تدرك نهى من تتابع الإشارات الغريبة على وعيها أنّ جذورها تمتد لأكثر من عرق وأكثر من بلاد وأكثر من عصر ، لاتعلم حقيقةَ منْ أية نطفة أتت ومن أي صلب تحدّرت . أيُّ البشر يعلم حقيقة أصوله ونسبه ؟ لاأحد ... هي لاتريد أن تعرف ، ماجدوى أن تعرف ؟؟ فلتعش حاضرها حسبُ . إنها في قلب الحياة ولها أن تتقبل وجودها مه
في هذه التحفة الأدبية، يسرد لنا ماركيز قصة حياته منذ ولادته في العام 1927، مروراً بمراحل دراسته حيث ظهرت شخصية الكاتب، ثم بدايات مشروعه في الكتابة، وصولاً إلى لحظة فارقة في فترة الخمسينات عندما تقدّم لخطبة المرأة التي ستصبح زوجته… سيرة تتميّز بحيوية الحوار المباشر مع القارئ… حكاية عن الأشخاص والأماكن والأحداث التي شكّلت خزّان ما كتبه ماركيز لاحقاً… في هذه السيرة سنكتشف كيف أن السحرية التي طبعت أعمال ماركيز، أساسها في غرائبية أفراد عائلته، وفي التأثير الكبير لأمّه وجَدّه. سنتعرّف إلى مرحله عمله المضني في مجال الصحافة التي بقيت تجذبه، إلى الأصدقاء والمعلمين الذين شجعوه وساندوه، والأساطير والأسرار المحيطة ببلده الحبيبة كولومبيا. سنتعرّف إلى تفاصيل شخصية ماركيز التي ستظهر لنا لاحقاً… وفوق كل ذلك سندرك أنه طوال حياته تملّكته رغبة مستعرة في أن يصبح كاتباً. وكما في أعمال ماركيز الأدبية، فإن الراوي هنا هو مراقب ملهم لعالمنا الحي، من خلاله تتوضّح وتتعيَّن العواطف والرغبات الكامنة في عمق الحياة، التي هي، في هذا الكتاب، حياته هو
أعدمناه أمام كاتدرائية كينغزبريدج حيث تُنفذ الإعدامات عادةً؛ فإن لم تكن قادراً على قتل رجلٍ أمام الرّبّ لن تنجح في قتله أبداً. أحضره الشريف من الزنزانة أسفل مبنى غيلد هيل ويداه مُقيّدتان خلف ظهره. مشى بانتصابٍ وبوجهٍ شاحبٍ يفور بالتحدي والشجاعة. سخر منه الحشد وشتمه، ولكنه بدا وكأنّه لا يرى أحداً سواي. تلاقت عيوننا، وفي هذا التبادل اللحظي للنظرات مرّ عمرٌ بأكمله. كنتُ المسؤول عن إعدامه وهو يعلمُ بهذا. طاردته لعقودٍ من الزمن، فقد كان مَن زرع المتفجرات، ولو لم أوقفه لكان قتل نصف حُكّام بلدي – بمن فيهم العائلة المَلكيّة – بكل وحشية وتعطشٍ للدماء. قضيت حياتي في تقفي أثر المجرمين أمثاله، وقد أوصلت الكثيرين إلى المقصلة. لم يُعدموا فحسب بل أُغرقوا وقُطّعوا، أمّا أحكام الموت الأكثر ترويعاً فقد كانت من نصيب أسوأ المجرمين. قمتُ بهذا مراتٍ عديدة، وراقبتُ كل رجلٍ يموت وأنا على علمٍ تام أنّي – وأكثر من أيّ أحدٍ آخر – مَن أوصله إلى هنا لينال عقاباً رهيباً وعادلاً في آنٍ معاً. قمتُ بهذا خدمةً لبلدي الغالي، ومن أجل المَلكيّة التي أعمل لمصلحتها، ومن أجل مبدأ آخر وهو الإيمان بأنّ أيّ شخص يملك حق اختيار طريقه إلى الرّبّ. كان آخر الرجال الكُثر الذين أرسلتهم إلى الجحيم، ولكنه جعلني أعتقد أنه أوّلهم.
حصل مرة أن راح زوسكيند ينقب في الكتب بحثاً عن مادة يوظفها في كتابة سيناريو لفيلم يعمل عليه وأنتج عام 2005، فقاده البحث المضني للبحث عن سؤال جوهري لطالما شغل البشرية واالفلاسفة منذ أزمنة بعيدة : ( لماذا الحب متصل بالموت وعلى نحو جوهري لا فكاك منه ، منذ القديم وحتى يومنا هذا ؟ ) و هنا كانت نقطة
صدر عن دار المدى كتاب "عن الطبيعة البشرية" للفيلسوف والروائي الإنكليزي روجر سكرتن الذي ألَّف اكثر من ثلاثين كتابا في مختلف فروع الفلسفة: من فلسفة الجمال إلى فلسفة السياسة، مرورا بفلسفة الثقافة، وفلسفة الاجتماع، وفلسفة الدين. ويتكوَّن كتاب "في الطبيعة البشرية" من مقدمة وأربعة فصول (الفصل الأول: الجنس البشري، الفصل الثاني: العلاقات البشرية، الفصل الثالث: الحياة الخلقية، الفصل الرابع: الإلزامات المقدسة)؛ فيكون الكتاب بذلك دائرا على أربعة مباحث فلسفية: "الأنثربولوجيا الفلسفية"، و"الأنطولوجيا الاجتماعية"، وفلسفة الأخلاق وفلسفة الدين. ترجمت الكتاب الى العربية رشا صادق.
