سَهلٌ أن تَفهم ما يظ نالناسُ أنهم يَفعلونَه. كما لا يَصعبُ على الفِطرة السليمة اكتشافُ ما يَقصدُونه حقّاً. وما يَذخرُون به عادةً من خِدع وحِيَل وابتزازٍ عاطفي ومكرٍ إجرامي بمختلفِ الطرقِ الممكنة، ليس جديراً بالدراسة. مرّت سنوات منذ فقدتُ الاهتمام ب « عِلم نفس الحياة اليومية » وما يُثيرهُ من أفكار عن القصةِ الكامنة خَلفَ القصة. لأن زلَّة اللسان التي تعيدُكَ إلى الهُوَ، ليستْ بحاجة إلى مزيد من الإثبات. أراهنُ أن فرويد كان أحدَ أكثرِ الرجالِ عبقريةً في تاريخ البشر، لكني لم أحصل على أيّ فائدةٍ من تطبيقِ نظامه أكثر من فائدةِ استخدامي لحجَّة (وليم بيلي) «صانع الساعة» باستعارته عن الكون، تُضبط الساعةُ في البداية، ثم تُتَكْتِكُ لمليارات السنين. طالما هناك شيءٌ واحد لنَفترضَه، فإن شخصاً ما سيكون متأكداً من صحَّته (في حالة «صانع الساعة» كان رجلَ دين إنجليزي في القرن الثامن عشر). أن أكون معروفاً، لم يكن بالأمر ذي الأهمية الخاصة بالنسبة لي أبداً. ولا أشعرُ بأني صَعبُ الاكتشافِ لمراقبٍ جيد. عندما أُسأل، أجيبُ بأني أعيشُ في شيكاغو وبأني شِبهُ متقاعد، لكني لا أولي اهتماماً لتحديد مهنتي. وليس لأن هناك ما أخفِيه. لكن بي شيئاً يوحي بالغموض. شَكلي صيني
هذه القصص التي اختيرت من أربع مجموعات صدرت إحداها في الستينيات، والثلاث الأخرى في السبعينيات من القرن العشرين، كُتبت أو صدرت كلها، خلال النصف الأول من القرن العشرين. ومن المعروف أن هذا النصف الأول الذي نشبت فيه حربان عالميتان هو زمن الحداثة (Modernism). وبما أن هذه الحركة كانت قطيعة مع التراث، مع ما ترسّخ فيه من أفكار سياسية واجتماعية ودينية وأدبية، فإن الثقافة الغربية عموماً- والقصة القصيرة بالطبع- قد شهدت تغيرات عميقة. يرى مؤرخو الأدب أن القص قديم ومتنوع بالأصل، إلا أن القصة القصيرة التي يعتبر إدغار ألان بو (Edgar Allan Poe) (1809-1849) مبتكرها، لم تصبح نوعاً أدبياً إلا في القرن التاسع عشر. ومنذ مطلع القرن العشرين حتى منتصفه، برز مئات الكتاب، وكتبوا آلاف القصص القصيرة التي اتصفت بالتنوّع والتعقيد. وكان لأهمّ الدوريات في بريطانيا وأمريكا دور كبير في ترويج هذا الفن الحديت وتشجيع مبدعيه. وفي هذه المرحلة، أهمل الكتّاب أساليب الكتابة المتواضَع عليها في القرن التاسع عشر (الواقعية والطبيعية)، وعكفوا على ابتكار أساليب جديدة، وعدل أكثرهم- وربما أبرزهم- عن استكشاف عالم الواقع إلى استكشاف عالم النفس، أو عن تصوير الصراع الخارجي إلى تصوير الصراع الداخلي، متأثرين باكتشافات علم النفس في المقام الأول. غير أن أعمال أولئك الكتاب لم تلْقَ اهتماماً متساوياً من القراء في مراحل لاحقة. وفي هذه المجموعة المختارة سوف يكتشف القارئ نماذج من القصة النفسية، والقصة المتخيَّلة، أو الفنتازية، والقصة المحليّة، والقصة التربوية، إضافة إلى قصص أخرى لم تقطع صلتها تماماً بالتراث التقليدي (الرهينة، إشعال نار، حب الحياة). كما أنه سوف يطّلع لا على بعض ما أنجزه تجريب كتّاب هذه القصص في الشكل فحسب، بل على ملامح من رؤيتهم الجديدة للحياة أيضاً.
