخ.
من هو ج. د. سالينجر؟ كاتبٌ أسطورةٌ، أم أسطورةُ كاتبٍ؟ عاش إحدى وتسعين سنة. رافقه هاجس الكتابة على مدى ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن.... r> اعتكف في صومعته في قرية كورنيش في منطقة نيوهمبشاير على ما يقرب من خمسين عاماً، من أجل التفرغ للكتابة، على حد زعمه. لم يخرج من معقله إلا لبضع سفرات اضطرارية وم حدودة. امتنع عن استقبال الناس في بيته باستثناء أفراد لا يتعدى عددهم عدد أصابع اليدين، وفي فترات محدودة جداً. رفض المساهمة في أي عمل يتطرق إلى سيرته الذاتية. على مدى عدة عقود، كان هدفاً لكل طامع في كتابة شيء عن حياته، ولم يسمح لأي فضولي بالاقتراب منه. خلال حياته كلها، كتب رواية واحدة وبضع قصص قصيرة. نُشِر البعض منها وبقي البعض الآخر نائماً في الخزائن، أو توارى في غياهب الضَّياع. روايته الوحيدة أصبحت أسطورة في عالم الأدب الأمريكي والغربي. وكذلك ما نُشِر من قصصه القصيرة. ألَيْسَ كلُ هذا سبباً كافياً لدفع كاتب جريء مثل ديني ديمونبيون للمخاطرة والبدء في مشروع التغلغل إلى حياة سالينجر الحميمية؟ ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟
لا يعمل المؤلف، وهو يصف الأحداث الحقيقية، في فراغ. إن نقده للأحداث التي تتسبب في (أو أحياناً تمنع) حدوث نتائج مثيرة، يعتمد على أعمال من سبقوه، ابتداءً من الكتبة اللاتينيين القدماء إلى المراسلين الصحفيين في وقتنا الحاضر، على الرغم من تعرضهم إلى محاولات التقليل من شأنهم أو قمعهم في كثير من الأحيان. وم ع ذلك، فقد تم سرد كل شيء جرى بعد الحدث! يمكن مقارنة التأثير التاريخي الذي أحدثته بعض الأحداث، على الرغم من أنها كانت صغيرة نسبياً، بتأثير المعارك الضخمة التي لا تزال تختزنها الذاكرة الحديثة. وعلى سبيل المثال، في حين أن معركة غابة تويتوبورغ، الحاسمة بين الألمان والرومان التي جرت وقائعها في سنة 9 م شهدت مواجهة بين حوالي أربعين ألف محارب قاتل بعضهم البعض الآخر، لكن معركة موسكو في عام 1941، شهدت تدمير أربعين ألف مدفع، وموت الملايين من الجنود. ومع ذلك، وسواء كانت تلك الأحداث كبيرة أم صغيرة، فإن كل واحد منها شكل منعطفاً تاريخياً. لقد طلبت النصيحة من المؤرخين البارزين في الوقت الحاضر لتوجيهي في خياري. واعتمدت على أعمال أخرى، مثل أعمال المؤرخ الروماني تاسيتس، فهي محفوظة جيداً ويمكن العثور عليها في المكتبات الرئيسية.
