كما وعرفه الآخرون بـ "شاعر العرب الأكبر" و"كبرياء العراق" و"نهر العراق الثالث"... وبالرغم من كل ذلك، فإن المواطن العراقي، وبشكل خاص من لم يتجاوز عمره العقد الرابع، لا يعرف الكثير عن هذا الرمز الثقافي والوطني الشامخ، نتيجة التعتيم شبه المطلق الذي مارسه النظام السابق قرابة ربع قرن، وقلة من كتب عنه في المرحلة السابقة منذ عام 2003.... وأضافت المقدمة التي كتبها كفاح، ألابن الاصغر للجواهري: أن الهدف من المؤلََف ليس" أن يكون مرجعاً بحثياً للنخب المتخصصة التي لديها الطبعات شبه الكاملة المتعددة من ديوان الجواهري، وإنما ان يكون مصدراً للعامة من محبي الجواهري المتطلعين للمزيد من المعرفة عنه، لذلك، وبحسب اعتقادنا، فإن القصائد والمقاطع المختارة منها تعطي صورة واضحة وكافية لهذه الجمهرة الواسعة من المواطنين، عن شعر الجواهري ومواقفه ورؤاه للشعب وحكامه". وقد حوى الكتاب اضافات لما لم ينشر، او يُشار له، من شعر الجواهري، وبعض توضيحات وخلاصات عن " التباسات" هنا وهناك... ذلكم الى جانب مقدمات ورؤى ومحطات في حياة الشاعر العظيم، الانسانية والفكرية والوطنية والتاريخية، موثقة من معايشات ومشاهدات يومية، لنجله" كفاح" وأبن اخته "رواء" الذيّن رافقاه في بغداد وبراغ ودمشق، وأتمنهما الرمز الخالد، لسنوات طوال... ومن هنا تأتى الاهمية الاضافية، بل والاستثنائية، للكتاب الجديد.. أما الخاتمة التي جاء عنوانها "... وبعضٌ مما بعد الرحيل" فقد ثبت خلالها رواء الجصاني، وبايجاز ايضاً، مؤشرات ووقائع سريعة عما أنشغل به الناس، نخباً وافراداً، كما ومؤسسات، بعد رحيل شاعر العراق والعرب الاعظم، في القرن العشرين، على الاقل
انا لا اكتب شعرا. انا أجد في الحياة شعراً فالتقطُه. مهنتي الصياغات وتغيير اتجاه الريح ودلالة الخبر. الحياة التي تشكون منها، هي حياتُنا. وهي الاجملُ في الكون. السيئات طارئة. ومهمة الشعر، مهمتي، ازيح الغبارَ و انقاضَ التدمير ليطلع اللمعان، لارى النبتتةَ الجديدةَ تنبثق، لأراني سعيداً برؤية الحياة. الخطأُ، انحرافُ الخطاب، تسمّمُ الكلمة قبل النطق، أمراضُ التاريخ المزمنة، هذه كلها، مثل كلاب قذرة تتشمّمُ المواقع النظيفة وتؤذي المستحِمَّ توّاً بالضوء وتؤذي العزلة التي يلوذ بها الشعرُ وقتَ السوء. يمرّرُ خنزيرُ الشر خطمَهُ الملوث على جمال الحياة، يؤذيه ويؤذينا. لكن الكوخ المصنوع من قش يقاوم الريحَ والبيوتُ الطينيةُ المطرَ والنوءَ، والانسانُ في العراء يقفُّ وراء حجرٍ حتى يمر العصْف الهائج. الحياة لا تستسلم بيسر، الحياة تظل حياة! جميع البشر يعيشون قصة حب غامضة مع الحياة. للحياة عشاقها الكبار، احبتها المخلصون! هذه الشجيرة بلَّغها الضوءُ رسالةَ مجدِ الحياة، امضت الليلَ في مقاومةٍ باسلة مع العاصفة، هي الان مستريحة راضية بنور النهار الدافئ. وهي وان كانت تعاني من فقر تربتها السَبِخة، لكنها ترسل جذوراً ابعد، والى اكثر من جهةٍ لتعيش، لتظل. اوراقُها المتيبسة تتشبث ايضا، لا تريد ان تبتعد. والورقة التي أماتَها اليباسُ والتي سقطت من غصنها المجعّد، طارت بعيداً الى المكان الذي تصير فيه سماداً، لتشارك بعد موتِها في صناعةِ حياة الغابة.