في هذا الكِتاب، أقدّمُ بين أيديكُم قصّةَ الهورلا. وهي قصّةٌ من أعجَبِ ما كتبَ موباسان. ففضلاً عن أنّها تُعدُّ من قِبَل نقّادٍ كُثُرٍ سرداً لما اختبرهُ موباسان من تهيؤاتٍ في طريقِهِ إلى الجنون.. فإنّها تُعتبرُ أيضاً إحدى أهمّ ما كُتِبَ في فنّ القصّة القصيرةِ على الإطلاق. فمِنها سينهَلُ القارئُ الجادُّ دروساً في طبيعةِ الحياةِ، وسيغوصُ في أعماقِ العقل البشريّ المضطربِ ليرى فيهِ العجَبَ ويُدركَ جهله. وقد يؤكّدُ ما لِهذهِ القصّة البديعةِ من أهميّةٍ في عالمِ الأدبِ والنّقدِ، أنّ النّاقِد البريطانيّ الشهير هارولد بلوم قد عدَّها في كِتابِهِ: (كيفَ نقرأ ولماذا؟) واحِدةً من أهمّ ثماني عشرةَ قصّةٍ قصيرة. وإنّي أرى أنَّ على القارئِ – قبلَ أن يشرَعَ بقراءةِ القصّة – الإحاطة بمعنى عنوانِها «الهورلا». فما هي الهورلا؟ في تفسيرِ معنى الهورلا (Horlà)، سنجِدُ شيئاً من الغموض. لأننا حينَ نفتّشُ في الفرنسيّةِ فلن نجِدَ هذه الكلمة. ولكن، إن قسَمنا الكلمةَ إلى نصفَين: (Hors) و(là) فستتّضِحُ الصورةُ أكثر. حيثُ أنَّ كلمةَ (Horsتعني: (خارِج) أو (منفصِل). وكلمة (là) هي اسمُ إشارةٍ يدلّ في الفرنسيّة على البعيد (هُناك). وبذلك، يُصبحُ معنى الهورلا (Horlà) هُوَ: (الذي هُناك) أو (المنفصِل هُناك). وبشكلٍ أكثَرَ دلالةً، يمكننا أن نقولَ بأنّ الهورلا تعني: اللامنتمي. هذا أحدُ التفسيرَين. أمّا التفسيرُ الثاني فيقدّمُهُ النّاقِدُ هارولد بلوم في كِتابِهِ آنِفِ الذِّكر. فيهِ يطرحُ بلوم تفسيراً هو أقربُ للظنّ منهُ لليقين.. وهُوَ أنّ بطلَ قصّة الهورلا هُو رجلٌ مريضٌ بالزّهريّ (مثل موباسان) وقد هوى بهِ مرضُهُ في بئرِ الجنون. وبالتالي، يعتقِدُ بلوم أنّ كلمة هورلا (Horlà) هي مجرّد تلاعب لفظي مقصود، أرادَ بهِ موباسان توريةَ المعنى الحقيقي الذي قصَدَهُ، وهوَ الكلمة الإنجليزية: هُور (Whore) والتي تعني: عاهِرة. وبهذا الرّبط يقصِدُ بلوم أنّ مرضَ الزّهريّ (الذي هوَ مرضٌ تناسليّ ينتقلُ عن طريقِ الجنس) هو مِحور القصّة الحقيقيّ ومنبعُ هلاوِس بطلِ القصّة – كما قيلَ أنّهُ منبعُ هلاوس موباسان ذاتِه.
