وقد نُقلت أطروحته أخيراً إلى اللغة العربية عن دار المدى، وهي تنهض على ثلاثة مفاصل أساسية: اليوتوبيا وسياقاتها، اليوتوبيا معياراً نقدياً (استقى منها العنوان) وبلوخ واليوتوبيا. تميزت أطروحة شيّاع بالدقة العلمية من حيث المنهج وتنظيم الأفكار وعرضها ونقدها. بدا عمله العلمي شديد الكثافة، كما لو أنه نصٌّ م تراصّ. لم يتخذ موقفاً إيديولوجياً من الأفكار التي درسها، شُغل دوماً في مساجلة الأدبيات الغربية التي طاولت اليوتوبيا منذ عصر النهضة إلى الوقت الراهن
يفتتح الباحث ناجح المعموري كتابه الجديد «اليومي والمتكرر في ملحمة كلكامش» بنافذة، عدّها تجربة ثقافية، وفي مجال حيوي كبير، تنطلق من البحث عن اليومي وغير المألوف، وتُشرع بجميع المصادر الاجتماعية والمعرفية لتغذي هذه التجربة، وفي الواقع يعد كتاب المعموري وفقاً لذلك، أحد المصادر التي تكشف عن الذات الرافدينية وتواصلها التاريخي حتى اللحظة الراهنة، وهو ما يميز هذا الكتاب من أنه يقوم على محور محلي وشرقي غير عابئ بالمركزة الغربية وشكل جديد من البحث الخارج عليها.
هذا الكتاب هو بمثابة جزء ثان من كتابي الصادرعام 2002 عن دار المدى تحت عنوان (الأمير المطرود- شخصية المرأمة في روايات أميركية). لكنه كتاب مستقل أدرس فيه شخصية المرأة في روايات بريطانية. وهو، أيضاً، شأن الكتاب السابق، إعادة نظر، إعادة قراءة، رؤية الماضي بعيون جديدة، والدخول إلى نص قديم من وجهة نقدية جديدة تؤثر تأثير افتراضات ما نقرأه فينا من ناحية الوعي والتقييم، وأعني وعي وضع المرأة في الثقافة البطرياركية، وتقييم هذا الوضع من زاوية المرأة كشخصية في الرواية. ومره أخرى أركز بحثي في هذا الكتاب على عدد من الروائيين الذين يعتبروا أساسيين في دراسة الرواية البريطانية، حصوصاً في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهم روائيون لا تعتبر أهميتهم الفكرية والفنية موضع شك. فهم ليسوا مقروءين على نطاق واسع حسب، وإنما يعتبر تأثيرهم عتى الرواية البريطانية والرواية العالمية، وبينها الرواية العربية، تأثيراً كبيراُ. لكن تناقضاتهم في تصوير شخصية المرأة كانت، منذ زمن بعيد، موضع اهتمام النقاد في مختلف الاتجاهات. ويهمني القول إن "النفوذ في التأسيس هو يكمن وراء اختياري الروائيين في هذا الكتاب، وهو أمر أستطيع أن أقدر صعوبة أن يكون موضع إجماع. بمعنى آخر أن اختيار أعمال معينة يعود إلى أهميتها المتفردة وقيمتها النموذجية وإمكانيتها التراكمية. فهذه الأعمال مترابطة في الطرق التي تعلق بها على بعضها البعض، وهي تشكل كلاً دراماتيكياً يتجاوز معناه مجرد مجموع الأجزاء. ويقصد من الروايات موضوع البحث أن تمثل جزءاً من الرواية أكبر منها بكثير، ذلك أنه يمكن اكتشاف أغراضها واتجاهاتها في أعمال كثيرة مرة بعد أخرى وبينها، بالطبع، أعمال روائية عربية.
