هذا الكتاب هو عصارة جهد وعناء مضنٍ وتجربةٍ مريرةٍ ومسيرةٍ سياسية طويلة تراجع فيها جيلنا كثيراً، بعكس أجيال آبائنا أجدادنا البُناة الأوائل لهذه الأمة، فهذا الكتاب لا يدخل في السيرة الشخصية وتفاصيلها، وإنما يمرّ بالمحطات والمنعطفات الرئيسة التي مرَرْتُ بها، وهو شهادتي عليها، أعرضُ فيه تجربةً لفائدة أجيالنا القادمة في المستقبل. كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) موحِّداً لقبائل العرب، داعياً لقوّتها وسموّها محققاً سلامتها... وقد توارث الأبناء عن الآباء قيم الأجيال السابقة إلى أن هُدِمت بأيدي أجيالنا، فلا مجال للعودة إلى الزمن الرائع من ركام وخراب الدنيا وما نحن فيه ما لم تنهض الأجيال الجديدة بقوة وعزيمة لتغيير الحال القائمة في أنفسنا أولاً وفي مجتمعاتنا. يتكوّن هذا الكتاب من عدة أجزاء، الأول يحكي تجربتي في اللّهيب الأول الذي مرّ به العراق عندما كنتُ بعثياً، وحتى وصول حزب البعث إلى السلطة واختلافي وتركي الحزب وهو لم يزل متماسكاً وقوياً في السلطة، وتعرّضي لمحاولات تصفية واغتيال من جانب صدّام حسين التكريتي. والجزء الثاني يعرض التجربة في اللّهيب الثاني في العراق، حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت) والحرب الأخيرة التي سقط فيها نظام صدّام، وما ترتّب على تلكما الحربين من دمار وتداعيات كارثية.
اليودميلا ستيفانوفنا بيتروشيفسكايا - كاتبة متعددة المواهب : فهي روائية وكاتبة مسرحية وشاعرة وكاتبة سيناريو وفنانة ترسم بالألوان المائية ومخرجة الثانية من الأفلام المتحركة وملحنة ومغنية وممثلة مسرحية . ولدت في موسكو عام 1938 . نالت الكثير من الجوائز الروسية والعالمية على أعمالها السردية والمسرحية . تُرجمت أعمالها إلى الكثير من اللغات الأجنبية وعرضت أعمالها الدرامية على أفضل المسارح في روسيا والعالم . صبية من متروبول » - ليست مذكرات أو محاولة لإجراء مقابلة بعد عشرين عاماً من الصمت ، على الرغم من أن الكتاب يبدأ برسالة للمؤلفة تتحدث فيها عن بديل للمقابلة الصحفية . إذ أنّ الكاتبة قدّمت سردها على شكل مجموعة من القصص والمقالات القصصية التي كتبتها بدوافع شتى . ومع ذلك ، من خلال وصف الحوادث والمصير الدرامي للشخصيات ، تتكشف أمامنا تدريجيّاً بشكل جلي القصة الصعبة لقدّر حياة المؤلفة نفسها . ' | تكشف لنا الكاتبة في عملهاهذا بأسلوبها المشوّق الجوانب الخفية للمجتمع الروسي من بداية الثورة إلى مرحلة السبعينيات من القرن الماضي بجوانبها الإيجابية والسلبية . | « صبية من متروبول » - هي حكايات حقيقية عن حياة مؤلفة هذا الكتاب . بدءاً من الاستعراضات الأدبية الأولى لها في الأفنية بين المنازل مقابل قطعة خبز وهي في سن السابعة من العمر ، ومن كتابة القصص الخيالية حول اليد السوداء التي تمتد نحوها في غرفة النوم في دار رعاية الأطفال ، والمغامرات في المدرسة والجامعة إلى أول عمل إذاعي ، والمسرحيات الأولى . كما يتضمن مواقف هزلية عن حياة المجتمع البوهيمي في الداخل والخارج . إنه كتاب للأشخاص المبدعين ولأولئك الذين يستكشفون الأدب والمسرح والفن ويستعرضون الكيفية التي رعت فيها صبية صغيرة أحلامها لتغدو كاتبة مرموقة ومعروفة ومحبوبة على المستوى العالمي ، ومدى صعوبة الطريق نحو الإبداع الحر غير المحدود .