سورين كيركغارد سيرة حياة كان الأسقف مارتنسن في مقره الرسمي ، يقف خفيّاً بعض الشيء وراء ستارة . وكانت فتحة النافذة تطل على مشهد رائع عبر الميدان المجاور ل (كنيسة سيدتنا) مع وجود المدرسة المتروبوليتانية في الخلفية وجامعة كوبنهاغن على اليسار والكنيسة سيدتنا » نفسها على اليمين ، كان يوم أحد ، ۱۸ تشرين ا لثاني / نوفمبر ۱۸55 قبيل الساعة الثانية بعد الظهر . وفجأة اندفع عملياً حشد من الأشخاص المتلفعين بالسواد خارج الكنيسة متجمعين أولاً في حلقات صغيرة قبل أن يختفوا في كل الاتجاهات . بعد ساعتين شق القلم الأسقفي المتفجر غضباً طريقه على صفحات رسالة إلى تلميذ مارتنسن وصديقه القديم منذ سنوات عديدة لودفيغ غودي الذي كان راعي أبرشية في هوسيبي في جزيرة لولاند قائلا فيها : اليوم بعد قداس أقيم في كنيسة سيدتنا العذراء دُفن كيركغارد . وكان هناك موكب كبير من المشيعين ( بطريقة مهيبة ، يا لها من مفارقة ! ) فنحن نادراً ما شهدنا فظاظة تضاهي فظاظة العائلة بدفنه يوم أحد بين صلاتين دينيتين أقيمتا في أهم كنيسة في البلاد . ولكن منع ذلك بقوة القانون كان متعذراً رغم أن منعه كان ممكنا بالسلوك المناسب الذي يفتقر إليه ترايدي هنا كما في كل مناسبة يكون مطلوباً فيها . تحدث شقيق كيركغارد في الكنيسة ( بوصفه شقيقاً وليس راعي أبرشية ) . وهنا لا أعرف أي شيء بالمرة عما قاله وكيف قاله .
كان ستيفان تسفايج، مؤرخاً دقيقاً واسع الاطلاع. روائيّاً واسع الخيال قويّ الأسلوب، وعالماً نفسيّاً فهم الطبيعة البشرية ووقف على الكثير من أسرارها واتجاهاتها. وكان إلى ذلك كله فناناً مرهف الحس، يعشق الجمال ويؤمن بعظمة الإنسان وقيمة النفس البشرية. ومن هنا، كان يبغض «الدكتاتورية » في صورها المختلفة الظاهرة والخفية، ويتألم أشد الألم لأساليب العنف والظلم والاضطهاد.. كانت التوابل هي الهدف الأول للرحلات الشاقة الطويلة التي يقوم بها التجار الغربيون إلى الشرق. فمنذ أن ذاق الرومانيون في أثناء غزاوتهم طعم التوابل الشرقية المختلفة، بين حارة ومخدرة، ولاذعة ومسكرة، أخذ استعمال هذه التوابل في إعداد الطعام ينتشر بين أهل الغرب حتى صار ذلك عادة متمكنة يصعب إقلاعهم عنها. وكان الأوروبيون في القرون الوسطى يجهلون الليمون الحامض. وكان كبارهم وأغنياؤهم يرون أن لذة الطعام في الإكثار منه، ثم تبين لهم فجأة أن نزراً يسيراً من البهار أو القرفة أو الزنجبيل أو غيرها من التوابل يكفي لإكساب الطعام نكهة لذيذة لا عهد لهم بها من قبل، فأصبحوا لا يقبلون على غذاء ما لم يمزجوه بالتوابل الشرقية، بل صاروا يخلطون شرابهم بها أيضاً! وكان ثمة هدف آخر لتلك الرحلات، هو الحصول إلى جانب تلك التوابل اللازمة للطعام، على أنواع العطور العربية الجديدة من المسك والعنبر وماء الورد وغيرها، مما اشتدت إليه حاجة النساء في ذلك العصر، بل شاركتهن الكنائس في الحاجة إلى تلك المنتجات الشرقية، بحكم استهلاك كميات كبيرة من أنواع البخور التي تجلب من بلاد العرب، بالطرق البحرية أو البرية الطويلة.
