يضم هذا الكتاب سلسلة من المقابلات أجرتها الأكاديمية الأميركية ليزا ودين مع جار الله عمر بين الأعوام 1999 و 2002 في مجرى إعدادها لكتاب عن اليمن، بقيت غير مكتملة باستشهاده يوم 28 كانون الاول/ديسمبر 2003 . وقد تفضلت ليزا بتسليمي المخطوطة وتركت لي حرّية ومسؤولية تحريرها وإعدادها للنشر. وأنا شاكر لها ثقتها ومبادرتها في وضع هذه الوثيقة النادرة بين يدي القراء في اليمن والعالم العربي. غني عن القول إنني أتحمّل بمفردي المسؤولية عن الحصيلة النهائية للمخطوطة. جار الله عمر نسيج وحده في الحزب الاشتراكي والسياسة اليمنية يتفرّد بقدر ما يجمع. سعى للجمع بين الوطني والقومي من جهة والتحويل الديمقراطي والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى، في زمن يُعْمَل فيه المستحيل للتفرقة بين هذه المستويات المتداخلة من قضايانا العربية. هذا الكتاب شهادة أيضاً على أن جار الله عمر نادر بين القادة الثوريين الذين تجرأوا على مراجعة تجربتهم مراجعة جذرية. على النقيض من ممارسة مألوفة لدى الكثير من المعارضين العرب الذين يستسهلون موالاة نظام استبدادي للنضال ضد نظام استبدادي آخر، وقف جار الله عمر أمام تلك المفارقة متسائلاً كيف يمكن أن يؤيد حكم الحزب الواحد في جنوب اليمن، بل وأن يشارك في قيادته، وهو يقود، من عدن، معارضة شعبية مسلحة وسياسية لإسقاط نظام حكم الحزب الواحد في الشمال؟ لم يؤخذ برأي جار الله في مسألة التعددية والتحويل الديمقراطي. ولا أخذ برأيه عندما دعا لمرحلة انتقالية ينجز فيها النظام في الجنوب التعددية والتحويل الديمقراطي، نحو وحدة كونفدرالية. تقرّرت وحدة اندماجية عجولة واعتباطية بالاتفاق بين رئيسي الجنوب والشمال سوف تمهّد للنزاعات اللاحقة وللحرب بين الشطرين.
إن تاريخ أية أمة من الأمم قد لا يخلو عبر مسيرتها التاريخية الطويلة من أحداث تتصف بالعنف والقتل والظلم والدمويّة والسلوك العدواني لأن مثل هذا السلوك وما يرافقه من عنف وتطرّف ودمويّة لدى الإنسان يكاد يكون صفة ثابتة معروفة وموجودة في تاريخ المجتمعات البشرية كلها. إن ما نجده في تاريخ العراق منذ أقدم العصور وحتى الآن هو أمر مختلف، فهذا التاريخ لا يزدحم بأحداث العنف الدموي والظلم والقسوة الشريرة فحسب بل إن تلك الأحداث والوقائع التاريخية المشحونة بالعنف الدموي تميل على نحو ظاهر للاتصاف بالمبالغة والتطرّف والتصعيد اللامعقول في أداء هذه المعاني جميعاً والإيغال في تطبيقها وممارستها إلى الحد الأقصى، أي المبالغة بالعنف الدموي والمبالغة بالقسوة والظلم والمبالغة في الشراسة والدمويّة خلال التعامل مع القضايا والنشاطات الإنسانية بمختلف أشكالها ومستوياتها. قدمت الأساطير العراقية تفاصيل غزيرة جداً عن الاستبداد الذي مارسه جلجامش على سبيل المثال وصاغت شخصيته أنموذجاً أدبياً، ملحمياً رفيعاً، صاغ أصل الملحمة في التاريخ وتعاملنا مع ظواهر الظلم الاجتماعي والعنف كتمظهرات أولى لهذه الظاهرة المميزة لحضارة العراق القديم والتي كانت الآلهة وخصوصاً البانثيون العراقي هم مصدر الحروب والتدمير والتعسف والعنف، وهذا أمر مثير للدهشة لأن المقدس هو الحامي الروحي والمولّد للأمان النفسي، واستطاع من خلال طقوسه وشعائره وثقافته اللاهوتية، والكهنة الأكثر مهارة بدورهم المركزي في تكريس نظام الآلهة والاعتراف به.
