لا، ليس قليلاً أن يقرأ المرء ثلاث روايات في السّنة فحسب، شرطَ أن تكون الرّوايات لفرنسواز ساغان. إنّها تحتجزك داخل الحكاية تاركة لك المجال خصبا لتبدي رأيك فتنصف وتأسف وتُضيف وتؤوّل كما تشاء. مفارقة أخرى، خصمان آخران، حربٌ يخوضها الأبطال ضدّ أنفسهم، ضدّ ما هم عليه. خائفون، متنازلون عن الحياة مقابل الاحتماء منها. رواية تشدّك حتّى النّهاية، مُشوّقة وحافلة بالأفكار والأسئلة: هل للحرّية من وجود؟ لِمَ على الحبّ دائماً أن يتّخذ من الحرّية خصمه اللّدود؟ من هو هذا الآخر الذي يكون المرض تارة والتّشخيص تارة أخرى؟ أليس قاسياً أن تكبر امرأة في السنّ؟ فلا يعود من حقّها كما لو أنّها أصيبت بإعاقة- أن تختار السّعادة التي يمنحها الحبّ بل التي يمنحها الاختباء في المألوف؟ كما حدث لـ «پول » التي هربت من سجن «روجي» لكنّها سرعان ما اكتشفت أنّها بذلك قد ضحّت بحياتها التي تعرفها. وروجي المُحاصَرِ بحرّيته، المقيّد على الدّوام بضرورة ممارستها والتّذكير بها، ستمنحه الكاتبة القدر الذي يرضيه منها، سيفعل ما يشاء، متى شاء، لن يحول دون حرّية أحد، لن يفرض نفسه، لن يطالب أحداً بشيء. لن يعِدَ، لن يعاهد. سيحتاج فقط إلىپول، ستهزمه حاجته إليها. سنرى كأنّنا نشاهدُ فيِلماً كيف أنّ ما ذكرناه كان منذ البدء أوصاف الرّهينة. أمّا سيمون فهو الشابّ الوسيم الذي كان لابدّ أن يظهر في حياة پول كي تثور مرّة معه على روجي ومرّة على نفسها منه.
رواية "هل تحلم الروبوتات بخراف آلية؟ للروائي الأمريكي المشهور بأدب الخيال العلمي فيليب ديك وفي الرواية يدور صراع الإنسان في المستقبل القريب مع الآلة التي اخترعها الإنسان نفسه، الصراع الذي نشأ بعد حرب نووية أضرت بالكوكب. مما دعى البشر إلى الهجرة إلى مستعمرات قريبة من كوكب الأرض. وفي ذلك المستقبل الذي تتحدث عنه الرواية، يعد امتلاك حيوان حقيقي رافعاً لشأن مالكه، وعلامة من علامات التفوق الاجتماعي.
لقد حدثت أعمال تمرد غيرت مسار التاريخ، ومثلت نقطة تحول مهمة. زلازل ثورية هزت العالم. لم يعد کوکبنا بعدها كما كان. لقد ترك لنا أنصار الملوك والثوريون شواهد مکتوبة تعبر عن آرائهم السياسية. وأنتج لنا معاصرو هذه الأحداث فيضاً من الوثائق. لكن نتاجاتهم سرعان ما خضعت للتدقيق. وكما هو الحال في معظم فترات ال تاريخ البشري الحاسمة، فإن التواريخ هي الشئ الوحيد المؤكد. نحن متأكدون أن سكان باریس اقتحموا الباستيل في 14 تموز ۱۷۸۹. هذه الحقيقة تنتمي إلى التاريخ. أما بقية ما حدث فيمكن أن يكون قريبا من الحقيقة. إن عدد الذين أدين لهم لتقديمهم المشورة والمعلومات التاريخية يمثل رقماً كبيراً يكاد يكون مساوياً النطاق الأحداث التي أصفها
هي ملحمة تبين تاريخ استصلاح الأراضي في شمال النيرويج تحديدا في المنطقة الواقعة على الحدود وهي تحكي قصة رجل أراد أن ينشأ مزرعة في السفوح البرية مع زوجته أنجر والتي التحقت به وهي تعاني من شفة مشقوقة فلم تجد أحدا يتزوجها غير رجل يسكن في البرية ينتظر أن تلتحق به إمرأة تستطيع أن تتخلى عن الحياة المدنية وتعيش معه بعيدا عن المناطق المأهولة وتساعده في تحقيق الحلم بتأسيس مملكة زراعية.
"من شرفتي العالية أراقب ليل الآخرين، أبوابهم الموصدة في النهار تكتم أسرار القلوب. العتمة تمنحهم إحساساً مريحاً بالوحدة فيشرّعون آلامهم على الشرفات، ويسمحون لصراخهم المكتوم بالهسيس، والتسلل على وقع خطى الدقائق تتهادى بخفة حتى الفجر. أحب أن أكون معهم
ألقت برأسها إلى الخلف، ورفعت ذراعيها. كانت تجلس على الرصيف، تتمطى مقوسة جسدها. جالت بنظرها على المنظر الطبيعي الممتد أمامها. كانت المياه ما تزال عكرة قليلاً بسبب مخلفات الشتاء، في النهر الذي يتسع أثناء مروره أمام المزرعة، تتوزع في منتصفه، جزر صغيرة مغطاة بالنباتات وأشجار النخيل والشجيرات والقصب التي تعطي انطباعاً عن المسار الذي فتحته الأشجار للانتقال إلى الجانب الآخر. كانت تضفي نباتات المانغروف الكثيفة بأوراقها الملتفة وجذوعها، وسيقانها الكثيرة، في ذلك الوقت من الصباح، أجواءً بيضاء وغامضة من سماء قريبة من الأرض. على الضفة المقابلة، على القمة، كان الضباب يتلاشى إلى فضاء وارف. كانت طيور مالك الحزين تُغرق مناقيرها الطويلة في الماء، وتحرك نفسها على قوائم طويلة ورفيعة مثل الفتيات اللواتي يخشين أن تتبلل تنوراتهن.