أنهت حكايتها. أحس أن كل ما يمكن أن يقوله سيكون بلا معنى. الشيء الوحيد الذي كان يمكن أن يقوله هو أنه غارق في حبها. لكن شجاعته خانته. خاف أن يبدو كنهّازِ للفرص، فالحب قد يملي الكثير من الانتهازية في لحظات ضعف من نحب. لم يفكر حتى أن يسألها عن تفاصيل ما حدث بعد ذلك، كيف كانت ردود فعل كل من لهم علاقة بهما؟ كل ما كان يشغله في تلك اللحظة، أنه يحب هذه المرأة التي تروي له قصة حبها لرجل آخر. وجد نفسه يتساءل، هل يمكن أن تحبه كما أحبت حبيبها الأول؟ تحايل على نفسه بمقولة أن الحب لا يتكرر بنفس التفاصيل لأنه كالنهر يتغير باستمرار. رغم ذلك، أحس بشيء من الغيرة من ذاك الحب الذي عاشته في سنين شبابها المبكر، حبها الأول الذي ملأ دنياها وانتهى نهاية درامية تصلح لأن تكون فيلماً سينمائياً من زمن الأبيض والاسود. حاول أن يتخيل ذاك الحبيب الذي مات وتركها في حزن تلّبسها لسنين، وجعلها ترفض فكرة الارتباط برجل غيره، وصارت أمها تقول لها كلما رفضت عريساً: «على كيفك يمه. شو بدي أقول، بكرة لما يجي نصيبك رح ترضي وعلى رأي المثل، خلي العسل بجراره لتيجي أسعاره.»
أردت في هذا الكتاب أن أثبت بالكلمات واقعا هاربا، ومن خلال الكلمات أعطي هذا الواقع معنى ما. المكان كان هاجسي ووسيلتي، لكنه يهرب مني حين أغيب عنه إو أعود إليه. بين ذاكرة الصور وذاكرة الكلمات لم تأتني هذه الأمكنة وحكاياتها وأنا مستلق على قفاي، ولا هي اخترقتني وأنا أسير في منفاي ساهياً عنها. لكي أتذكرها وأدرك جوهرها الخفي ذهبت أنا إليها، وبالأصح غرزت رأسي فيها ووجدت أن الأمكنة ليست وجودا شعريا ساكنا وحسب، هي في جدل مع الزمن ومع ساكنيها. التقاطع والتوازي بين الزمان التاريخي والزمان الآني، بين المتذكر والمتخيل.. هذا ما يعطي للزمان والمكان الذي يحتضنه لحما ودما. هل يمكن للتأريخ أن يخرج من التجريد ويصبح عيانيا أقرب للرواية؟ ما يعطي المعنى للأمكنة في هذا الكتاب هو ما فيها من رموز وذكريات، إنجذابات، واتصالات. أحببت وأنا أكتب عن الأمكنة أن تكون حاضرة أمامي لذلك عدت إليها ماشيا لوحدي وأحيانا من دون رفقة وفي جو الخطر لأفرغ حواسي فيها ولها. أردت أن أمشي الهوينى مع الأفعال اليومية العادية على إيقاع الناس وهم يتجولون في شوارع (الكرادة) أو (البتاويين) أو في مولات (زيونة) أو بين باعة الخردة الجالسين في يوم جمعة شتائي مشمس في (الميدان). تابعت أفعال البيت والشارع التي تشكل رتابة واستمرارية الأفعال العادية، كما أردت أن أمسك في ذاكرتي الأحداث الكبيرة التي غيرت التأريخ الذي عشته مثل سقوط الصنم في (ساحة الفردوس) الانفجار في(الكرادة) والتظاهرات في (ساحة التحرير).. أرى المشهد في اتساعة وأنزل لأدقق في تفاصيله ورموزه. وخلافاً للرؤية الوجودية في توصيف الآخر ب «الجحيم» وجدت الثراء في علاقات الفرد بالناس الأخرين في المكان الذي يجمعهم. كل فرد بذاته إنما هو نقطة تقاطع لعدد من العلاقات التي تتداخل عبر الأفراد وتقوم فيهم وتتجاوز حياتهم.