كانت هنالك على الدوام تلك الصرخة التي استطعت أن أسمعها ، الصرخة التي بدت لي صادرة عن شخص آخر ، الصرخة في وجه شيء ما لم أستطع أن أتذكر وجهه قط ، على الرغم من أنني كنت قادراً على الشعور بحضوره الخبيث - صرخة تلو الأخرى في الظلام ، في قلب الوحدة المطلقة . ثم فجأة كان النور . كان هنالك أشخاص يلاطفونني ويضعون كمادات باردة على رأسي لأنني كنت ما أزال عالقاً في شراك رعبي . سمعت أصواتهم المطمئنة تخاطبني : « اهدأ ، اهدأ يا شارلي . كل شيء على ما يرام . استيقظ ؟ استيقظ ! . » ا كانت أصوات أناس ، أناس حقيقيين . لم أعد وحيداً . أصبحت قادراً على فتح عيني والابتسام لأنهم كانوا ، جميعاً ، حولي - جدتي ، والدة جدتي ، والدتي ، بل وفي بعض الأحيان والد جدي . أما سيدني ، شقيقي الأصغر ، فكان جالساً في سريره ، يحدق بي وعيناه ترمشان بذهول . كنت وسيدني مختلفين للغاية . فقد بدا أفضل استعداداً مني لمقاومة الوحدة . كان ، في الواقع ، أكثر استقلالاً . فعندما كان في الثانية من عمره ، أحسّ ، ذات يوم ، بالضجر من المنزل فخرج منه بكل بساطة . وقد تم العثور عليه فيما بعد يتجول حول الكتلة السكنية التي نقيم فيها . أما أنا ، فلم يكن لي أن أتصرف على هذا النحو أبداً . ' لكن كان هنالك شيء واحد مشترك بيننا . لقد كنا عنيدين . كان سيدني يتمتع بنوع من العناد يجعله صعب المراس ، فيما يتميز عنادي بالهدوء .
كنا لا نعرف من قواعد ركوب الطائرات أكثر من أن نأتمر با تقوله لنا المضيفة الجميلة ، ربطنا الأحزمة وسوينا ظهورنا وانتبهنا جيداً لما تحذرنا منه عند الإقلاع بعضهم أشار علينا أن نفتح أفواهنا قبل ان تستوي الطائرة في الفضاء ، في مصالحة مع ضغط الهواء ، داخل الجسم وخارجه . كنت أتأمل الرحلة ، الخريطة امامي تف يد باننا خرجنا من ساء العراق ، هذه هي المرة الثانية التي أجتاز الحدود فيها ، فقد سبق لي أن غادرتها بالسيارة إلى عمان عام 1994 . الخريطة تحدثني عن مسار ما كنت الأصدقه ، فقد عبرت الطائرة حدود الأردن ودخلت أجواء إسرائيل ، هذه هي المرة الأولى التي يخامرني فيها شعور بالخيانة ، إذ أنني دخلت دولة معادية ، خفت بحق ، فما زالت صورة المسافر الى خارج العراق ، أي خارج ، مشوبة بالتجسس والعالة . أحسست ، كما لو أن الطائرة ستتوقف وتهبط في مطار اللد ، وأن عودتي للعراق ستكون فيصلا بين حياتي وموتي . الشعور ذاته ، خامرني ثانية في مدينة سيتا بالجنوب الفرنسي ، حين التقيت في صيف سنة 2014 الشاعر الإسرائيلي الشاب « أليعازر كوهين » مع مجموعة من الشعراء اليهود ، في مهرجان شعراء البحر المتوسط ، لكم تودد لي هذا اليهودي من الأصول البولونية ، لكنني كنت أصدّه بشكل غريب ، كانت الطاقية السوداء على رأسه تفزعني ، أظنني ، كنت مخطئاً في تقدير ودَه لي . كان معبد الأولمب وسلاسل الجبال السوداء وحجارة كريت وانوار أثينا أكثر من دليل على أننافوق اليونان ، وأنّ البحر المتوسط « الأزرق » أوحي لنا بان السماء إلى روما باتت قريبة ، ربا ، رفعت يدي محيياً كازنتزاكي ، هل أقول بأنني لمحت ظلال ريتسوس على الشواطيع البازلتية . مضت الدقائق سريعة ، ومثل حذاء عامل منجم كبير بدت خريطة ايطاليا أمامي ، في شاشة الطائرة ، تذكرت أطالس المدرسة ، التي شغفت بتصفحها . هانحن نقترب من بلاد المحاربين الرومان ، إذن
في عام 1955، بعد إقصاء أيرا عن المذياع بوضعه على اللائحة السوداء لكونه شيوعياً بأربعة أعوام، طَرَدتْ هيئة الثقافة مَري من منصبه بالتدريس لرفضه التعاون مع إدارة مكتب مناهضة النشاطات المعادية لأميركا عندما مرّت بنيوارك لعقد جلسات إستماع لأربعة أيام، ثم أعيد إلى منصبه، ولكن بعد مرور ستة أعوام من الكفاح القانوني انتهت بقرار 5- 4 أصدرته المحكمة العليا في الولاية، أعيد إلى منصبه مع الرواتب المتأخّرة، مُقتَطَع منها المبلغ الذي كسبه من أجل إعالة عائلته خلال تلك الأعوام الستّة كبائع للمكانس الكهربائيّة. قال مَري مبتسماً: "عندما لا تعرف ماذا تعمل، تبيع مكانس كهربائيّة، من باب إلى باب، مكانس كهربائية ماركة كيربي، تقوم بإفراغ منفضة ممتلئة على السجادة ثم تُنظّفها بالمكنسة الكهربائيّة أمامهم، تنظّف المنزل كله لهم، هكذا تبيع البضاعة.