تندرج رواية «المد الهائل» ضمن أدب الخيال العلمي، وقد نشرها «ألكسندر كي » عام 1970 . وهي تحكي قصة كونان، صبي يعيش بمفرده على جزيرة صغيرة بعد أن أحالت الحرب العالمية الثالثة الأرض دماراً بفعل الأسلحة المغناطيسية. حينها انقلبت محاور الكرة الأرضية، وغَرِقَت القارات في المحيط، ولم يبقَ منها سوى بضع جزر صغيرة. بعد أن نجا كونان من تلك الكارثة المؤلمة التي حلت بالأرض، وجد نفسه في عالم جديد مختلف تماماً عن العالم الذي عرفه من قبل. تتنقل أحداث الرواية بين عالَمَي كونان ولانا عقب انتهاء الحرب المُدَمِرة. كان كونان يعيش وحيداً في جزيرة نائية، ولانا تعيش في «هاي هاربور» مع خالتها مزال وعمها الطبيب «شان» زوج «مزال». بعد مرور خمس سنوات على النجاة، يعثر طاقم سفينة النظام الجديد على الجزيرة التي يقيم فيها كونان، وقد ناهز السابعة عشرة حينها، فيسوقونه أسيراً إلى مدينة «إندستريا » للعمل فيها وخدمة المسؤولين عنها. يلتقي هناك ب «تيتشر» المتخفي بشخصية باتش، الرجل العجوز الذي يصنع القوارب في «إندستريا»، ويجيد التواصل عن بُعد مع ابنته «مزال». وقد تعمّد «تيتشر » إخفاء اسمه الحقيقي، «برياك روا»، ذلك أن قادة النظام الجديد في بحث مستمر عنه، بغية أَسْرِه والحصول على ما لديه من معارف لإعادة ابتكار التكنولوجيا التي كان العالم القديم يمتلكها
لا يترك الكاتب والروائي الكولومبي أنتونيو غارثيا آنخيل مساحة في جمله القصيرة، وانتقالاته الفجائية بين الحلم والواقع، تفصيلاً من تفاصيل حياة مدينة بوغوتا اليومية إلاَ وتوقف عنده أو أسهب في وصفه في روايته هذه «تداعٍ »، أقل مايقال عنها حكاية لصورة مقصودة عن تلك المدينة المتأرجحة بين مشاهد الفقر وملامح ثقافة العولمة وظلالها. متوالية من المشاهد اليومية المتكررة بين أمكنة المدينة عمد الكاتب إليها من أجل تكريس وجودها وتأكيد هويتها، فضلاً عن محاولة حثيثة منه لجعل مدينته حاضرة على امتداد أحداث الرواية، فهو يجيد التنقل في المشاهد والأحداث، بل يصر على ذلك، عبر فضاءات المدينة المفتوحة والمغلقة على حد سواء.. إذن هي رواية «مدينة » وهذا ما يؤكده أنتونيو غارثيا آنخيل نفسه عندما يذكر في إحدى المقابلات قائلاً: «نعم إنها رواية مدينة، إنها بوغوتا »، بوغوتا التي عاش فيها أكثر من نصف حياته، يقدمها في صورة تعكس حياة واقع الطبقة المتوسطة التي ينتمي اليها «خورخه» شخصيتها الرئيسة، المقتحمة بعمق لهذه المدينة والمكتشفة لأجزاءٍ مدهشة من عالمها. وصفت هذه الرواية بأنها «كافكاوية» بامتياز إذ إنها تعيد خلق حياة شخصية «خورخه » الشبيهة بشخصية «غريغوريو» بطل رواية المسخ للكاتب الألماني فرانز كافكا، حيث يواظب خورخه على التحرك في حلقة من الأحداث اليومية الروتينية التي تتخللها مشاهد درامية بسيطة لا تخلو من عجائبية تأتي إما بصورة أحلام أو أحداث تتداخل فيما بينها بنحو غير محسوس، وتندمج مع مشاهد فرعية أخرى تكثف من عجائبيتها لتُوقع قارئها في حيرة البحث عن خيوط الحقيقة.. لكن تداخل الأحداث مع الأحاديث سرعان ما يضعنا أمام فانتازيا أو غرائبية تخرجنا بين الحين والآخر من شعور بالملل والحزن وإحساس بالوحدة والرتابة يلازمنا حتى آخر مشهد في الرواية. وُصفت رواية «تداعٍ » بأنها واحدة من أفضل الروايات التي صدرت في كولومبيا في العام 2016
