كانت غاية الان الشغوفة هي تصميم آلة تستطيع فحص كل معضلة رياضياتية ومن ثم تحاول إيجاد إجابة لتلك المعضلة من خلال تجزئة تلك المعضلة إلى أجزاء صغيرة ومن ثم المضي في بلوغ الإجابة النهائية الصحيحة لها ( أو « البرهنة » عليها ) . يبدو خيار آلان في إتخاذ هذا الموضوع جديراً بكل الإعتبار الذي يستحقه إذا ما وض ع المرء في حسبانه الموقف الدافع لتصغير الشأن الذي جوبه به عمل آلان في كل من مدرسة شيربورن وبعدها في جامعة كامبردج بسبب تغاضيه عن تسجيل الخطوات الوسطية التفصيلية للطرق التي إعتمدها في بلوغ الإجابات النهائية للمعضلات الرياضياتية . هل كان بحث آلان وسعيه البلوغ إجابة مقبولة لمعضلة القرار التي وضعها هلبرت طريقة مضمرة لكي يحلل بها آلان ويميط اللثام عن طرائقه الخاصة في فكره الإستنتاجي لنفسه هو ( قبل الآخرين ، المترجمة ) ؟ مثلما فعل بابيج و آدا بايرون من قبله فقد صمّم آلان آلته المرتجاة بصورة نظرية ) في مخياله وحسب ، المترجمة ( بدل أن يشرع في بنائها وجعلها حقيقة مجسّدة ، وفي سياق سنته البحثية التالية أنجز آلان سلسلة من الحسابات الرياضياتية التي تعرض الأطوار التفصيلية خطوة إثر خطوة ) المطلوبة عند التعامل مع أية معضلة رياضياتية ، وكانت كل تلك الخطوات تتبع سلسلة تتابعية صارمة من المنطق الرياضياتي .
ذات يوم وعند مدينة بحرية ، مفعمة بصخور حادّة وبحر لا يهدأ واشجار تتقاسم المنظر ، وتلال رطبة ، مزهرة طوال العام ، وحقول ممتدة في أرض خصبة ، هناك في مدينة مونفاسيا ولد الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس 1909 - 1990 كسليل آخر ، للأغارقة الغابرين ، في يونان اصطخبت فيها العلوم والفنون والأشعار . طفولة ريتسوس لم تكن طفولة يسيرة ، بل كانت شاحبة وصعبة ، في عائلة تتكون من أربعة أطفال ، كان ريتسوس أصغرهم سنّاً ، عائلة تتناهشها الأمراض كالسل والجنون ، السل الذي اصاب أخته وأصابه هو ، والجنون الذي ألم بالأم ، والأب كان شبه معتوه قضى أيامه الأخيرة في لعب القمار ، بعد أن عاشوا في الماضي حياة رخية . إن شعر ريتسوس المشبع بأشياء الحياة وتفاصيلها ، شعره اليومي الأليف والمرهف هو خزين للظلال والضوء والحركة ، للنور الساقط على الأرض ، شعر يبدو في ظاهره بسيطاً ، بيد إنه شديد العمق حين يستغرقنا داخلين في شبكته الخيطية ونسيجه الباهر ، متين البنيان ، ضاربة جذوره في تراب الأسطورة الإغريقية ، لقد كان ريتسوس أهم شاعر في القرن العشرين بإعتراف كبار شعراء عصره كالفرنسي أراغون وشاعر تشيلي نيرودا وشاعر اليونان بالماس وغيرهم ، قصائده قرأها الملايين ، حتى أن الملاعب ومدرّجاتها كانت لا تتسع لمحبي شعره ، كيف لا وهو سليل أسخيلوس وهوميروس ، وأيضاً كفافي وبالماس وسيفيرس ، وريث لغة الأساطير والملاحم ، وريث الثقافة الإغريقية المتنوعة ، وريث فلسفتها وجدها وتحولاتها عبر التاريخ ، منذ أرسطو وسقراط وأفلاطون ، هو نتاج هذا التراث الفلسفي المترع بثقافة دينية - أرثوذوكسية وميثولوجيا ممتدة إلى بدايات الخلق والتكوين ونشأة المنطق والسؤال الوجودي الذي كان يطرحه المناطقة والفلاسفة وحكماء للوغوس في الأكروبول . إذاً شاعرية ريتسوس وثقافته ومعرفته هي مزيج من كل هذا ، مزيج متداخل ومتواشج مع حيوات كبرى وتفاصيل موغلة في عمق الحاضر اليوناني ، إنها ثقافة الحاضر المتجلي في الماضي ، الوثنية إلى جوار المسيحية ، الميتافيزيقية بمحاذاة الماركسية ، المادية حذاء المثاليّة ، الفاشية مقابل الشيوعية ، والأخيرة هي التي جرته إلى ضواحي وأزقة سالونيك العالية ، حيث النضال ضد الديكتاتورية ونظام العقداء السود ، كل هذا تجده يتنفس ويحيا ككائنات لها روح ودم في شعر ومسرحيات وروايات ونثر ريتسوس .