أنحن مرئيون ؟ إشكال محض ، فها نحن قوغل في الأزقة من دون أن يلتفت إلينا أحد قط . وكانت خالية تلك الأزقة بعض الشيعة الكع فمك ماة مهرولين ، بين حين وآخر . وكلما تقدمنا فيها تكشف لنا أنها تفضي إلى طرق أومعه و في البيوت الوطيئة ، التي تزدهر فناءاتها بهياكل سيارات رثة ، وإطارات المطاطه إلى بيروت لأكثر قالولن تزدهر فناءاتها ببعض الشجر ، وبآلات أقل رثاثة . وتفضى هذه بدورها إلى حارات عالية وأخرى شاهقة ، تنتصب فوقها أدغال من هوائيات التلفاز المعدنية . و أوغلنا كثيراً على ما نعتقد ، حتى استوقفتنا مارة بالمشهد الذي كان يجري أمامها . رجلان بقناعين ، يمسكان بقضبان حديدية يصهر انها بوساطة نافورة من اللهب الأزرق . فهما كانا يلحان بوابة أجزاء إلى أجزاء . وكانا يستوقفان كل داخل ليعطياه مفتاحاً . والواضح أنها إنها عمدا إلى إغلاق مدخل العمارة ببوابة معدنية إسرافاً ، ربما ، في ابتغاء الأمان ، لأنهما كانا يسترسلان في الإشارات ، كلّما أعطيا شخصاً مفتاحه ، مباعدين بين أذرعهما ، ناظرين إلى الأعلى ، وإلى الأسفل ، كأنها يقيسان المدخل شبراً شبراً ، ويحدّران من الشر المنتظر إذا لم تُثبّت عوارض هنا ، وعوارض هناك . وكانا ، في أثناء هذا كله ، هرولان إلى الداخل ، محتمين بالجدار الذي يجاور الدرج ، كلما سمعا صوتاً يشبه صوت الطبل في كهف ، أجوف مشخشاً ، ثم يرجعان ، في حذر غير واضح ، إلى إكال عملها ، وهما يرفعان سيقان بنطاليها ، من الركبة إلى ما فوقها ، بحركة آلية يحفظان بها مرونة انحناء السيقان إذا قَرَفَهَا . شاعر وروائي سوري ، كردي ، قوي البناء ، فريد ، نسيج وحده في وصف النقد لأعاله . يجب له أنه تَحَا بالرواية العربية إلى ثراء في خيالها ، وجعل اللغة في صياغة موضوعاتها لحماً على هيكل السرد والقصّ لا ينفصل عن جسدها ، حتى كأنّ اللغة لم تُعَدّ وساطة إلى السرد ، بل هي السرد لا تنفصل عن سياق بناء الحكاية . . ويُحسَب له في الشعر أنه أب نفسه ، من القصيدة من استعادة خواصها كحرية تعبير في أقصى ممكناتها . ما من امتثال عنده لنمط أو مذهب . عنيد في نحته العبارة بلا خوف من المجازفات ، وكل كتاب اله ، في الشعر والرواية ، موسوعة مختصرة
رغم أصابتها بشلل الأطفال في سن مبكرة ورغم تعرضها الى حادث أليم خضعت على أثره الى ٣٥ عملية جراحية ورغم خيانات زوجها المتكررة إليها أصبحت فريدا كاهلو الرسامة المكسيكية الأشهر في القرن العشرين،وصورتها اليوم واحدة من أكثر الصور استعمالا في مجال الفنون الجماهيرية والملصقات التجارية الشائعة في العالم. فريدا كاهلو:رسامة شهيرة ولدت في أحد ضواحي كويوكان، المكسيك في 06 يوليو، 1907 وتوفيت في 13 يوليو، 1954 في نفس المدينة. هذا الكتاب الذي كتبته المؤلفة هايدن هيربرا، يعيد أحياء سيرة فريدا كاهلو التي تعتبر ملهمة لمئات الفنانين والأدباء في مختلف بلدان العالم وتعتمد مؤلفته على مصادر أرشيفية متنوعة وتقدم تحليلات غاية في العمق والفهم لأعمال فريدا وتقارنها برسامي عصرها وتعطي مزيدا من الجهد في التعاطي مع أعمال المدارس المختلفة وبالذات الحركة السوريالية التي تقاطع أعلامها مع ريفيرا وزوجته فريدا. وتنتهي إلى اعتبار حياتها سيرة من الفقد المتواصل وأن رسومها لم تكن إلا أداة لمقاومة هذا الفقد.