يسلط المؤلف الضوء على عدد من الشخصيات العراقية التي عاصرها وحاورها من أمثال محمد مهدي البصير وشمران الياسري، والسياب وجلال الحنفي وكوركيس عواد ومير بصري وغيرهم،
تحتل ووكر موقعا استثنائيا في تاريخ الكاتبات الأمريكيات المنحدرات من أصول إفريقية... إن معبد تابعتي عمل مذهل. – مجلة Essence بعد ظهورها الأول عام 1990. ظلت معبد تابعتي، رواية أليس ووكر التي هي تكملة لأيقونتها اللون أرجواني، على مدى ما يربو أربعة أشهر على قائمة أفضل المبيعات في نيويورك تايمز وساهمت في توطيد مكانتها وسط أهم الكتاب في أمريكا. يتماوج القالب الرؤيوي للشخصيات بين الماضي والحاضر في آن معا، في نسيج معقد بأسلوب رائع من سرد الحكايات. يحكي التركيب الناتج قصة المعدمين والمشردين، بشر تاريخهم موغل في القدم ومستقبلهم مجهول. من بينهم ليزي، امرأة ذات ماض متعدد؛ أرفيدا، عازف الغيتار الشهير، وزوجته الأمريكية اللاتينية التي أرغمت على الهروب من موطنها؛ سويلو، مدرس التاريخ الذي يدرك إهمال أنباء جيله من الرجال للمرأة، وزوجته السابقة فاني، الواقعة بحب الأرواح. تجوس السيدة سيلي وشوغ فوق حكاياتهم عن قرب، الشخصيتان المحبوبتان من رواية اللون أرجواني. على حد وصف المؤلفة رومانسية آخر خمسمائة ألف عام، تلاحق معبد تابعتي هذه الشخصيات متشابكة العلاقات، معظمهم ينحدر من أصول إفريقية ويمثل كل منهم سلالة عرقية مختلفة – من القبائل الإفريقية المتنوعة إلى ذوي الدم المختلط من سكان أمريكا اللاتينية – تساهم في تجربة السود في أمريكا. أليس ووكر، الكاتبة الأكثر مبيعا، لها سبع أعمال روائية، وثلاث مجموعات في القصة القصيرة، وثلاث مجموعات في المقالة، وستة مجلدات شعرية إضافة إلى عدة كتب للأطفال. ترجمت أعمالها إلى أكثر من عشرين لغة. ولدت في إيتونتون، في جورجيا. وهي تعيش الآن في شمالي كاليفورنيا.
في مجتمع يبدو فيه كل شيء قابلاً للتمدد والتوسع، ما الذي يمكن أن نبجّله ونحميه ببذل الغالي والرخيص وندفع حياتنا ثمناً له؟ أميل للاعتقاد، ومع الأسف، إلى أنه ثمّة تقدير عظيم لقيمة الروح في مجتمع السود في الماضي أكثر من الآن، لقد أصبحنا نشبه مضطهدينا إلى حدٍ بعيد، نشبههم لدرجة تفوق طاقتنا على الإقرار بذلك. لطالما ردد أسلافنا تعبير «إن روحه ملكه» لوصف شخص ذي مكانة، وكان لهذا معنى ووقْع ودلالة. امتلاك المال لا يشبه امتلاك السلطة ولا الشهرة ولا حتى «الحرية»، هذه الكلمات غير متشابهة على الإطلاق. وبوصفي الابنة الحتمية للناس الذين ترعرعت على أيديهم وأرشدوني ولمست فيهم أفضل الخصال وأسوأها، أؤمن من كل قلبي بضرورة المحافظة على الفضاء الداخلي مصاناً بالكامل، الفضاء الموهوب للجميع. أؤمن بالروح. وأكثر من ذلك، أؤمن أنها تحاسب المرء فورياً على خياراته، إنها قبول طوعي لمسؤولية المرء عن أفكاره وسلوكه وأفعاله، وهنا مكمن قوتها. اضطهاد الرجل الأبيض لي لن يكون أبداً شمّاعة وذريعة أتحصن بها لاضطهاد غيري، سواء كان رجلًا أم امرأة