«بموهبتها الأدبية الأصيلة تقنعنا الآنسة مكولرز بأننا فوَّتنا على أنفسنا فرصة رؤية ما هو واضح في العالم الواقعي... إنّ مكولرز سيدة البصيرة النافذة والخاصة، وقاصّة لا نظير لها... إنّها كاتبة من الطبقة الأعلى». -ف. س. بريتشت- «لم تستقِ كارسون مكولرز إلهامها من العناوين العريضة ثمّ ادعت أنّ ما كتبته روايات من بنات أفكارها. رغم اهتمام مكولرز ببربرية العنصرية في موطنها الأصلي في الجنوب، إلا أنّ قصصها القصيرة، ورواياتها مجازية وواضحة في الوقت ذاته. مجدت الفرد وبخاصة الخاسرين في الحياة... وعكست ذلك القلب الوحيد بيدٍ ذهبية». - جريدة النيويورك تايمز- «وجدتُ في أعمالها كثافة ونبالة في الروح لم أشهدها كثيراً منذ كتابات هيرمن ميلفيل». - تينيسي ويليامز- «إنّها موهوبة جداً. تملك الآنسة مكولرز قوة ملاحظة وذاكرة غيرعادية، وموهبة فذّة في ترجمة الإحساس المسترجع في الذاكرة عبر اللغة». -ديانا تريلنغ- «إنّ الجانب الأكثر إذهالاً في عملها تلك الإنسانية المدهشة التي مكنت كاتبة بيضاء - لأول مرة في الأدب الجنوبي - من التعامل مع شخصيات زنجية بتلك السهولة والعدالة التي تتعامل بها مع عرقها. ولا يمكن عزو هذا إلى أسباب فنية أو سياسية، بل ينبع هذا من موقفها الخاص من الحياة والذي مكّن الآنسة مكولرز من الترفع على ضغوط بيئتها، وتبني الإنسانية البيضاء والسوداء بمسحة وعي ورقة». -ريتشارد رايت-
هذه الحفلة انتهتْ... وإمبراطوريّة التسوُّق الخاصة بنا تلفظُ أنفاسها الأخيرة... باي-باي للأسواق الحرَّة، وداعاً للشروط والبنود، وتشاو للضحك الزائف... عندما يبدأ غابرييل سويفت الذي تجاوز العشرين من العمر والناشِط المُناهِض للرأسماليّة، يبدأ بجني الأرباح، تكون تلك هي القشّة الأخيرة. وتساؤلاته الفلسفيّة عن وضع العالم – بدءاً بمبادلة الائتمان الافتراضيّة وانتهاءً بمُجمعات التسوُّق المُجرّدة من الروح – تُشير كلّها إلى اتّجاهٍ واحد. ولكن قبل أنْ يُغادر الحياة، يُقرِّرُ غابرييل أنْ يقوم برحلة أخيرة، تأخذه من لندن إلى طوكيو وإلى برلين – وأخيراً إلى أرض العجائب. «إنْ كان هناك روائيٌّ يستطيع أنْ يُبرِز المُفارقة القاتلة لِما يحدث حولنا فهو دي. سي. بيير» آلان وورنر في صحيفة «الغارديان». «إنّه صوتٌ سرديٌّ حيويّ، مُنطلِق ومُضحِك بصورة مُعقّدة» صحيفة «سكوتسمان» «إنّه مُنعِش... ومُقنِع حقّاً» صحيفة «فاينانشل تايمز»
يضم هذه الكتاب أهم المساهمات الفلسفية للمفكر والباحث العراقي كامل شياع. إذ سيجد القارئ وعبر فصوله الثلاثة دراسات وبحوثاً تقتفي أبرز الأفكار الفلسفية التي شغلت أوربا بأسئلة ظلت تبحث عن أجوبة شاملة وجامعة. يبحث الفصل الأول دور مدرسة فرانكفورت وموقعها وتأثيراتها وأهم أسمائها من خلال دراسة قدمت الى قسم الفلسفة في جامعة لوفان الكاثوليكية - بلجيكا مروراً بخلاصات لتاريخ الفلسفة وتشعب إهتماماتها والتوقف عند محدثيها، بين نقودهم وتبريراتهم، كيف ينظر الى أسئلتها الإشكالية المعاصرون وتتبع لأصل فكرة الليبرالية وما جاءت به من ضمانات للحرية الفردية وفي ظل السياق التعددي للأصول. فيما يبحث الفصل الثاني بعُقد التاريخ وإشتباكاتها مع أسئلة الحاضر