مرة أخرى أجد نفسي مأخوذاً بحدث يدفعني خارج التتابع المألوف لدورة الأشياء. بل وخارج حدود المعقولية القائمة على افتراض وجود تطابق لا مفر منه بين تمفصل الواقع وتمفصل الفكر. ما أجابهه هنا هو اكتشافي حضوراً تفرضه المفاجأة غالباً، تعجز الأسباب الفعلية أو المفترضة التي في حوزتي عن إيقاف مشاعر القلق واللايقين في ازاءه . ما أجربه هنا – يبدو أقرب الى مايسمى بالوعي الشقي، أي ذلك الوعي الذي يرى سلبيته او عدميته عبر إدراكه ان ما يهدف الى إمتلاكه هو في الحقيقة منفصل عنه دائماً. ولكن ما هذا الحدث القادرعلى خلخة يقين (أوعادة) ربط الأشياء ببعضها وتوقع احتمالاتها المستقبلية، الحدث الذي يحث على الذهاب أبعد قليلاً او كثيراً من مجال التحديات الفعلية أو المفترضة؟ انه من النوع الذي يمس، وان بدرجات مختلفة، كل واحد منا، كرؤية صورة انسان مختلف او كتاب ذي مؤلف وتاريخ مجهولين أو ربما لوحةً فنية لا نستطيع الجزم ان كانت حقيقية أو مزورة. لنتوقف هنا عند المثال الأول، فصورة انسان مختلف، كما نظن، ليست صورة ككل الصور. فهي عندما تعلن مثلاً إختفاء صبية ما – لاتوضع إلا في الأماكن العامة – تستوقفني لأتمعن في ملامحها، لأقرأ أوصافها، … انها تدعوني دعوة مفتوحة الى المساعدة وتستفز في شعور تضامن لا أعرف كيف أقدمه ولمن. ولكن أهم من هذا كله أن هذه الصورة تتحدى قدرتي على تصنيف معطياتها. فهل لي ان أضعها في عالم الصور وهي المشدودة الى أصلها بعلاقة متوترة لا تصف ولا تكرر بل تستغيث؟ أو هل لي ان أضعها في عالم الواقع وواقعها (أصلها) محكوم بتحديد ناقص، تأجيل قسري بين الحضور التام والغياب التام؟ في الحالة الأولى لا تنقل الصورة الا ما لا تستطيع نقله: إختفاء غير طبيعي وغير منتظر. فعلى رغم تكراره بين حين وآخر في حالات مجهولي المصير في الحرب او المختطقين لأسباب سياسية أو اجرامية، فإنه – اي الإختفاء – يظل شاذاً لا يغري احداً بتعايش مريح معه. والأكثر من هذا انه لا يسمح بامتلاكه معرفياً ولا بتجاهله على رغم انه حادث في هذا العالم ومن هذا العالم. فعندما أحاول معرفته – لأجمع معلومات عنه – أجد نفسي مستدرجاً في فائض من الإحتمالات والتقابلات غير القابلة للحسم. وعندما أحاول تجاهله، بعد خيبة المعرفة عادة – أكتشف جهلي به. لا تجاهل مع الجهل! أما في الحالة الثانية فإن الصورة تشعرني بنوع من غياب مختلف عن ذلك الذي يتحدد عبر تناقضه مع الحضور، كما يتحدد الموت من خلال الحياة مثلاً. فإذا أخذنا بالفكرة القائلة ان وجود الشيء يعتمد على إمكانية تحديده فإن أصل الصورة يحيلني الى أمر حدث ويحدث ولكن ليس في وسعي تحديده… الثالث المرفوع كما يقال في علم المنطق. ومبدأ التحديد هذا هو، في المناسبة، مبدأ ضروري ليس للوجود فقط بل للمعرفة أيضاً على رغم وجاهة بعض الإعتراضات التي يثيرها ضده دعاة التفكير النسبي المعاصرين من شكاكين وسفسطائيين. المهم هنا هو عدم تجييره لصالح أنطولوجيا حتمية، مثالية كانت أم مادية.