وثّقت الذاكرة الشعبية العراقية منذ 100 عام ما ظل خالداً من أهازيج وهوسات ثورة 1920 ضد الاحتلال البريطاني كإهزوجة (الطوب أحسن لو مگواري) و(يلترعد بالجو هز غيري) و(حل فرض الخامس گوموله) و(تندار الدنيه وهذا آنه) و(حطوني إبحلگه وگلت آنه) و(رد لا تتدهده إبحلگ آفه) و(هزيت ولوليت لهذا) و(الشر يتلبد وإحنه أندور إعليه) وصولاً إلى إهزوجة ثوار الناصرية في تلك الحقبة الزمنية (شرناها وعيّت باهيزه) و(باهيزه) منطقة ريفية تقع بين الناصرية وناحية الغراف (30 كم شمال الناصرية) تسكنها عشيرةُ ال أزيرج، إذ يقول (المهوال) إننا استشرنا منطقة (باهيزه) بقبول أو رفض مرور المحتل الإنكليزي عليها فرفضت لذا قاتلنا لأجل رفضها هذا. ورغم ما وصلنا من تلك (الهوسات) والأهازيج إلا أن ما ضاع منها هو كثير، فما ردّده المهوال والثوار العراقيون من أهازيج و(هوسات) في تلك المناسبة والمناسبات الوطنية الأخرى أضعافاً مضاعفةً
إن الحضارة الأمريكية في ورطة يشعر بها ويحسها ملايين الأمريكيين مع إطلالة القرن الواحد والعشرين، وبعض المئات منهم يكتبون الكتب والمقالات عنها، موثقين إتجاهاتها ومحللين أسبابها. ومؤلفات مثل (إنتظار البرابرة) للويس لإبهام أو (إمبراطورية قفر) لروبرت كابلان، تملأ رفوف المكتبات، وتجد نصوصٌ كثيرة من هذه المؤلفات والمقالات طريقها إلى بعض أفضل مجلاتنا القومية.
هذا الكتاب يتوجه إلى الذين لديهم ما يقولونه، غير أنهم لا يعرفون كيف يقولونه بشكل جيد. بمعنى أن هذا الكتاب لا يحد من مغامرة الروائي، بل يساعده على معرفة الهيكل الداخلي، الذي يحكم حركة تقدم الروايات إلى الأمام. حتى أولئك الذين يفكرون دوماً بكسر القواعد وتهديم الأنماط لكي يأتوا بالجديد، عليهم أولاً معرفة ما هي هذه القواعد والأنماط من أجل تجاوزها وكسرها. ليس مهماً التوقف عند الأنواع العشرة التي يطرحها المنهج، المهم معرفة كيف تجري كتابة القصص على منوالها، كيف تعمل في نظام تتخلله لائحة النقاط الخمس عشرة، وكيف نضع مخططاً لكتابة الرواية إذا كنّا من النوع الذي يخطط قبل الكتابة، وأخيراً كيف نراجع رواياتنا على ضوء هذا المنهج، إذا كنا من النوع الذي يكتب وينطلق دون خريطة طريق كما هي الحال معي شخصياً. المترجمة.
مرة أخرى أجد نفسي مأخوذاً بحدث يدفعني خارج التتابع المألوف لدورة الأشياء. بل وخارج حدود المعقولية القائمة على افتراض وجود تطابق لا مفر منه بين تمفصل الواقع وتمفصل الفكر. ما أجابهه هنا هو اكتشافي حضوراً تفرضه المفاجأة غالباً، تعجز الأسباب الفعلية أو المفترضة التي في حوزتي عن إيقاف مشاعر القلق واللايقين في ازاءه . ما أجربه هنا – يبدو أقرب الى مايسمى بالوعي الشقي، أي ذلك الوعي الذي يرى سلبيته او عدميته عبر إدراكه ان ما يهدف الى إمتلاكه هو في الحقيقة منفصل عنه دائماً. ولكن ما هذا الحدث القادرعلى خلخة يقين (أوعادة) ربط الأشياء ببعضها وتوقع احتمالاتها المستقبلية، الحدث الذي يحث على الذهاب أبعد قليلاً او كثيراً من مجال التحديات الفعلية أو المفترضة؟ انه من النوع الذي يمس، وان بدرجات مختلفة، كل واحد منا، كرؤية صورة انسان مختلف او كتاب ذي مؤلف وتاريخ مجهولين أو ربما لوحةً فنية لا نستطيع الجزم ان كانت حقيقية أو مزورة. لنتوقف هنا عند المثال الأول، فصورة انسان مختلف، كما نظن، ليست صورة ككل الصور. فهي عندما تعلن مثلاً إختفاء صبية ما – لاتوضع إلا في الأماكن العامة – تستوقفني لأتمعن في ملامحها، لأقرأ أوصافها، … انها تدعوني دعوة مفتوحة الى المساعدة وتستفز في شعور تضامن لا أعرف كيف أقدمه ولمن. ولكن أهم من هذا كله أن هذه الصورة تتحدى قدرتي على تصنيف معطياتها. فهل لي ان أضعها في عالم الصور وهي المشدودة الى أصلها بعلاقة متوترة لا تصف ولا تكرر بل تستغيث؟ أو هل لي ان أضعها في عالم الواقع وواقعها (أصلها) محكوم بتحديد ناقص، تأجيل قسري بين الحضور التام والغياب التام؟ في الحالة الأولى لا تنقل الصورة الا ما لا تستطيع نقله: إختفاء غير طبيعي وغير منتظر. فعلى رغم تكراره بين حين وآخر في حالات مجهولي المصير في الحرب او المختطقين لأسباب سياسية أو اجرامية، فإنه – اي الإختفاء – يظل شاذاً لا يغري احداً بتعايش مريح معه. والأكثر من هذا انه لا يسمح بامتلاكه معرفياً ولا بتجاهله على رغم انه حادث في هذا العالم ومن هذا العالم. فعندما أحاول معرفته – لأجمع معلومات عنه – أجد نفسي مستدرجاً في فائض من الإحتمالات والتقابلات غير القابلة للحسم. وعندما أحاول تجاهله، بعد خيبة المعرفة عادة – أكتشف جهلي به. لا تجاهل مع الجهل! أما في الحالة الثانية فإن الصورة تشعرني بنوع من غياب مختلف عن ذلك الذي يتحدد عبر تناقضه مع الحضور، كما يتحدد الموت من خلال الحياة مثلاً. فإذا أخذنا بالفكرة القائلة ان وجود الشيء يعتمد على إمكانية تحديده فإن أصل الصورة يحيلني الى أمر حدث ويحدث ولكن ليس في وسعي تحديده… الثالث المرفوع كما يقال في علم المنطق. ومبدأ التحديد هذا هو، في المناسبة، مبدأ ضروري ليس للوجود فقط بل للمعرفة أيضاً على رغم وجاهة بعض الإعتراضات التي يثيرها ضده دعاة التفكير النسبي المعاصرين من شكاكين وسفسطائيين. المهم هنا هو عدم تجييره لصالح أنطولوجيا حتمية، مثالية كانت أم مادية.
وصف كتاب بكاء الطاهرة: رسائل قرة العين تأليف (يوسف أفنان الثابت) يتحدث الكتاب عن شخصية بكاء الطاهر الشخصية التاريخي التى حكم عليها بالموت عام 1852 بمدينة طهران ، فقد كانت رمزا من رموز التحرر للمرأة و الحداثة الدينية والتمرد على التقاليد
ثلاثة من بناة الصروح الشامخة يرصد المؤلف ملامح شخصياتهم وعبر أعمالهم التي تركت بصمات واضحة على أدب القرن الذي شهد ولادتهم. وهم بحق بناة للعالم وأعمدة من أعمدة الفكر والأدب الجزء الأول خصصه ستيفان شفايج لثلاثة شاءت أقدارهم أن يكونوا علامات بارزة في القرن التاسع عشر. هولدرلن القادم من قرى العصور القدي مة في (لاوفن) الألمانى المرهف الذي شغله الحنين إلى الوطن دوما الذي دخل القرن التاسع عشر وهو في الثلاثين من عمره فكانت السنوات الأخيرة الحافلة بالآلام قد أكملت منه أكبر أعمالها.