حرّض العنف المنفلت في عراق ما بعد صدام ويحرض المثقف خصوصاً للتساؤل عن أسبابه الثقافية الدفينة أو بناه الثابتة. فبعد أن هوت بنا موجاته المتواصلة منذ حوالي خمس سنوات إلى عتبات الجحيم والعدم، أججت في نفوس ضحاياه المحتملين المؤجلين مزاجاً تطهيرياً نقيضاً. صار كلنا أو أغلبنا ينظر إلى نفسه كروح هائمة أو ملاك بريء في عالم وحشي مدنّس. هذا القلق الوجودي وضع أقواساً من الشك على عباراتنا وواقعنا ومخيالنا. محنة الإستمرار بالحياة التي أطبقت علينا حفزتنا للتمعن في الوجه الآخر للتاريخ بصفحاته المسطّرة بلغة القسوة والإستباحة، والثقافة بسجلها المشؤوم المتواطئ مع العنف والمروج له. لكن ما جدوى وقفة كهذه محمولة على إقتفاء ما يسند حلمنا الإنساني المهدد بالانكسار كل لحظة والتاريخ الحي يخذلنا بوقائعه والثقافة السائدة تسلبنا فعل الوعي؟ هل بوسعنا الهروب من الماضي، تاريخاً وثقافة، بعد أن تجلى كمستودع لمعان سود؟ أيلزمنا الانتساب إلى حضارة أخرى غير موجودة إلا في كتب المدن الخيالية؟ لا هذا ممكن ولا ذاك، يلزمنا عملياً الرهان على مناورات السياسي ودهائه وأجهزته الأمنية لمواجهة العنف بأشكاله كالإرهاب والقتل على الهوية والإختطاف والتهجير والجرائم العادية. ويلزمنا، على المستوى الأعمق، الرهان على بث الحياة المدنية المشتركة من خلال طرق باب القيم الأخلاقية. أقول القيم الأخلاقية وأعني تلك النابعة من مجتمع سياسي حر لأنه ما عاد هناك دور كبير للأفكار الصحيحة لزحزحة هيمنة الجهل والتعصب والأساطير، لتجاوز القناعات المتجذرة في عقولنا وخطابنا، وللتخلص من شراك صراع الماضي مع نفسه. العنف الذي إجتاحنا بقوته الكاسحة دفعة واحدة، لم يكن فقط، كما أشار السؤال، إبن لحظة عابرة طوّعت السياسة لتكون إستمراراً للحرب. بيد إنه أيضاً دليل قدر إنساني جليل ووضيع في آن واحد، سبب قاهر يثقل علينا بتجلياته القصوى وكثافته التي تغشي البصر فتؤدي بنا إلى متاهة فعلية دون مخلّص. وبصفته تلك جعلنا كذلك ننسى التاريخ والثقافة معاً: ليس هناك سوى قوة عمياء، وشرط ميتافيزيقي سابق ولاحق. كشف تحيزات اللغة وتطهيرها قد لا يعني الكثير من دون مراجعة «رومانسية » النظرة الإنسانوية وتفكيك مسلماتها وكسر ثنائياتها ودون العمل على الخروج من النرجسية الثقافية والتمركز على الذات وإلغاء الآخر ومثلنة الماضي والأصول وحكمة الأسلاف. نحتاج إلى يقظة أخلاقية مسؤولة وإلى أجيال وأجيال تمتلك ناصية التفكير النقدي. ذلك إن «أعداء المجتمع » هؤلاء هم بناة مستقبله.