هل تشكل هذه المقالات بمجملها سياقاً منتظماً أو بحثاً في موضوع؟... هذا السؤال طرحته على نفسي وأنا أجمع مقالات عن فنّانين تشكيليين وسينمائيين ومسرحيين وكتّاب وشعراء عالميين لأضعها في كتاب واحد... لقد كتبت هذه المقالات في أزمنة مختلفة تقارب العشرين عاماً، وفي ثلاثة منافٍ ووطن. وقد كتبت في الغالب بدوافع الاستجابة للعمل في صحف ومجلات عديدة، وفي مناسبات يوبيلية تتعلق بالميلاد أو الموت. وبين المنافي وطوارئها التي لا تسمح بنقل الكتب والمسودات، ولا تسمح قبل ذلك بثبات المكان، أي لا تسمح بتطور الفكر الثابت والتأسيس المنساب، وبين الصحافة التي تسلّط مساحة النشر وضرورات الوقت على التأنّي والتخصّص، سألت نفسي وأنا أجمع هذه المقالات وأعيد تعديلها وتبويبها: ما الذي حكم الاختيار، وما الذي حكم المدخل؟ وفي زمن صعب وجارف تبتر فيه الأحداث سياق الثقافة وتزيحها جانباً أو إلى الخلف، يبدو البحث في أعمال فنّانين وكتَّاب كبار، أبعد من أن يجيب عن الأسئلة المُلحّة التي تطرحها المرحلة. ولكن هؤلاء الفنّانين والكتَّاب واجهوا أصعب الأسئلة التي طرحها قرننا هذا وتركوا بصماتهم عليه وعلى ركائزه الثقافية... فقد واجهوا المشاكل التي طرحها التطور الصناعي الكاسح على المثل الإنسانية. وعاشوا التحديات الفكرية التي طرحتها الثورات الكبرى في عصرنا، ومحنة الإنسان بين حربين عالميتين شهدنا صعود الفاشية والنازية... إذن فقد عاشوا قرننا وأسهموا في ثقافته بعمق. وقد بحثت وأنا أقرأ أعمالهم عن شيء أريده: كيف يمكن أن تؤثر التجربة التي عاشوها على تكوين رؤيتهم وكيف انعكست في أعمالهم، وبالتالي مواقفهم من القضايا التي طرحها عصرنا... إن عوامل معقدة ومتنوعة ومؤثرات لا تحدّ حكمت هذا التعامل بين التجربة والوعي هذه المقالات لا تدّعي الإجابة عليها، إنما تسهم في البحث عنها.
عندما تنتزع الصحافة شاعراً من عرشه، فهي بذلك تضيّق عليه حرية الخيالات، وانطلاقها الى آفاق لا مدى لها، يوفرها ذلك العالم الساحر، وتضعه بين في زحمة الضجيج الصاخب للأحداث التي توجب تغلب العمومية، على خصوصية المشاعر والاحاسيس الشخصية، والتي قد تتماهى مع نبضات قلوب الآخرين. أخيراً، حانت لي الفرصة لجمع بعض ما تشتت من قصائدي، التي فقدتُ الكثير منها، خلات سنوات تنقلي بين السجون والمعتقلات، إضافة الى فقدان اول مجموعة أرسلتها للطباعة في بيروت، من خلال دار نشر كنت اعتقد انها موثوقة. ولا أكتم هنا، وانا اُقدم مجموعتي الشعرية هذه، الاشارة الى اختلافي في الأسلوب، مع معظم النتاجات التي صدرت في السنوات الأخيرة، والتي اراها ابتعدت مسافات شاسعة عن الشعر، وتحولت الى صيغة "النثر"، بل الأكثر من ذلك، ابتعدت حتى عن اللغة العربية السليمة، تحت ذريعة "ما علاقة الشعر باللغة!؟". وعلى الرغم مما اسلفت، اطلعت من خلال متابعاتي، على نتاجات راقية، وراقية جدا، في تقديم الصور الشعرية الجميلة، وهذا ما احترمه، وفي نفس الوقت، اضعه في باب "النثر"، او "الشعر المنثور"، الذي يتقن موسيقى الكلمة، وليس موسيقى الشعر. أتمنى ان تروق هذه المجموعة للقارئ الكريم، وأعد بالاستمرار.