مثل البحارة غابوا في الموج وراء الضوء النائي أنا أمضي حياتي انتظر الوجه اللمع، الرؤيا. من أين أتت هذي القَمَريةً تمشي بين خرائبنا؟ انبثقت من غيم حياتي أم من صخب الشارع أو من بين بيوتِ خرباتِ خلّفها الاعصار؟ لكن الشارع أعرفه والناس عليه أعرفهم - خلّ الأفكار ينبثق الشعر من الحزنِ والوردةً من بين صخور وحجاز. . سيدتي أنهكنا خزياً ومتاعب وجنون الموت يواصل في الارض حرائقه لم يسلم " قفر، لم تسلم غابات لم يسلم حجر. . .، نوشك نحن ؟. .. المحنة اكبر منا نحن نعيش بمدائن تاكل لحماً نيئاً ويرتَلُ فيها العميان تراتيل. .. من قصيدة الوهم والمعجزة
لدى الناس أمور أخرى غير الحب ليفكروا فيها » . عبّر ألبرتو مورافيا أمام إيلسا مورانته بهذه » الكلمات الحاسمة عن شكوكه إزاء تحقيق حول الحب كان من المقرر أن يكتبه بتكليف من مجلة أوروبيو » . لقد كانت هذه الشكوك معقولة إذا نظرنا إليها بعيون إيطاليا ما بعد الحرب التي كانت بصدد إعادة الإعمار بعد البؤس والخراب . ومع هذا فإنّنا نجد في جميع العهود والظروف التاريخية ، أن الاهتمام بمشاعر الحب لا يتناقص أبداً . بل إن مورافيا ساها في حوار أجراه مع ماريو فورتوناتو مشعلاً ضخماً ، ونوعاً من المرض ، توسّعاً غير عادي تل « أنا » . ذلك لأنّ الحب بكل بساطة « لا يتغيّر » . وربّا لهذا السبب نرى أنّ الأزواج من الفنّانين والمفكرين كانوا دائماً يمارسون كثيراً من الجاذبيّة ، خاصة عندما تظهر أمام الملأ مراسلاتهم الغراميّة في هذه المراسلات التي أرسلها مورافيا إلى مورانته بين 1947 والثمانينيات نرى كيف يتقابل رجل مع امرأة ، وأديب مع أديبة من كبار أدباء القرن العشرين . لذلك فإنّ قيمة هذه الوثائق المجموعة في هذا الكتاب تكمن في شهادة باطنيّة عن رابطة لا يمكن أن نفصل فيها بين الحياة . والفنّ حتى إنّ الحب ينعكس ضمن بُعد كوني آخر ، رغم أنه لا شيء خاص أكثر من الحب ، ولا شيء أدبياً أكثر من الحب . يدل على الأمر رسائل مورافيا هذه التي كتبها بعفويّة وبصدق تفجرا في نفسه دون تأمّلات مسبقة ، وبحشمة لا تمنع من مشاركة الآخرين بالمشاعر والأفكار وأحاسيس القلق . وما سمّته مورانته « حبّاً بالإكراه » يأخذ هنا شكلاً حقيقياً لـ « صعوبة التعبير العاطفي الموروثة عن سنوات المرض والأحزان . الطويلة » التي جرّبها الكاتب في عهد الصبا ، كما يقول المؤلف هذه الرسائل التي نشأت في ساعات بعدِ جسدي وبشري عن مورانته سمحت لمورافيا أن يكون دائماً إلى جانبها ، أو أن يسمع . للتعويض عن هذا النقص جاءت رسائل مورافيا لتظهر مراحل من حياة مورانته ، التي عاشتها بين كثير من الإرهاق والنجاحات الأدبية والمآسي ، وذلك من خلال تقرّب لم ينكره أحد ، ولا حتى غداة انفصال الزوجين الذي لم يصبح طلاقاً بمعنى الكلمة ، خاصة بعد أن بقي الزوجان لخمس وعشرين سنة معا.