إنصب اهتمامنا حتى الأن على الطريقة التي فُهم بها العقل في القرآن. وقد أتخذ رأي القرآن في معنى العقل لاحقاً نقطة إنطلاق نحو نقاش أعمق بين علماء الدين والفلاسفة المسلمين. كان الجانب الأول في هذا النقاش قبول كل العناصر الأساسية في العقيدة دون سؤال من جهة، والسماح بقدر معين من التعقل المستقل في الأمور المتعلقة بالفقه الإسلامي من جهة أخرى.
وُلد جورج أورويل في يوم 25 يوليو عام 1903 في موتيهاري، البنغال، ابناً لريتشارد والمسلي بلير (Richard Walmesley Blair)، الذي كان حينها نائب وكيل في إدارة الأفيون في الخدمة المدنية الهندية، وزوجته أيدا (Ida). عُمّد باسم إيريك آرثر (Eric Arthur). وكانت له أخت كبرى تدعى مارجوري (Marjorie)، عاد معها عندما كانا طفلين إلى إنكلترا عام 1904 واستقرّا في بلدة هنلي على التيمز. سَعيت، في تقديم مذكّرات أورويل هنا، إلى الحفاظ على السمات النمطية لأورويل كاتب المذكّرات، لا أورويل المؤلف المحبّ للكمال، مع ضمان أن يكون النّص سهل القراءة. أما الأغلاط التافهة والأخطاء الإملائية مثل «actualy» بدلاً من «actually»، فقد جرى تصحيحها من دون الإشارة إليها مع الإبقاء على عادته في كتابة «i.e.» و«e.g.» على شكل «ie.» و«eg.»، لكن، على سبيل المثال، كُتبت أسماء المجلات بالخط المائل. وجرت الإشارة إلى جميع التغييرات الهامة. لا يتقيّد أورويل بالاستخدام الصحيح للحروف الكبيرة في غالبية كتاباته (لذا لدينا بعد إدخال أو إدخالين «Canterbury bells» و«Canterbury Bells» وكثيراً ما يغفل عنها. لذلك، لم توضَع الأحرف الكبيرة إلّا في الأماكن التي يؤدي غيابها إلى سوء الفهم (كما في هذا المثال). ومن الجدير بالملاحظة أن كتابة إيلين الإملائية، عندما دوّنت اليوميّات، أدقّ من كتابة زوجها. فكتبت «scabious» (نبات سكابيوزة)، في حين كتب أورويل «scabius». سترد الكلمة في الكتاب بالشّكلين. حدّدت بقدر استطاعتي، كذلك، عدداً من الشخصيات التي ذُكرت باستخدام الأحرف الأولى فحسب، وأوضحت بقية الاسم بين قوسين مربعين – مثلاً [أفريل] و[بيل]. وثمة إشارة إلى الاختلافات القليلة الموجودة في النسخ التي دقّها أورويل بنفسه على الآلة الطابعة بعد أن كانت مكتوبة بخطّ اليد. في حين تمّ الأخذ بمعظم التصحيحات التي أضافها بخطّ يده على النسخ المطبوعة النهائية من دون إشارة. ويمكن العثور على التفاصيل كلّها في الأعمال الكاملة لجورج أورويل.