حدث ذلك في زمان ومكان محدَّدين عشتهما بكل الحواس فدعني أيها القارئ أقدم لك قراءتي وهي وثيقتي الوحيدة، ولا تسلني عن الكيف والكم المبهظين لأنّ ذلك ما نهض به سواي!! اسمان مهمّان هما محوراً هذا الكتاب الخطير! الأول صاحب السيرة الخالدة علي محمد الشبيبي، والآخر صاحب المراجعة والتحقيق محمد الشبيبي نجل صاحب السيرة: تِرْبِي وصديقي الإنترنيتي! وذلك يغنيني عن تكرار القول وترتيبه وتسويغه! فالسيرة التي بين أيدينا سيرة شمولية وفق نظرية )جشتالت(، المترجَم له بفتح الجيم وهو صاحب السيرة يبدأ بالكلّي وينتهي بالجزئي! من النظرية إلى الأمثلة! فضلاً عن أنه كاتب محترف لا يُسهِب ولا يُوجِز! ومفكر استباقي له تحليلاته المقبولة لعصرنا هذا!! ومناضل صعب تعرفه السجون والمنافي وشاهد مؤتمن فيما أدلى به من شهادات ومصوِّر يقظ يلتقط الجزئية الضئيلة كما يلتقط العينة الجزيلة! وفضلاً عن هذا الفضل فالمترجَم له إنْ هو إلا ثمرة أخلاقيات رائدة جديدة ظهرت في الربع الأول من القرن العشرين واجهت أخلاقيات سائدة من القرون الأولى! هي مهماتٌ نَهَدَ بها المترجمُ دون عناء أو استراحة أو شكوى من طول الطريق ووحشته وقلة الناصر وضَنِّه وانشغال الرفيق بمكابداته أما الزاد فلا زاد سوى ما يباركه عرق الجبين! فكأنه مخلوق قبل سواه للوطن وبعبارة أدق وكأنه منذورٌ دون غيره للمواطن! لكنه يسَّر عمل ولده الأستاذ محمد الشبيبي خلال شغله على التحقيق والمراجعة، وسهَّل عليَّ أنا عبد الإله الصائغ مؤونةَ التقديم وإشكالية التمهيد بما يتكفل به علم تحليل النص من تفكيك وتركيب! فليرحم الله علي محمد الشبيبي فقد فسح لنا تجربة العناء الدامية لنتجول فيها وربما نتسكّع كما لو كانت تجربة الرخاء الهانية! فتى نجفي عراقي عربي أممي والترتيب المعكوس أُدخِلَ في أفكاره وأسفاره! شبيبي آخر أفنى زهرة روحه في سبيل العراق والعراقيين والسلام والمسحوقين فوق قاعدة راسخة على الديمقراطية المدنية وتحت سقف ثابت على دولة المؤسسات والدستور المدني بحيث تكون الرابطة الأم هي الوطنية العراقية بدلاً من الوثنية الطائفية أو العنصرية وتكون حدود العراق حدوداً لا يطمع باختراقها جارٌ متربِّصٌ أمنياً أو طامع نفطياً أو متوجس طائفياً أو متوسوس عقائدياً! عراق حدوده الحمم والبراكين في الحرب وسلسبيل يدفق الحياة في السلم! مع تنشئة مواطن موفور الكرامة في الطعام والإقامة والكساء والدواء والتقاعد داخل دولة مدنية مهابة ونظام مؤسساتي عادل والنظر إلى الكون كما لو أنه بيت واحد بنيت فيه غرف مختلفة الألوان والمساحات والهموم )مختلفة الخصوصية( يسكنها بشر مختلفون في السحنات والولاءات واللغات والعروق مؤتلفون في احترام الآخر وعشق الطفولة والجمال والسلام! هذه في زعمي خلاصة الخلاصة لقراءتي مذكرات أستاذ الأجيال الشيخ النجفي الماركسي علي الشبيبي فإن أصبت فيما قرأتُ فذاك غاية هدفي هنا وإن شططت فإن الشطط ليس نهاية الحقيقة لأنه ادعى لإعمال الفكر واستنطاق النص! يستفز المعنيين وذوي الاختصاص ليقوِّموا شططي وأنا هنا لا ادّعي استحالتي على الخطأ ولكنني ادعي صدقيتي فيما رأيت وقرأت وكتبت وفق خصوصيتي في جهدي واجتهادي وحواري مع المحقق الأستاذ محمد الشبيبي وتجاوزي مكابدات الوحدة وصقيع الغربة وحنين الوطن قرناً وربع قرن بالتمام.