لاأظنّ أنّ أحداً سيتخالف معي بشأن قلّة الأدبيات الخاصة بمبحث علم المستقبليات Futurology في عالمنا العربي، وربما يمكن للمرء بعد طول تفكّر في هذه الحقيقة أن يخلص إلى قناعة بأننا نفكّر ليومنا بأكثر ممّا نفكّر في مآلات الغد. قد يرى بعضٌ أننا لسنا لاعبين مؤثرين في الجغرافيا السياسية للعالم؛ وعليه فليس من ضرورة ملزمة لأن نتفكّر في مآلات عالمٍ لانساهم في صناعته وتشكيله لأنّ هذا الأمر إختصاص حصري لكبار اللاعبين السياسيين وعمالقة العلم والتقنية في العالم. أرى أنّ هذا الرأي فاسدٌ يجانب أمثولات التأريخ وحقائق الجغرافيا السياسية، وينطلق من قناعات راسخة إستطابت واقع الحال وفترت عزائمها على النهوض بواقعها –مهما بدا عصياً على التغيير–؛ فالأمم –كما الأفراد– تستطيع إحداث إنقلابات جذرية في أحوالها متى ماامتلكت الرؤية والرغبة في التغيير، وليس مثال رواندا عنّا ببعيد. إنّ العالم العربي، وبرغم كلّ الصور الأقرب إلى العوالم الديستوبية، يحفل بالكثير من البؤر المضيئة والمحاولات الجادة التي تتطلّع لأن تكون مثاباتٍ عالمية في مستقبل لاأحسبه بعيداً عن يومنا هذا. ثمّة أمرٌ آخر بشأن أهمية المباحث الخاصة بالدراسات المستقبلية: المعرفة تسبق الفعل، وهذه حقيقة أظنها تصحّ في كلّ المجالات؛ وعليه إذا أردنا أن نرتفع بوتيرة تطورنا العلمي والتقني لابدّ من معرفة مآلات التوجهات العلمية والتقنية الحالية والتي سيكون لها الأثر الأعظم في تشكيل صورة العالم في المستقبل القريب. هنا تلعب الدراسات المستقبلية دوراً حاسماً في إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الإقتصادي على القطاعات التي يُتوقّعُ أن يكون لها الأثر الأعظم في تمكين الإقتصاد وتعظيم دور الفرد والمجتمع معاً. لاينبغي أن نتناسى بالطبع أنّ بعض جوانب التطوّر العلمي والتقني الحالي والمستقبلي تنذرُ بمفاعيل مهدّدة للحياة البشرية –وربما بلغت مبلغ الكارثة–؛ وعليه سيكون من المناسب –بل الضروري للغاية– معرفة الوسائل التي تتيحُ لنا تفادي مثل هذه المخاطر المعوّقة؛ فنحن –العرب– في النهاية جزءٌ من هذا العالم ولسنا سكّان جزيرة معزولة، والكوارث المستقبلية –إن حدثت– لن تستثني أحداً لأنها كوارث عالمية الطابع globalised بالضرورة.
"عناق الأسرة" رواية تناقضات تدور أحداثها خلال الإجتياح الأمريكي لليابان إبّان الحرب العالمية الثانية، وهي تتناول التضارب بين التقاليد الشرقية والتقاليد الغربية، والنزاع بين زوج وزوجته، والتناقض بين المثل العليا والواقع. في بداية الرواية، يكون "ميوا شنزوك" وزوجته" حبيسَيْ" زواج منهك، يُهاجم كل واحد منهما الآخر بطريقة غير مباشرة مثلما تفعل شخصيات مسرحية: "من يخشى فرجينيا ولف؟" لكن عندما ترتبط زوجته بعلاقة غرامية مع جندي أمريكي يستسلم ميوا ليقرّ بإنفجار علاقته معها وإنتهاء زواجه والإقتناع بأنّ محاولاته لرأب صدع علاقتهما لن تزيد العلاقة إلاّ تدهوراً يقضي على زواجه. نالت هذه الرواية عدة جوائز، ورأى فيها النقّاد إستعارة رمزية للمجتمع الياباني ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يتمّ تهميش الأصول التقليدية والأخلاقية والفلسفية للثقافة اليابانية لصالح التوافق مع القيم والأنماط الغربية. ألف "نوبو كوجيما" ما يزيد على ثلاثين رواية وبحثاً ودراسة نقدية، وقد حصل على جائزة أغاتوا، وجائزة تانيزاكي جونيشيرو الأدبية، وجائزة وزير التربية، وإضافة إلى الكتب التي ألفها، ترجم كذلك أعمال "وليام سارويان وجي دي سالنغر" إلى اليابانية. "عناق الأسرة" هو أوّل كتاب له تتمّ ترجمته إلى الإنكليزية وعنها إلى العربية.