"هذا كتاب نادر بين الكتب التراثية، وكان الباحثون يظنون أنه من الكتب المفقودة، ولكن المستشرق الألماني الكبير أوغست فيشر وجد نسخة فريدة في برلين، وأخذ عنها نسخة مصورة عام 1937، وأعطاها إلى العلامة الأب أنستاس ماري الكرملي، الذي أعطاها إلى الباحث المتميز كوركيس عواد لإعداده للنشر. *** قيل شعر كثير في الأديرة التي كان يقصدها كبار الشعراء في العصرين الأموي والعباسي بحثاً عن ساعات الأنس والطرب والغزل والشرب، ومنهم أبو نواس، الذي اعتاد بعض المحققين حذف الكثير من أجمل شعره، وشكراً للباحث كوركيس عواد لأنه لم يحذف شيئاًَ من هذا الكتاب.
في لحظة تاريخية حرجة، وربما هي مفترق طرق، يصوغ الشاعر السوري "نزيه أبو عفش" تجربته الخاصة شعراً؛ وباستقلال تام عن الخطاب الأيديولوجي المهيمن، لإسماع صوت الذات المقموعة، والانغماس أكثر بقضية الإنسان الوجودية. كل هذا جعل من شاعرنا يشجو بترنيماته، ويبعث بها كرسائل ونصوص تتسلل بعمق إلى وجدان القارئ بكل ما تحمله من شوق ولهفة ومشاعر إنسانية تميز بها أبو عفش، حتى وصفه أخدهم بـ "الشاعر الأعزل والحزين". تشكل قصائد الديوان صوراً متفرقة من الحياة، تتجاذب من الداخلي الحميم الخصوصي إلى الفردي الجماعي، وفي المديين لحظة ينبوعية تجعل من الذاتي خروجاً إلى الآخر ومن الجماعي امتداداً للذات. تحت عنوان (زريبة أحلام..) يقول الشاعر: "لطالما قيل لي: "يا ولد!/ أنت لا تصلح لأن تكون حارساً ولا صياداً"/ فحين يخطر لي أن أنام/ أروح أنظر إلى السماء فوقي/ فلا اترك فيها نجمة واحدة/ إلا وأودعها في خزائن تنهداتي/ وإذ يكون علي أن أضل صاحياً يغلبني شيء لذيذ ما/ فأتكئ على ذراع نفسي/ وأنعس على أريكة الأحلام...". يضم الديوان ما يقارب الأربعون قصيدة في الشعر العربي نذكر من عناوينها: "راعي البياض"، "لعله الحب"، "باب الليل"، "بين ربيعين"، زريبة أحلام"
ما انفكت تجربة الشاعر العراقي، فوزي كريم، تؤكد ثراء مسارها وصوتها الخاص، فهي تجربة «الشاعر الوحيد»، يوم كانت القصيدة «انتظاماً جماعياً»، لا بين جيله الستيني «الشديد الصخب» في العراق، بل عربياً أيضاً. وإذا كانت حاله على هذا النحو الخاص، في أيام صعود الصوت الثوري الجماعي، فكيف بها وقد مضى العصر في دروب الانهيارات والمنافي والخراب المادي والمعنوي للبلدان والبشر.
ضعوا الجَمالَ جانباً على الأرائكِ، قربَ قلوبكم وضعتموها في أكياسٍ على الأرائك: هذا جَذْبُ الأيامِ من شَعْرها؛ جذْبُ البرقِ من شَعرهِ؛ جذْبُ المعاني من شَعرِ عاناتها. معي إنذارُ الماءِ أنَّه لا يُؤتَمَنُ، لكنني أسمع صخبَ المعجبين بسيادة الموجِ على الشاطئ، وبسيادة الصخر والرمل على الشاطئ. وبسيادة الأرواحِ الرطبة على الشاطئ. أسمعُ صخبَ المعجبين بالخشوعِ الجليلِ للماءِ في محرابِ صوتهِ المائيِّ.
أن "ييتس أعظم شاعر في عصرنا.." هكذا وصفه إليوت، هو عقل شعري مثلما هو نظام براعات في التعبير، لكن ييتس بالنسبة للترجمة، من اكثر الشعراء افتقاداً لمزاياهم حين يترجمون الى لغة اخرى، فقصيدته قائمة اصلا على هذا التوازن العجيب بين الفكرة والعبارة. وعندما يختل التوازن، تختل القصيدة كلها، محير ييتس في الترج مة، فحين اكون حرفيا في ترجمة بعض عباراته، اخل بسحر العبارة، وحين اريد لها تعبيراً شعرياً اجمل، يحتج عليَّ المعنى. هذا ما واجهته وانا اترجم بعض قصائده، لهذا، تخليت عن ترجمة بعض من قصائده، شعرت ان الترجمة تضرّ بها او انها تحتاج الى مقدرة ترجمية اكبر من هذه الترجمة المتواضعة التي املك، على اية حال، ما نقدمه اليوم، هي قصائد مختارة كبيرة، وشواهد نقدية تعرف بييتس وتكشف عن غالب مزاياه.