أم طفلاً أم حيواناً أم شجرة، لأن الذات التي فزت بها تأنف أن تكون ملكاً له، أو لغيره. ثمّة أشخاص لا يمكن لهم أن يكونوا عبيداً قط، الكثير من أسلافنا العبيد كانوا غير عبيد. هذا جزء من اللغز والهبة التي ورثناها وأسهمت في حثنا على الصمود ومواصلة الطريق، لنسير على الدرب ذاته جيلًا بعد جيل. هذا هو الفهم الذي يحل أحجية وشيفرة حياة «الأرواح الناجية» في هذه الرواية، حياة غرانغ كوبالند وحفيدته روث. إنها فهم لإمكانية مقاومة الهيمنة، فهمٌ يمكن لجميع الناس تبنّيه. سألت غرانغ خلال إحدى السهرات: «هل تعتقد أن مساعيه ستثمر؟»، مشيرة إلى عيني الدكتور كينغ المنهكتين الشرقيتين، اللتين ظهرتا عبر الشاشة باردتين وخاليتين من أي عمق. قال غرانغ: «كنت لأتفاءل أكثر لو ثّمة بارقة أمل في أن يصير رئيس البلاد يوماً ما. يقيني باستحالة ذلك يخفف من حلاوة مشاهدته. إنه رجل بحق»، واستطرد قائلًا: «بالطبع، لو كنت مكانه لتصرفت بطريقة مختلفة وقدّرت نفسي حق تقدير، لكني لا أولي نفسي الاهتمام اللازم، وجّل ما أفعله الجلوس في هذا المكان الرتيب، لذا لا يحق لي فتح فمي والتشدق وإسداء النصائح. أكثر شيء يلفتني به هو أنه برغم تحقير البيض له، فإنه يتعامل بنبلٍ مع زوجته وأطفاله»
شكّل اهتمام هتلر بالفنون في كثير من نواحيها موضوعاً للتوثيق الشامل؛ إذ نجد مثلاً الدراسات حول الكتب التي قرأها هتلر وحول اهتمامه بالهندسة المعمارية، وحول شغفه بمؤلّفات فاجنر الأوبرالية. كما قرأنا عن تدخّله في المعارض الفنّية الألمانية الكبيرة بين العامين 1937 و1944. ونعرف أيضاً ذوقه الشخصي في الفنون معرفة وافية. كذلك ظهرت أبحاث متخصّصة في هندسة ديكورات الأماكن التي أقام فيها هتلر. غير أنّه ليس هناك الكثير من المعلومات حول اهتمام هتلر بالأفلام السينمائية. يُمكن مثلاً تكوين فكرة نموذجية عن ذلك الاهتمام عبر دراسة كلاسيكية وضعها فريدريك سبوتس عن موقف هتلر من الفنون بصورة عامّة، يُعلمنا فيها أنّه بينما كان هتلر يستمتع بمشاهدة الأفلام، لم يكن يهتمّ بالسينما كفنّ وأنّه «ترك لجوزف جوبلز أمر استخدام السينما لأهداف الدعاية السياسية»، نقطة ظهرت بشكل غير مباشر في دراسات عديدة عن السينما في الرايخ الثالث. وقد أفرد الباحثون حيّزاً مهمّاً للدور الحاسم الذي أدّاه «وزير الأفلام والدعاية» جوزف جوبلز، ووزارة الدعاية السياسية بصورة عامّة أكثر في توجيه مسار صناعة الأفلام النازية. في هذا الإطار، غالباً ما يُشار إلى مشاهدة هتلر الأفلام، وتوقّعاته منها، ورقابته عليها. كذلك نُشرت نصوص مهمّة عن صناعة الأفلام الأمريكية وردود فعلها تجاه النازية، وكلّها تُعرّج على اهتمام هتلر بالأفلام. غير أنّ الانطباع الذي يتكوّن لدى المرء من أغلب الكتب المهتمّة بصناعة الأفلام في الرايخ الثالث هو أنّه لا يوجد الكثير كي نتعلّمه عبر التفحّص عن قرب في تدخّل هتلر. أمّا هذا الكتاب فيُظهر بالعكس أنّه يُمكن في الواقع لهذا التمعّن أن يُعلّمنا الكثير.