قلّما إعتادت فعالياتنا الثقافية على مقاربة موضوعات تحتفي بتفاصيل حياة الكائن البشري؛ فقد صار التقليد أن نمايز بين الأفكار وبين الكائن البشري الخالق لهذه الأفكار ونسينا في خضمّ هذا التمايز أنّ الإنسان – في واحد من أهم توصيفاته الأنثروبولوجية – هو صانع أفكار في المقام الأول وأن الأفكار غالباً ما تنبثق من مكابدات حياته اليومية وليست محض مفاهيم فوقية أو أكاديمية مغلقة، ولعل فكرة (الحب) هي أكثر الموضوعات أهمية في إشباع حياة الكائن البشري والإرتقاء بها إلى مستويات أكثر رقياً ورفعةً؛ غير أن تأريخنا وحاضرنا معاً قلما احتفيا بالحب على عكس ما فعلا ويفعلان مع الكراهية ومفاعيلها. أذكر أنني ترجمت قبل بضعة أعوام مقدمة لكتاب يتناول معاني الحب وفلسفته، ونقرأ في بدء تلك المقدمة هذه العبارات الرائعة في توصيف الحب: كم هو فوضوي ومشوّش موضوع الحب!!! إذ نراه في كل مكان يُحتفى به على أساس أنه «التجربة الأكثر أهمية في الحياة الإنسانية». أتساءل: هل يوجد ثمة من يجادل بالضد من الحب؟ وسواءٌ منَحَنا الحب متعة عظمى أم تسبّب لنا بمعاناة رهيبة فإن القليل وحسبُ هم الذين ينكرون أن الحب هو مايمنح الحياة معنى وهدفاً جديرين بالاحترام، وإن غياب الحب يحيل الحياة صحراء موحشة. ثمة الكثير من الشكوك السائدة عن الإرباكات والتناقضات التي يحتويها مفهوم الحب، وغالباً ما نتساءل: كيف يمكن لهذه الخصلة الإنسانية العظيمة أن تكون لها نتائج غير مرغوب فيها وعصية على الفهم البشري؟ وإذا كان «الحب هو كل ما تحتاجه» كما تخبرنا كلمات أغنية فرقة البيتلز فلماذا يبدو أحياناً أن الحب ينساب في مسارات خاطئة تقود إلى آلام ومعاناة مؤذية؟ كيف يمكن لشيء مثل الحب يبدو في غاية الوضوح أن يتسبّب في آلام وتناقضات على قدر عظيم من الإيذاء؟ يبدو أن السبب يكمن في أننا لا نفهم الحب على قدر واف من الكفاية.