تسرد "إفلين شاكر" قصة بنت عرب - المرأة العربية - في الولايات المتحدة والتي تمّ تهميشها مدة طويلة، تقوم الكاتبة بمسح يمتدّ من أواخر القرن التاسع عشر حتى اليوم، وتركّز على الطرق التي عالج بها كلّ جيل التباين بين القيم التقليدية العربية والحريات الإجتماعية والجنسية المتاحة في الغرب. ومن خلال الروايات الشفوية التي يتضمّنها الكتاب، تتحدّى "إفلين شاكر" الأشكال النمطية وترسم صورة فريدة ومثيرة لمجموعة أسيء فهمها في غالب الأحيان.
يتناول هذا الكتاب سيرة الأديب الروسي الفذ والذي لقّب بأبي الأدب النقد الروسي، على غرار بوشكين الذي لقّب بأبي الشعر الروسي، ويستعرض هذا الكتاب للدكتورة حياة شرارة حياة هذا الكاتب التي أحاطها الفقر والعوز المادي وصعوبات الحياة لكنها كانت غنية على الجانب الإبداعي النقدي الذي جعل من اسم بيلينسكي مشهورا في روسيا والعالم فيما بعد. وسأتناول حياته وآرائه النقدية والأدبية في السطور القادمة، معتمدًا على ما وردَ في الكتاب نصًّا..
مؤلف هذا الکتاب هو "هانس إبرهارد ماير" الذي يُعَدّ ولا ريب – وکما تذکر الدکتورة/ نجاح القابسي صاحبة التقديم لهذا العمل من أکبر المختصين الألمان في دراسة الحروب الصليبية، حيث يشغل کرسي التاريخ الوسيط بجامعة کيل بألمانيا الغربية، وقد کرس الشطر الأوفر من حياته لدراسة هذه المرحلة الهامة من تاريخ أوروبا والشرق الإسلامي، إذ أنه نشر منذ حوالي ثلاثة عقود ثبتا وافيا بالکتب والأبحاث التي صدرت باللغات الأوروبية حول الحروب الصليبية، أضف إلى ذلک العديد والعديد من الموضوعات التي تدور في ثنايا الحروب الصليبية مثل کتابه: "الصليبيون والشرق اللاتيني" وکذلک کتابنا موضوع الدراسة التحليلية النقدية: تاريخ الحروب الصليبية" الذي أتم کتابته في ستينات القرن العشرين. حظي کتاب: "تاريخ الحروب الصليبية للألماني "هانز إبرهارد ماير" منذ صدوره على اهتمام الأوساط العلمية الألمانية، وکذلک الأوروبية وليس أدل على ذلک من تکرار طبعته إلى ست طبعات منذ سنة 1965 وحتى سنة 1985، وترجم إلى الإنجليزية سنة 1972م، ثم ترجمت أيضا طبعته السادسة المنقحة سنة 1988، وأخيرًا تم ترجمته للغة العربية مع مقدمة للدکتورة نجاح القابسي، (منشورات مجمع الفاتح للجامعات) سنة 1990.
حرّض العنف المنفلت في عراق ما بعد صدام ويحرض المثقف خصوصاً للتساؤل عن أسبابه الثقافية الدفينة أو بناه الثابتة. فبعد أن هوت بنا موجاته المتواصلة منذ حوالي خمس سنوات إلى عتبات الجحيم والعدم، أججت في نفوس ضحاياه المحتملين المؤجلين مزاجاً تطهيرياً نقيضاً. صار كلنا أو أغلبنا ينظر إلى نفسه كروح هائمة أو ملاك بريء في عالم وحشي مدنّس. هذا القلق الوجودي وضع أقواساً من الشك على عباراتنا وواقعنا ومخيالنا. محنة الإستمرار بالحياة التي أطبقت علينا حفزتنا للتمعن في الوجه الآخر للتاريخ بصفحاته المسطّرة بلغة القسوة والإستباحة، والثقافة بسجلها المشؤوم المتواطئ مع العنف والمروج له. لكن ما جدوى وقفة كهذه محمولة على إقتفاء ما يسند حلمنا الإنساني المهدد بالانكسار كل لحظة والتاريخ الحي يخذلنا بوقائعه والثقافة السائدة تسلبنا فعل الوعي؟ هل بوسعنا الهروب من الماضي، تاريخاً وثقافة، بعد أن تجلى كمستودع لمعان سود؟ أيلزمنا الانتساب إلى حضارة أخرى غير موجودة إلا في كتب المدن الخيالية؟ لا هذا ممكن ولا ذاك، يلزمنا عملياً الرهان على مناورات السياسي ودهائه وأجهزته الأمنية لمواجهة العنف بأشكاله كالإرهاب والقتل على الهوية والإختطاف والتهجير والجرائم العادية. ويلزمنا، على المستوى الأعمق، الرهان على بث الحياة المدنية المشتركة من خلال طرق باب القيم الأخلاقية. أقول القيم الأخلاقية وأعني تلك النابعة من مجتمع سياسي حر لأنه ما عاد هناك دور كبير للأفكار الصحيحة لزحزحة هيمنة الجهل والتعصب والأساطير، لتجاوز القناعات المتجذرة في عقولنا وخطابنا، وللتخلص من شراك صراع الماضي مع نفسه. العنف الذي إجتاحنا بقوته الكاسحة دفعة واحدة، لم يكن فقط، كما أشار السؤال، إبن لحظة عابرة طوّعت السياسة لتكون إستمراراً للحرب. بيد إنه أيضاً دليل قدر إنساني جليل ووضيع في آن واحد، سبب قاهر يثقل علينا بتجلياته القصوى وكثافته التي تغشي البصر فتؤدي بنا إلى متاهة فعلية دون مخلّص. وبصفته تلك جعلنا كذلك ننسى التاريخ والثقافة معاً: ليس هناك سوى قوة عمياء، وشرط ميتافيزيقي سابق ولاحق. كشف تحيزات اللغة وتطهيرها قد لا يعني الكثير من دون مراجعة «رومانسية » النظرة الإنسانوية وتفكيك مسلماتها وكسر ثنائياتها ودون العمل على الخروج من النرجسية الثقافية والتمركز على الذات وإلغاء الآخر ومثلنة الماضي والأصول وحكمة الأسلاف. نحتاج إلى يقظة أخلاقية مسؤولة وإلى أجيال وأجيال تمتلك ناصية التفكير النقدي. ذلك إن «أعداء المجتمع » هؤلاء هم بناة مستقبله.
"وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه لأنه ابن شيخوخته، فصنع له قميصاً ملوناً، فكما رأى أخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع أخوته أبفضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام". - تك: 37- 3-4 تشف شخصية يوسف التوراتي عن جينيولوجيا بعيدة جداً، استقرت في الذاكرة، وساهمت ببلورة مجموعة من العلامات الرمزية والشعائر المقدسة، ولم تكن هذه الشخصية كافة طويلاً؛ بل كانت تستيقظ رموزها ومتوازياتها، لتجد فرصة جديدة في التبلور، وتحقق إستبدالات جديدة عليها، لذا فإن "يوسف" التوراتي لم يكن توراتياً خالصاً - هذا ما سيعمد الباحث إلى تناوله في دراسته هذه، ويذكرنا يوسف تماماً بما ترسمه الأساطير الإسرائيلية المستمدة من الأساطير السامية عن شخصية آدم، فهو مخلوق في منتهى الجمال، ويضيء النص التوراتي بأن "يوسف" حقق نجاحاً وتوفيقاً قلّما تحقق لشخص آخر غيره وخصوصاً في مرحلة تطور الدراما الأخيرة، أي بعد البئر / السجن العبودية، حيث تسيّد تماماً على كل مصر، وتجسدت في شخصيته الملامح الأسطورية والفكرية الواضحة لعدد من الآلهة الشابة في الشرق الأدنى القديم، وخصوصاً الآله أدونيس أو "أدوني" الذي يعني الرب أو السيد، ومعروف بأن أدوني آله كنعاني جميل جداً ويسحر القلوب، وتسجد لجماله الساحر العذارى في معابد الكنعانيين، ولفظة أدون قرينة النطق من لفظة آدم، بل أن "أدون" حكم عليه أن يقيم نصف العام تحت أديم الأرض والنصف الآخر فوق الأرض، فمرة يغطيه الأديم ومرة يفترش الأرض، وما اسم آدم ذاته إلا من هذا الأديم، مما يجعل المزاوجة بين أدوم وآدم أقوى؛ "أدون" في هذه يشبه يوسف أيضاً إذ يدخل باطن الأرض مرتين ويخرج منه مرتين في قصته، وذلك عندما يدخل الجب، وعندما أُدخل السجن...