«الحبّ هو ما يحدث بين اثنين يحب كلاهما الآخر» روجي قايان. قبل العشاء عند لوك، قضيتُ يومين محتملين للغاية. في النهاية ماذا لدي كي أفعله؟ المذاكرة الامتحان لن يفضي بي إلى الشيء الكثير، التسكع تحت الشمس، أن أكون محبوبة دون أن يكون ذلك مُتبادلاً من جهتي نحو برتران؟ مع أني أحبه. الثقة، العطف، التقدير لا تبدو لي أشياء بلا وزن وقليلاً ما أفكر في العشق. غياب العاطفة الحقيقيّة يبدو لي السّبيل الأكثر طبيعية للعيش. العيش في تجلياته القصوى، هو أن يرتب المرء نفسه ليكون سعيداً أكثر ما يمكن. وهذا ليس سهلاً. أسكن في نوع من الإقامات الداخلية لعائلة مُؤلفة فقط من طالبات. الإدارة مُتفهمة وفي استطاعتي العودة عند الواحدة أو الثانية صباحاً. سقف غرفتي واطي وهي كبيرة وعارية تماماً، الأن مشاريع تزويقها سقطت كلها في النسيان. لستُ مُتطلبة كثيراً فيما يخص الدّيكور إلا فيها يزعجني. تضوع في الغرفة رائحة القاطعات الفرنسية التي أحبها بشكل خاص. تفتح نافذة على ساحة سورها قصير، تقبع فوقه ساء متأكلة دائماً، أسيئت معاملتها من جانب باريس، تهرب أحياناً في شكل آفاق تعلو شارعاً أو شرفة، مُؤثر وعذبة. أستيقظ، ألتحق بالدّروس، أجد برتران، نتناول الغداء، هناك مكتبة التربون، البناء العمل، شرفات المقاهي، الأصدقاء. مساء نذهب للرّقص، أو نعود إلى شقة برتران، نتمتد اما به نارس الحب، ثمّ نظل نتحدث طويلا في العتمة. كنت بخير وكان دائاً ثية في أعاني ما و الداية الساخنة الحية، طعم الضجر، الوحدة والحماس في فترات أخرى أحدث نفسي أحياناً بأني مُصابة بالتهاب الكبد.
تقول زوجة كالفينو إستر في مقدمة الكتاب: "وبعد مرور عدة سنوات، وجت ملفا عنوانه مقتطفات من سيرة ذاتية يضم مجموعة نصوصا وعليها ملاحظات كتبها عن تواريخ نشرها لأول مرة. من الصعب ولعل من المستحيل فهم كيف كان كالفينو سيقدم هذه الأعمال، والتي تركها بترتيب زمني ... كتوثيق سيرة ذاتية – وليس كقطعة أدبية – يبدو لي جوهريا بالتأكيد. كلوحة ذاتية، نعا أكثر تلقائية ومباشرة ننملكها. سنس هذه المجموعة إذن، قد يكون: للتأثير على العلاقة أقرب بين الكاتب وقرائه، وليعمقها من خلال هذه الكتابات. صدق كالفينو أن "ما يهم هو من نحن، والطريقة التي نعمق بها علاقتنا مع العالم ومع الآخرين، علاقة يمكن أن تكون إحدى كل من الحب لكل الموجودات والرغبة."
تعدُّ ملحمة كلكامش ذائعة الصيت، وكما يبيّن مؤلّف هذا الكتيّب، الوثيقة البشرية الأولى التي أكّدت سعي الكائن البشري للخلود من جهة، ويقينه بأنّ هذا الخلود لن يتحصّل بطريقة الإستمرارية الجسدية بل بإستمرارية الأثر الطيّب والفعل الصالح، وهنا نلمح هذا الإسقاط الفلسفي الذي ينطوي على ثنائية متضادة؛ إذ لطالما تمّ تصوير المسعى البشري لتجاوز المحدوديات الطبيعية الحاكمة له بكونه مسعى ينطوي على إزدواجية يدفعها مايمكن توصيفه بِمفهوم (الغطرسة)، ثمّ يندفع هؤلاء الذين يرون في هذا السعي البشري غطرسة خالصة بالدفاع عمّا يرونه من وجهة نظر بالقول إنّ بعض طموحات هذا المسعى ستندفع خارج سقف المحددات الطبيعية الضرورية لإدامة الحياة البشرية، وبالتالي ستكون مجلبة لبعض النتائج السلبية العكسية إذا ماتحقّقت بالفعل على أرض الواقع. يمكننا أن نلحظ شيئاً من هذه الثنائية في الميثولوجيا الإغريقية: سرق (بروميثيوس) النار من زيوس - كبير الآلهة الإغريقية - وأعطاها للبشر الفانين؛ الأمر الذي ترتّب عليه تحسين دائمي من حيث مفاعيله وتأثيره في الوضع البشري؛ لكن بروميثيوس تلقّى عقاباً صارماً من زيوس بسبب فعلته تلك.
ولد ألبرت عبداً وبقي في ذاكرته أن أباه وأمه لم يعلما بانتهاء عهد العبودية منذ قرابة عشر سنوات فقد كانوا جاهلين بالقانون، كما تعلم. ولذلك أصابه الجنون عند أكتشافه للأمر . فقد أعتادوا ضربه بشدة محاولين دفعه إلى نسيان الماضي والتكشير عن انيابه والتصرف كزنجي.