لوحة (العراق صبي) فكرة وتنفيذ د.عماد زبير أحمد من غربتة في مملكة السويد أذ ينتقي بيت من قصيدة(سفر التكوين) لشاعر العراق الكبيرعبد الرزاق عبد الواحد(سفر التكوين) (( هوَ العراقُ ، فَقُلْ لِلدائراتِ قِفي شاخَ الزَّمانُ جَميعا ًوالعراقُ صَبي !)) اخترت هذه اللوحة لاوثق فكر هذا الأب العظيم الذي رباني على صورة وطن مستقل بهي معافى انتمي إليه ولكل أبنائه بكل مافي القلب من عزيمة محبه وإخلاص وبدوري اهدي هذه اللوحة لأرواح شهداء ثورة تشرين العظيمة الذين أثبتوا أن العراق يبقى صبي رغم عاديات الزمان لكل من لازال هدفه في الحياة ان يكون اعلامي متميز فانه سيحصل على قوة خفية تقدمها الكاتبة في سلسله من كشف الاسرار والحقائق عليك ادراكها والاحتفاظ بها لتصل لهدفك اسرع. من خلال الرحلة بين ثنايا موضوعات الكتاب ستدرك ان لا احد يروج لافكارك افضل منك بعد تعرفك على سر التوازن الذاتي في اتخاذ (قرارالكلمة) عندما يغيب الرقيب، ستتعلم كيف تكتب معادلتك الكيميائية في مواجهة (الطعن والتشهيربك) وربما ستواجة الموت في بعض الصفحات وستتخذ قرارات تحبس الانفاس وتدرك مايقشعر له جسدك كل ذلك لانك تسير في حقل الاعلام في زمن الموت على ارض العراق وانت تقود مهمة تاسيس (حرية) خسرنا لاجلها اجمل النفوس في زمن الوجع العراقي.. (الكاتبة) كيف فاوضت ؟ وكيف فرضت؟ وكيف ادارت (منظومة مشاعرعملاقة) للناس؟ وكيف تدرك معها انك وصلت الى مرحلة الاحتراف؟ واصبحت رقما لن يثلم وصعب اجتيازه من قبل الاخرين لتكون حالة خاصة لن تتكرر على مدى دوران عقارب الساعة. للاعلامي المبتدا والانسان الاعتيادي الذي لايعلم شى عن الاعلام بعد قراءة الكتاب سيرتفع وعية ويراجع نفسه كثيرا لكل مامرامام ناظريه في الفضائيات العراقية من خلال كتاب يعد الاول من نوعة في العراق تصدرة اعلامية عراقية بكل جرئة وثبات . لكم جميعا (هذه حقيقة ماحدث). شيماء عماد زبير عراقية الجنسية مواليد بغداد 1975 حاصلة على شهادة البكلوريوس من جامعة بغداد والدبلوم من مدرسة التضامن للصحافة بدأت العمل الصحفي عام 1998 في مجلة الف باء وتسلسلت في عملها الاعلامي وصولا لاعداد وتقديم البرامج في قناة العراق الفضائية والشرقية والبغدادية،حاصلة على جوائزعدة والقاب من قبل نقابة الصحفيين العراقيين والاستفتاءات الجماهيرية كافضل مقدمة برامج عراقية، لقب باوبرا وينفري العراق من قبل جريدة (guardian)البريطانية وقناة(bbc) البريطانية هذا كتابها الاول وهي الان اعلامية مستقلة.
لا أدري متى بالضبط لمعت تلك الفكرة النميسة في ذهن شعراوي، لكن أغلب الظن أن ذلك حدث حين رأى نظراتي الشبقة التي استقرت على منحنيات ومنعطفات جسد رحاب وهي ترقص بذمة وضمير في فرح أختها سامية، مع أنني لم أكن وحدي الذي انبهرت برحاب التي رأت في الفرح فرصة لإعلان إمكانياتها التي تؤهلها ببراعة لتجاوز أختها، ولم يكن ذلك الإعلان عاماً لكافة من حضروا الفرح وهم قلة على أي حال، بل كان موجهاً نحو ثلاثة من أقارب العريس حضروا في الأغلب لإسعافه في حالة حدوث مضاعفات في ليلة الدخلة، لكن رحاب لم تحظ باهتمامهم، ليس فقط لأنهم لم يكونوا سعداء بالزيجة إيماناً منهم بمبدأ إعلاني كان منتشراً في تلك الأيام يقول "ليه تدفع أكتر لما ممكن تدفع أقل؟"