ظلّ فيتزجيرالد حتى آخر حياته يشعر بالحيرة من الفشل النسبي الذي أصابَ رواية (.. والليل رقيق)، بعد السنوات الطِوال التي بدّدها في تأليفها وجهوده التي بذلها لجعلها أفضل رواية أميركية في عصره. كان قد بدأها أثناء إقامته في الريفييرا في أواخر صيف عام 1925 . أولاً عملَ في فتراتٍ من الحماس الشديد، ومن ثم وضع المخطوط جانباً على مدى أشهر طويلة في وقتٍ كان يكتب خلاله قصصه القصيرة المُربحة لمصلحة ساترداي إيفننغ بوست؛ ولكن في أوائل عام 1932 عثر على تصميم أكثر طموحاً لها، وكان غارقاً في الدَين، مما دفعه إلى العمل فيها بمثابرة حتى انتهى من كتابة الفصول الأخيرة، وأجرى آخر المحذوفات على التجارب المطبعية. وشاهدها تنمو من مجرد رواية درامية قصيرة مثل غاتسبي العظيم، إلى رواية فلسفية أو نفسية طويلة على طراز سوق التفاهة، ومن ثم، وبينما هو يحذف مشهداً بعد آخر، راقبها تتقلَّص من جديد لتغدو رواية متوسطة الحجم، لكنه كان متأكّداً من أنَّ نبرة الرواية الأكثر طولاً ما تزال موجودة فيها. وانقضت تسع سنوات من حياته في الكتابة وفي القصة نفسها. وعند القراءة المتأنّية يجد المرء فيها إبهار صيفه الأول الذي أمضاه في كاب دانتيب – لأنه يستطيع أنْ يتصوَّر نفسه روزميري هويت في الرواية، إلى جانب لعب دور ديك دايفر؛ ثم مشاعره بشأن المال والمستويات المختلفة للمجتمع الأميركي: ثم صراعه مع إدمان الكحول وهواجسه حول كونه أصبح مُفلِساً في انفعالاته؛ ثم مرض زوجته وكل ما علِمه من الأطباء السويسريين والأميركيين الذين شخّصوا حالتها؛ ثم الحِكمة المريرة التي اكتسبها من التجربة ولم يتمكن من إعادتها إليها، بل إلى قصصه القصيرة فقط؛ ثم أيضاً أشياء أشدّ سواداً، إحساسه بالذنب، وخوفه من الكارثة التي تحولتْ إلى توقٍ إلى الكارثة - كل هذا موجود في الكتاب، بمستويات متنوعة، كمدن طروادة التسع المدفونة.
في نسيج متفرد، لغة وموضوعاً، تكتب جورجين أيوب نفسها، روحها المتحفزةن وطنها، عالمها، يطاوعها القلم، في مزاوجة الشعر والسرد الروائي والمشهد المسرحي، وتكسر الحواجز، لتخرج على التصنيف وتقول ما تشعر وما تريد، بحرارة، وحس يتجاوز المحنة الماضية، والحاضرة، بانفلات أنيق من المألوف، لصالح البوح الصافي، عن الوجوه وظلالها، والذات التي تقول في كل سطر: أنا جورجين أيوب.
ي قلبِ مكسيكو سيتي امرأة، عالقة في بيتٍ وفي زواجٍ ليس بمقدورها السَّكن إليه ولا التخلّي عنه، تفكّرُ بماضيها. تقرّرُ كتابة رواية عن أيّامها السّالفة في دار نشرٍ في مدينة نيويورك، وعن الغرباء الذين أصبحوا عشّاقاً، وعن الأشباح والشعراء الذين سَكنوا حيّها. وتكتبُ على وجه الخصوص عن هوسها، في شبابها، بشا عرٍ مكسيكيّ مغمور من عشرينيات القرن العشرين، يُدعى جيلبرتو أوين، وهو شخصية هامشيّة من «عصر نهضة هارلم»، ومتجوّل على أرصفة مترو الأنفاق في مانهاتن، وصديق وخصيم لفيديريكو غارسيا لوركا. أثناء كتابتها يعود جيلبرتو للحياة على الورق: رجل وحيدٌ مجهول يعيش على هامش أوساط الكتابة والشرب في هارلم، إبانَ بدء «الكساد الكبير»، وهو أيضاً مسكونٌ بطيفِ امرأة في معطفٍ أحمر تسافرُ في قطار الأنفاق في نيويورك. كأنّ كلّ قصّة صَدى الأخرى. من منهما يتخيّلُ الآخر؟ أتراهما شبحين يبحثان عن سبيلٍ للعودة إلى الواقع؟ في مرايا متبادلة مشوّهة، يتشابكُ الواقعيُّ والمتخيّلُ والذكريات، وتقترنُ حياتيهما معاً عبر العقود، مشكّلينَ بذلك مرثيّة منفردة عن الحبّ والخسران. *** في محطة المترو أطيافُ هذه الوجوهُ في الزّحام بتلاتُ زهرٍ على غصنٍ نديٍّ أسود..
الكلام ليس عن همسة خائفة في العتمة... الكلام هو عن النهار والنوافذ المشرعة... وعن الهواء الطازج... وعن موقد يحرقون فيه أشياء غير مجدية... وعن ارض حبلى بمزروع آخر... وعن الولادة والتكامل والفخر... الكلام هو عن أيدينا العاشقة... التي نصبت جسراً من بشارة... العطر والنور والنسيم... فوق الليالي.