سليم بركات شاعر على فرادة خاصة، وعلى غير تصنيف، لا بالحديث في سياق ثرثرات الحداثة، ولا بالقديم في سياق استثمار الماضي ولا «لغوي» على طريقة البلاغيين، ولا «أسلوبي» على طريقة المنمطين. إنه فضاء شعري متحوّل متّسع لأكثر من زمن. ولأكثر من تجريب. قد يقال أنه شاعر «اللغة»، أو «سوريالي»، أو «شكلي»، أو قاموس ي... أو تهويمي... لكن، عكس كل ذلك، لا ينتمي إلى أحد، ولا إلى عمومية، ولا إلى مرجعية نهائية مقدسة. فهو أكثر الشعراء بالعربية تحرراً من العناوين الباهظة، والنظريات الفادحة، والمدارس المُعقّمة. هو شعره. هو مدرسته. وتعابيره. وجنونه، يغرف من تراث عرف كيف يدجنه، ويسوقه، بقوة استشفافه، وعلوّ موهبته، وتشابك تجاربه وتصادم غرائبه ووسع ذاكرته التاريخية والأسطورية والميثولوجية، والواقعية. كل شيء يختلط بكل شيء، في كيميائية إيقاعية من اعتمالات المخيلة. من تفجر المخيلة اللغوية، (واللغة مخيلة لا واقعة ولا واقع). بهذا المس السحري المتداخل المتدفق هنا، والمتشظي هناك، والرقراق على عذوبة قاسية هنالك، كأن سليم بركات يعبر مفترقات عديدة في خطوة واحدة، وعلى نَفَس طويل، ونبرات أكبر من مسافاتها. شاعر الهلوسة الخصبة حاضنة الوساوس، والخيبات، والكوابيس، والقسمات، وعزلات الكائن، ووهنه، وعجزه، وخروجه الأبدي... وعوداته الأبدية، ذلك أن سليم بركات أكثر من حالم. هو صانع أحلام. وأكثر من لغوي. هو صانع لغات. وأكبر من أنماط. فهو محطم أنماط». كل ذلك، لا يعفيه على غير تجريد، من جلجلات مجهولة، يجذرها، في حواسه وفي خطابه. فاللغة حواس. والمشاعر حواس. والمخيلة حواس. فسليم بركات، على ترحاله بين الأمكنة والفضاءات والتجارب، هو شاعر الحواس بامتياز. شاعر الجسد: والجسد مخيلة. والموت مخيلة. واللغة مخيلة. والمنافي مخيلة، لكنها على غير تجريد، أو تحديد، أو توصيف.. إنها الحواس الملتهبة. بول شاوول
ما أعدت قراءة ترجمة لقصيدة أجنبية وقارنتها بأصلها، إلا وصحبني أسف على غياب شيء، وشعور آخر يقابل ذاك هو الرغبة بقدرة أكبر على الإمتلاك والتعبير، وحين تأكد لي أن ذلك الأسف وذلك الشعور الآخر يتكرران إثر كل قراءة لما ترجمت وبعد كل تنقيح وتعديل صرت أستسلم لقناعة ما بعد التعب والحفاظ على آخر حال تمّت معتذراً هذه المرة بأن تلك غاية ما وصلت إليه اليوم وغاية اليوم الثاني مختلفة وللسنة القادمة غاية أخرى. ولإننا نؤمن بأن نعرف جوّ الشاعر وأفكاره وموضاعاته خيرٌ من أن نجهله كلِّه، وبأن نرى قصيدته من مسافة ليست بعيدة خير من ألا نراها، فإن هذا الإيمان يهبنا سبباً آخر لأن نرتضي بالقصيدة المترجمة ونتقبلها بفرح لا يحول دونه بعض ما يصحب السفر. وإذا كان الأديب غير المتخصص بالشعر لا ينتبه إلى بعض من خسارة القصيدة المترجمة، فأنا أعلم مما أمّر به أن قراءة أخرى للعبارة الشعرية أو البيت الشعري تلوح في ذهن الشاعر أو العالم بالشعر الذي يقرأ الترجمة وجواً أكثر إكتمالاً أو أقرب إلى فهمه يرتسم في مخيلته وذهنه.
شيركو بيكه س هو الصوت الأقوى في الشعر الكردي الحديث، وهو في إبداعاته يؤكد على صفاء الشعر، ويستلهم حياة الناس من حوله، في نفس إنساني واضح، وهو في "الكرسي" يبتكر حكاية شعرية، أو أسطورة جديدة، تؤرخ وترسم وجوهاً لحياة مزدحمة بالحب والجمال والمعاناة.