المرأة المحطّمة: ثلاثيّة روائيّة قصيرة مثّلت علامة فارقة في عالم سيمون دو بوفوار الابداعيّ ، حيث قطعت بها مع كتابة السّيرة للمرّة الأولى ، لتدخل عالم المتخيّل ، عالم الآخرين من وجهة نظر مُحايدة. ولئن بدا أن الكاتبة قد فسحت المجال لثلاثة نماذج من النساء للتعبير عن أنفسهنّ بحرّية وحياد كما أسلفنا ، ف إنها في الواقع قد منحتهنّ قلمها وهمومها لتُبدي من خلالهنّ رأيها في الوجود وفي أعداء المرأة الثلاثة : المجتمع والأخرى والسنّ. جراحة دقيقة نجحت فيها سيمون دو بوفوار بأسلوبها السلس والسهل والعميق ، وبفلسفتها الملموسة المتاحة للجميع. هي روايات قصيرة لكنّها قاسية ومؤثرة للغاية ، حاولت فيها المرأة وبكت وتوعدت وتمزّقت وخارت قواها وقاومت وانهارت في الأخير ، لكن لاتهرب أيها الرجل ، هذه ليست كتابة نسوية مبتذلة حيث المرأة تصرخ في سعار غير مفهوم مطالبة بالألوهية على الأرض ، نحن إزاء واحدة من أعظم وجوه الثقافة الفرنسيّة ، التي لم تكتسب لقبها محاباة او مجاملة ، بل لأنها كشفت للمجتمع وللمرأة على وجه الخصوص عيوبها و جانبها من المسؤولية في فشلها أو عجزها أو تشييئها. لقد تحدثت عن العلاقة الزوجيّة ، ما يعني أن الرجل سيجد نفسه أيضاً في هذه الروايات ، سيرى نفسه بعيون نسائيّة ، سيكتشف أنه رجلٌ لأن المرأة في الوجود ، فكأن نجاحه ورغباته وثراءه وقوّته ميّتة بلا روح لولا المرأة. فهي التي إن شاءت كانت السائل الذي يتخذ شكل الإناء أو الخزّاف الذي يحدد للإناء شكله. ألم تقل دو بوفوار في إحدى المناسبات عبارتها الشهيرة : (( نحن لا نولد نساءً ، نحن نصبح كذلك )) ،
لأولئك الذين تدفعهم شهيّتُهم للكلمة المكتوبة إلى قراءة كلّ ما تقع عليه أعينُهم، أو الذين يدلّلون كتاباً قديماً كما يداعبون أطفالهم، أو مَن تفتنهم رائحةُ الورق والحبر, "من كتبي: اعترافاتُ قارئةٍ عاديّة" يقدّم رحلةً ميدانيّةً مشوّقةً إلى عالم الثقافة وهوس القراءة. آن فاديمان، الفائزة بجائزة National B ook Critics Circle Award والمحرّرة في مجلّة The American Scholar ، تقدّم لنا الكتبَ من خلال عينيّ القارئة – لا الكاتبة - كعشّاق من لحم ودم أحياناً، وأحياناً كأداة لتثبيت الباب، وأحياناً أخرى كوجبة خفيفة للأطفال الجائعين. "من كتبي" هو كتاب عن الكتب يدعونا لاستكشاف ذاتِنا العاشقةِ للقراءة من وجهة نظر مختلفة، تتنقّل فاديمان فيه بأناقة ومرح ما بين عادات عشّاق الكتب الغريبة، إلى الطرائف عن المؤلّفين، وإلى ذكريات عنها وعن عائلتها. " من كتبي: اعترافاتُ قارئة عاديّة" هو احتفاءُ القارئ الأصيل بالكتب التي أصبحت فصولاً من حياته.