"لكن ماذا لو طلبت منك أن تختاري موقفاً ما أو لحظة حدثت لك بعد وصولك الدنمارك، أو شخصاً جديداً تعرفت عليه هنا في كوبنهاجن مثلاً؟ تصمت قليلاً لتفكر. تكرر فرك كتفها، تمسج أعلى رقبتها، تمط شفتيها ثم تقول بصوت خافت: ستكون "مروى". مروى البصري؟ أجل مروى البصري. نهضت مروى من مكانها وتوجهت إلى اللوحة الكبيرة المسنودة إلى الجدار في غرفتها. راحت تتحسس سطحها بيدها الملوثة بلون أخاله زيتياً. تبدو تعبة. تذكرت فجأة بأنها لم تحرص على أن تظهر لي بزيها الخاص الذي اعتادت أن تظهر به، كما هو مدرج. كنت قد جمعت ملاحظ
إن تاريخ أية أمة من الأمم قد لا يخلو عبر مسيرتها التاريخية الطويلة من أحداث تتصف بالعنف والقتل والظلم والدمويّة والسلوك العدواني لأن مثل هذا السلوك وما يرافقه من عنف وتطرّف ودمويّة لدى الإنسان يكاد يكون صفة ثابتة معروفة وموجودة في تاريخ المجتمعات البشرية كلها. إن ما نجده في تاريخ العراق منذ أقدم العصور وحتى الآن هو أمر مختلف، فهذا التاريخ لا يزدحم بأحداث العنف الدموي والظلم والقسوة الشريرة فحسب بل إن تلك الأحداث والوقائع التاريخية المشحونة بالعنف الدموي تميل على نحو ظاهر للاتصاف بالمبالغة والتطرّف والتصعيد اللامعقول في أداء هذه المعاني جميعاً والإيغال في تطبيقها وممارستها إلى الحد الأقصى، أي المبالغة بالعنف الدموي والمبالغة بالقسوة والظلم والمبالغة في الشراسة والدمويّة خلال التعامل مع القضايا والنشاطات الإنسانية بمختلف أشكالها ومستوياتها. قدمت الأساطير العراقية تفاصيل غزيرة جداً عن الاستبداد الذي مارسه جلجامش على سبيل المثال وصاغت شخصيته أنموذجاً أدبياً، ملحمياً رفيعاً، صاغ أصل الملحمة في التاريخ وتعاملنا مع ظواهر الظلم الاجتماعي والعنف كتمظهرات أولى لهذه الظاهرة المميزة لحضارة العراق القديم والتي كانت الآلهة وخصوصاً البانثيون العراقي هم مصدر الحروب والتدمير والتعسف والعنف، وهذا أمر مثير للدهشة لأن المقدس هو الحامي الروحي والمولّد للأمان النفسي، واستطاع من خلال طقوسه وشعائره وثقافته اللاهوتية، والكهنة الأكثر مهارة بدورهم المركزي في تكريس نظام الآلهة والاعتراف به.
نمَت رواية عود المشنقة من بذرة فكرة بالغةِ الصِّغَر، وهي فكرة أن أحكي لكم الحكاية التاريخية الحقيقية لعصابة مُجرمين كانوا، قبل سنوات طويلة، يحكُمون وادي يوركشاير، وهو ذاتُ الوادي الأخضر المطير الذي نشأتُ وترعرعتُ أنا فيه. ذات يوم قرأَت زوجتي، وهي أيضًا كاتبة ولكنها في ذلك الوقت كانت مُنشَغِلة بأعمال أخرى، عن أولئك المجرمين وزعيمهم "الملك" ديفد هارتلي في إحدى المكتبات. ولمّا عادت إلى البيت اقترحَت عليَّ كتابةَ نصٍّ سينمائيّ مُقتبَسٍ عن تلك القصة. والحقُّ أنها كانت فكرة بديعة. وهكذا بدأت هذه الرواية من بذرة صغيرة. كان ذلك عام 2014، والآن صارَت الحكايةُ بكل تفاصيلها بين أيديكم، مترجمة إلى العربية. ولقد كانت رحلتي في كتابتها شاقّة وغيرَ مُسلّيَةٍ في بعض مراحِلِها، وكذلك كانت دربًا مُعبّداً بالمخاطر والعقَبات والنهايات المسدودة والرفض والوجع. ولكنّ الرحلة أثمرَت عَظَمَة وتألُّقًا، وذلك أنَّ العَمَل قد وصل الآن إلى جمهور قُرّاء عالميّ، وحازَ على أكبر جائزة عالمية مُخصّصة لأدب الخيال التاريخي.