((الكوميديا)) كاتدرائية ضخمة وعمارة شاهقة، متناسقة البناء مترابطة الأجزاء، يعتمد فيها السابق واللاحق بعضه على بعض، وجعل دانتي فيها الإنسان والدنيا والآخرة والعالم والله في بؤرة واحدة. ووضع في إطارها العام كل المعارف والجزئيات الدقيقة المادية والمعنوية. واستمد دانتي ذلك من ثقافته الواسعة، من الميثولوجيا، وحضارة القدماء، وتراث المسيحية، ومن أوروبا وأفريقيا وآسيا، ومن الشرق والغرب، ومن ظروف الحياة التي عاشها، ومن إحساسه المرهف الذي لم يكد يحسه إنسان. تمثل «الجحيم» الشباب الحر الطليق المتكبر الثائر، وتصور الفطرة والغرائر الإنسانية لإشباع ميولها، وهي الخطيئة والعذاب والمأساة والحياة الدنيا. ويمثل ((المطهر)) التجربة والنضج والفكر، والتوبة والتطهر والأمل. ويصور ((الفردوس)) الكهولة والطهارة والصفاء والحرية والخلاص والنور الإلهي. و((الكوميديا)) كلها مرآة الحياة وقصيدة الإنسانية الكبرى. وهي فن رفيع يهدف إلى تغيير الإنسان وإصلاح المجتمع. وقصد دانتي أن يجعل منها بداءةً لعصر جديد، وكأنه أراد بذلك أن يضع كتاباً مقدساً جديداً يهدي البشر إلى سواء السبيل. وبدا فيها دانتي كأنه أورفيوس جديد لعالم جديد.
((الكوميديا)) كاتدرائية ضخمة وعمارة شاهقة، متناسقة البناء مترابطة الأجزاء، يعتمد فيها السابق واللاحق بعضه على بعض، وجعل دانتي فيها الإنسان والدنيا والآخرة والعالم والله في بؤرة واحدة. ووضع في إطارها العام كل المعارف والجزئيات الدقيقة المادية والمعنوية. واستمد دانتي ذلك من ثقافته الواسعة، من الميثولوجيا، وحضارة القدماء، وتراث المسيحية، ومن أوروبا وأفريقيا وآسيا، ومن الشرق والغرب، ومن ظروف الحياة التي عاشها، ومن إحساسه المرهف الذي لم يكد يحسه إنسان. تمثل «الجحيم» الشباب الحر الطليق المتكبر الثائر، وتصور الفطرة والغرائر الإنسانية لإشباع ميولها، وهي الخطيئة والعذاب والمأساة والحياة الدنيا. ويمثل ((المطهر)) التجربة والنضج والفكر، والتوبة والتطهر والأمل. ويصور ((الفردوس)) الكهولة والطهارة والصفاء والحرية والخلاص والنور الإلهي. و((الكوميديا)) كلها مرآة الحياة وقصيدة الإنسانية الكبرى. وهي فن رفيع يهدف إلى تغيير الإنسان وإصلاح المجتمع. وقصد دانتي أن يجعل منها بداءةً لعصر جديد، وكأنه أراد بذلك أن يضع كتاباً مقدساً جديداً يهدي البشر إلى سواء السبيل. وبدا فيها دانتي كأنه أورفيوس جديد لعالم جديد.
الجحيم عالم الهاوية والخطيئة، ودنيا الأسى والعذاب الأبديّ. والمطهر عالم الصعود فوق الجبل الشاهق، للقيام بالتكفير والتطهر من الخطايا، مع الأمل في الخلاص والطوباوية. والفردوس عالم الصعود في معارج السماوات، وعالم السموّ والسلام والطوباوية، والاقتراب رويداً رويداً من جوهر الحقيقة الكبرى. وتتشكل الأرواح الطوباوية بهيئة النور الصافي، الذي تخيلته البشرية رمزاً للروح من قديم الأزمان. وبصفة عامة لا تبدو أرواح الطوباويين بصورتهم في الأرض، بل يظهرون في غلالة من أنوار طوباويتهم، حتى لتكاد تختفي مميزاتهم الفردية، والنور كالظلمة يحجبان كلاهما الرؤية، ويثيران خيال الشعراء. ويظهر الطوباويون وقد أحس كلٌّ منهم بالتعادل الروحيّ، وتملكهم السلام النفسيّ، وامتزجوا بعضهم ببعض، وتآلفوا في محبة الله، وتساموا معاً في بحر الوجود الشامل.