روديارد كبلنغ (1865 - 1936) "Rudyard Kipling" كاتب وشاعر وقاص بريطاني ولد في الهند البريطانية. من أهم أعماله "كتاب الأدغال" 1894. مجموعة من القصص، تحوي قصة "ريكي تيكي ريڤي"، و"قصة كيم" 1901 "عبارة عن مغامرة". كما ألف العديد من القصص القصيرة. منها الرجل الذي اصبح ملكاً 1888. من لا يعرف من العرب الشاع ر والقاص والكاتب البريطاني راديارد كيبلينغ، يعرف مقولته الشهيرة: «الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا أبدا ». هذا الحسم الأيديولوجي من جانب صاحب «كتاب الأدغال ، جعلته في نظر الكثيرين الناطق الثقافي باسم النزعة الإمبراطورية (الاستعمارية) البريطانية، وبسبب مواقفه المستمدة من هذه المقولة أطلق عليه جورج أورويل لقب «نبي الإمبراطورية»، وإن كان قد أبدى احترامه الشديد له في وقت لاحق بسبب موهبته الأدبية التي لا تضاهى. كيبلينغ هذا، وبهذا الوصف تحديداً، يعود حالياً –عودة الابن غير الضال– ليتصدر الاهتمام الأكاديمي البريطاني، وكأنه يخضع لاكتشاف جديد. فالنزعة الممتدة إلى خارج حدود الجزيرة الإنجليزية، وما تواجهها من تحديات تجعل من المتحمسين لها يبحثون عن مبرر ثقافي يسوّغ لهم توجهاتهم، أو أيقونة يرصعون بها مراميهم التي أصيبت بالضمور خلال العقود الماضية ولعل الصدفة وحدها، هي التي جعلت كيبلينغ قبل عامين يعود إلى صدارة الاهتمام، فمن دون سابق تصميم عثر الباحث الأميركي توماس بيني على نحو 50 قصيدة لراديارد كيبلينغ في محفوظات عائلته أثناء أعمال الترميم في أحد منازله في مانهاتن، وقد تم كتابة بعض هذه القصائد خلال الحرب العالمية الأولى والتي خسر كيبلينغ بسببها ابنه.
ونْستون تشِرشل السّياسي وَالزَّعيم البريطاني الشهير أحَد أبطال الحَرب العالميّة الأولى بَطَل الحرَب العالميَّة الثانيَة الأديب المفكّر الرّسام الحائز على جَائزة نوبل العَالميّة للأدب. والذي حاول أن ينافس برناردشو هو صاحب هذه الرّواية في: الحُبّ والاجتماع والسّياسة وشؤون الحَياة في هذه الرّواية تحدّث تشرشل عن: • قيَم الحياة الكامنة في الحُبّ. • المفكّرين وأصحاب المُثُل الرفيعة. • موقف الشّرفاء من الحرب والقتل. • موقف الانتهازيّين من الناس. يكشفُ النّقَاب عَنْ: • حقيقة رجال السّياسَة. • حقيقة أهل «الغيرة » على مصَالح الأوطان والخير العامّ. • حقيقة العامِلين لمصالحهم الخاصّة تحت شعارات برّاقة. • طبيعة الجماعات في الانقلابات والثورات والمنازعات. موقف الجماعات من الصّادقين ومن المنافقين الانتهَازيّين. وَيُدَوِّن خبرته الواسعَة عن: • معاني الطّموح للسّلطان. • قيمة الفكر في كلّ عملٍ اجتماعي وإنساني. وَيروي أشيَاء كثيرة أخرى.