لايتواصل الأفارقة والهنود، ولايتناولون الطعام سوية، ولايتزاوجون فيما بينهم. فالهنود عنصريون، وليس حديثاً بل منذ آلاف السنين، وليس بصورة فردية أو طريقة عرضية، بل على أساس نظام أجتماعي قديم، لهذا لايصعب تخيل ماذا يظنون بالأفارقة.أما هؤلاء فموقفهم معقد . ولايصف هذا التعقيد أفضل من الحكم الذي أطلقه الأث رياء الهنود، شخص أفريقي بائس فقير يرتدي الأسمال، حين قال: (ليسوا أذكياء). ليس في هذا الحكم حقد سياسي او طبقي بمقدار مافيه من أختلاف في فهم الحياة ورؤية العالم.
لا، ليس قليلاً أن يقرأ المرء ثلاث روايات في السّنة فحسب، شرطَ أن تكون الرّوايات لفرنسواز ساغان. إنّها تحتجزك داخل الحكاية تاركة لك المجال خصبا لتبدي رأيك فتنصف وتأسف وتُضيف وتؤوّل كما تشاء. مفارقة أخرى، خصمان آخران، حربٌ يخوضها الأبطال ضدّ أنفسهم، ضدّ ما هم عليه. خائفون، متنازلون عن الحياة مقابل الاحتماء منها. رواية تشدّك حتّى النّهاية، مُشوّقة وحافلة بالأفكار والأسئلة: هل للحرّية من وجود؟ لِمَ على الحبّ دائماً أن يتّخذ من الحرّية خصمه اللّدود؟ من هو هذا الآخر الذي يكون المرض تارة والتّشخيص تارة أخرى؟ أليس قاسياً أن تكبر امرأة في السنّ؟ فلا يعود من حقّها كما لو أنّها أصيبت بإعاقة- أن تختار السّعادة التي يمنحها الحبّ بل التي يمنحها الاختباء في المألوف؟ كما حدث لـ «پول » التي هربت من سجن «روجي» لكنّها سرعان ما اكتشفت أنّها بذلك قد ضحّت بحياتها التي تعرفها. وروجي المُحاصَرِ بحرّيته، المقيّد على الدّوام بضرورة ممارستها والتّذكير بها، ستمنحه الكاتبة القدر الذي يرضيه منها، سيفعل ما يشاء، متى شاء، لن يحول دون حرّية أحد، لن يفرض نفسه، لن يطالب أحداً بشيء. لن يعِدَ، لن يعاهد. سيحتاج فقط إلىپول، ستهزمه حاجته إليها. سنرى كأنّنا نشاهدُ فيِلماً كيف أنّ ما ذكرناه كان منذ البدء أوصاف الرّهينة. أمّا سيمون فهو الشابّ الوسيم الذي كان لابدّ أن يظهر في حياة پول كي تثور مرّة معه على روجي ومرّة على نفسها منه.
الكتاب يسلط الضوء على أوجه الشبه بين الزعيم الفاشي الإيطالي موسوليني والزعيم النازي الألماني هتلر، فكلاهما من أصول متواضعة، وكلاهما ﺻﻌﺪ الى اﻟﺴﻠﻄﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻒ اﻟﺴﻴﺎسي، وكان كل منهما ﻳﺮﻛﺰ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار على ﺻﻔﺎﺗﻪ اﻟﺮﺟﻮﻟﻴﺔ وﻧﺰﻋﺘﻪ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ. وكلاهما وﻋﺪ ﺑﺘﻮﺣﻴﺪ الجماهير ﻣﻦ خلفهما، كلاهما كان قاسياً، وكلاهما ﺗﺒﻨﻰ ﺳﻴﺎﺳﺎت داﺧﻠﻴﺔ وﺧﺎرﺟﻴﺔ ﻣﻮﺟﻬﺔ ﻧﺤﻮ الحرب، ﺗﻈﺎﻫﺮ ﻣﻮﺳﻮﻟﻴﻨﻲ ﺑﺄﻧﻪ رب اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﰲ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ، ﰲ حين أن ﻫﺘﻠﺮ ﺻﻮر ﻧﻔﺴﻪ ﺷﺨﺼﺎً ﺷﺪﻳﺪ اﻹﺧﻼص ﻟﻸﻣﺔ الألمانية.