اصدر هذا الكتاب كمبادرة لمواجهة عسف نظام البعث الصدامي وتصفياته الجسدية التي طالت المئات من الشيوعيين والديمقراطيين تحت التعذيب وبالإعدامات والاغتيالات المنظّمة بوسائل ابتكرتها المنظمة السرية التي كان يقودها ويشرف عليها صدام حسين شخصياً، عشية انفراده بالسلطة بعد إزاحة أحمد حسن البكر عن رئاسة الجمهورية فيما يُشبه انقلاباً، إن لم يكن انقلاباً مبتكراً في سلسلة الانقلابات التي شهدها العالم العربي طوال الأربعينيات والخمسينيات وما بعد ذلك ، وحتى يومنا هذا، وربما حتى «يوم الدين»، إن لم نشهد استنهاضاً شعبياً واعياً ومنظماً يقتلع جذور الاستبداد ويصفّي مظاهره . كان الدكتاتور قد أصبح على ثقة بـ«اقتداره» على المضي في تصفية الحزب الشيوعي سياسياً بوسائل الإبادة الجسدية الشاملة، بعد أن أجهض الثورة الكردية، وأفرغ البعث نفسه من إمكانية مقاومة مطامعه في فرض سلطته المطلقة، وجعل الحزب الشيوعي «مكشوفاً» أمام وسائل قمعه نتيجة نهجه المتخم بقناعة واهمة بجدية توجه «البعث الجبهوي» وادعاءاته بالتخلي عن السياسة الدموية التي انتهجها بعد انقلابه في ٨ شباط . وفي خطوة تصعيدية بالغة القسوة والتعسف المكشوف، أقدم صدام على إعدام كوكبة من الشيوعيين بزعم انضمامهم إلى التنظيم العسكري للحزب الشيوعي. ولم تكن تلك الخطوة سوى رسالة بالدم الزكي إلى قيادة الحزب، تدعوه للدخول في «خيمة البعث» أي التخلّي عن أُسس وركائز وجوده أو مواجهة التصفية . انبثقت فكرة ترجمة الكتاب ونشره في فورة الأحزان والشعور العميق بالخيبة التي كانت تلازمني وأنا أتابع ما يتعرض له يومياً مئات الرفيقات والرفاق من ملاحقات واعتقالٍ وتعذيب لا نظير له، وتحت قهر التزام الصمت، بل وأحياناً كآبة الموقف بسبب التواطؤ الضمني، تنفيذاً لسياسة الحزب بـ«ليّ الحقائق» ومجافاتها للواقع حول تلك الأهوال التي تحاصر منظمات الحزب وأعضاءه، باظهارها في اعلام الحزب كما لو أنها مجرد «حوادث» غامضة، تحتل مكاناً خجولاً في جريدة الحزب من دون أن تنال بطولة المناضل وبسالة صموده ما يستحقه من نعي وتشييعٍ واستذكار
يعد كتاب "تضحية راديكالية" آخر ما كتب المفكر والناقد البريطاني "تيري إيغلتن"، وهو بمثابة دراسة معمقة عن التضحية، كجزء لا يتجزأ من مجتمعاتنا القديمة والمعاصرة، مركزاً على معانيها الدينية والفلسفية اعتمادا على النصوص الدينية وكتابات الفلاسفة والأدباء. يذكر أن "تيرينتس فرانسيس إيغلتن" هو أحد أهم الب احثين والكتاب في النظرية الأدبية ويعد من أكثر النقاد الأدبيين تأثيراً بين المعاصرين في بريطانيا، وهو أستاذ الأدب الإنجليزي حالياً في جامعة لانسيستر وهو أستاذ زائر في جامعة أيرلندا الوطنية في غالواي.