هذا الكتاب، وفقًا لـ (سارتر)، أفضل ما كتبته على الإطلاق. لقد نقلت فرانسواز دو بوفوار(والدة سيمون) إلى المستشفى بعد سقوطها في الحمام. وبسرعة جداً، تم الكشف عن سرطان الأمعاء الدقيقة ويتضح أنه كان سرطانًا واسع النطاق. تمضي كل من سيمون دو بوفوار وشقيقتها بوبيت مدة ثلاثة أشهر تتناوبان إلى جانب والدتهما، وتشهدان لحظاتها الأخيرة. تستحضر الكاتبة موضوعات القتل الرحيم والإرهاق العلاجي: إنها تعرف أن والدتها محكوم عليها لكنها لا تزال مغلوبة على أمرها، واهنة أمام الأطباء الذين يمارسون طغيانًا على مريضهم الذي لا يمكن تبريره إلا بالشفاء. تستحضر سيمون الموت، من وجهة نظرها المعروفة، ومن وجهة نظر والدتها المؤمنة. وتعيد النظر في أسرتها والدور الذي لعبته فيها؛ وهي ككاتبة معروفة ومميزة اقتصاديًا: كانت «الابن » بطريقة ما لدعم والدتها مالياً. في هذه الرواية تستحضر ردود أفعال والدتها، المرتبطة جداً بالقيم البورجوازية، أمام عملها وحياتها ككاتبة ملتزمة. أخيرًا، وكما ترى بوفوار، تراقب ظروف عمل الممرضات وظروف المرضى المعيشية. ربما قدمت سيمون دو بوفوار نفسها، في هذه الصفحات الصغيرة المئة والستين، إن لم يكن الأفضل عن حياتها، «على الأقل الأكثر سرية ». كما يقول بيير هنري سيمون، من الأكاديمية الفرنسية، في مقال له في صحيفة اللوموند. «إن سيمون دو بوفوار، التي نعلم إخلاصها وشجاعتها، تكشف عن حساسية وحنان. مفرطين » (إميل براديل، المدرسة المحررة- العدد الأول: 1964).
ظلت ميدييا مينديس (سينوبلي لقبها قبل الزواج) – إذا ما استثنينا أختها الصغرى ألكسندرا التي انتقلت إلى موسكو في أواخرالعشرينيات – آخر امرأة يونانية أصيلة في العائلة التي استوطنت في العصور القديمة شواطئ آرتميس التي تنتسب إلى هيلاس. وكانت أيضاً آخر شخص في العائلة حافَظَ على اللغة اليونانية تقريباً، تلك العائلة التي ذادت عن اليونانية الحديثة على مدى الألف عام نفسها التي تبعد فيها اليونانية القديمة عن هذه اللهجة البنطية من القرون الوسطى التي لم تبقَ محفوظةً إلا في المستعمرات التاوريسيَّة. منذ زمن بعيد لم يكن لديها مَن يتكلم معها بهذه اللغة البالية والجهورية الرنانة، التي أنتجت معظم المصطلحات الفلسفية والدينية وحافظت على المعنى الحرفي والمعنى الأصلي للكلمات: حتى الآن بهذه اللغة يُسمى المِغسَل كاثارية، والنقل– ميتافوريسيس، والطاولة- ترابيزة. أما اليونانيون التاوريسيون، من أتراب ميدييا، فقد ماتوا أو هُجِّروا، في حين بقيت هي في شبه جزيرة القرم، كما تقول هي نفسها، برحمة من الله وفضل منه، لكن جزئياً بفضل لقب العائلة الإسباني الذي تركه لها زوجها الراحل، طبيب الأسنان اليهودي المرح، الرجل ذو العيوب الصغيرة لكن الملحوظة، والفضائل العظيمة ولكن الخفية بعمق. لقد ترمَّلَتْ منذ زمن بعيد، لكنها لم تتزوج مرة أخرى، وبقيت محافظة على الإخلاص لصورة الأرملة بارتداء الملابس السوداء التي لاءمتها وبدت جميلة فيها. خلال السنوات العشر الأولى كانت ملابسها كلها باللون الأسود لاغير، ثم خفَّفَت إلى بقع بيضاء خفيفة، أو نقط صغيرة، كل شيء باللون الأسود. الشال الأسود يلف رأسها ليس على الطريقة الروسية ولا على الطريقة القروية، كانت تربطه بعقدتين طويلتين، إحداهما تمتد على الصدغ الأيمن. والطرَف الطويل للشال ذي الطيات الإغريقية العتيقة الصغيرة انسدلَ على الكتفين وغطى عنقها المجعد. كانت عيناها بنيتين صافيتين وجافتين، وبشرة وجهها الداكنة ذات تجاعيد صغيرة أيضاً.