، ولكن لأنهم شعروا أن تسليط نظراتهم على جسد أخت العروسة وإن كان فائراً مثل بركان فيزوف، سيغضبه أو سيحرجه، والواقع أنهم صبروا ونالوا، لأن "أبو سامية" كان قد قرر إكرام ضيوف صهره بـ "نِمرة" خاصة كان ذكرها يمرّ علي أحياناً في بعض ما أقرأه عن أخبار المجون والليالي الحمراء التي ينفق فيها الأثرياء آلاف الجنيهات والدولارات، ولم أكن أتصور أنني سأشهدها عياناً بياناً دون أن أدفع مليماً أحمر.لم يكن حجم الشقة يتسع لحضور فرقة غنائية، فقد كان يكفي بالكاد للعشرين ثلاثين كرسي التي جلس عليها المعازيم المنتقون على الفرازة، لكن الكاسيت الذي انبعثت منه أكثر الأغاني ترقيصاً وهشتكة قام بالواجب وزيادة، ليتم إسكاته فجأة، ثم يقوم أبو سامية وشخصان من أقاربه أو من شركائه لا أدري، بوضع ترابيزة خشبية متوسطة إلى جوار الكوشة الصغيرة التي جلس عليها العروسان، في الوقت الذي كانت أم سامية ورحاب قد دارا علينا بأطباق كبيرة تحوي قطعاً منتقاة من الكفتة والكباب وخرطة مكرونة باشميل وبعض أصابع محشي الكرنب وورق العنب، وبعد أن انتهى أغلبنا من التهام ذلك الأكل البيتي اللذيذ، قام أبو سامية بإطفاء أنوار الصالة التي ظلت مضاءة إلى حد ما بالأنوار المنبعثة من باقي الشقة، وفور أن أعاد تشغيل الكاسيت ليصدح بمطلع أغنية "حبيبي يا عيني"، اندفعت من مكان ما امرأة ترتدي عباءة سوداء فضفاضة، وقام أبو سامية بمساعدتها على الصعود إلى الترابيزة التي كانت أعلى من أن تقفز عليها لوحدها. بعد أن بدأت ذات العباءة في التمايل من باب التسخين على الترابيزة التي ثبت متانتها، أضاء أبو سامية أنوار الصالة وبدأ في التصفيق فتبعناه دون حماس في البداية، لكننا سرعان ما تحمسنا، حين اكتشفنا أنها لا ترتدي العباءة لكونها من أقارب سامية الراغبين في المجاملة، بل كانت على وشك تقديم وصلة رقص استربتيز، حيث بدأت بفك أزرار العباءة على مهل، وانتهت بعد فترة من الزمان مرت كأنها ثواني، بالشروع في خلع ورقة التوت الكلوتّي التي كانت آخر ما ترتديه، لولا أن أوقفتها صرخة العريس الذي أمرها بالتوقف عن ذلك، لأن لكل شيئ حدوداً كما قال.
الوزن الاخر للزهرة حلّ حزيران في لندن، نحن ننتظره بلهفة، مرحّبين به كشهر ودود، يقع في منتصف السنة، فهو الذي سوف يدخلنا في الصيف، عبر أصابعه الدفيئة، جلستُ مساءً كعادتي أُتابع الأخبار على محطة عربية، وإذا بالمحطة تعرض فيلماً صغيراً مصوّراً عن ذكرى الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وثمة مشاهد مصوّرة، من بيروت لشباب من المقاومة الفلسطينية، بأزيائهم الكاكية، يحملون البنادق، وهم في سيارات الجيب العسكرية، بدوا كأنهم يتنقلون في منطقة قريبة من أحياء قلبي، ومشهد آخر ظهرت فيه معارك داخل أزقة ضيقة، فأحسست أني في مكان أعرفه والزمان زماني، والمكان مكاني وأراه يقع في مركز الروح، وثمة في الأفق، دخان وحرائق وصوت إطلاقات لقذائف، ورصاص متطاير في الجو، فجأة شعرت كأنّ شظية اخترقت مخيلتي، وثقبت الذاكرة لتسيل......... كنت سعيداً حين قال السائق أنتم الآن في لبنان، فلا تقلقوا إلّا من الطيران الإسرائيلي، إنه يحوم مرات كثيرة في هذه المناطق، وقال بعد لحظات ستكونون في «شتورا» ومن يريد أن يذهب ليأكل ويذهب إلى الحمام أو مكاتب تصريف العملة فإننا سنكون في مطعم «أرزة لبنان». بدت «شتورا» مكاناً حافلاً بسيارات النقل والمصارف الصغيرة والمطاعم والمقاهي السريعة والجوالة، هناك اغتسلت في المطعم، وأكلت رزاً ومرَقاً، وشربتُ شاياً، ودخّنتُ سيجارتين، وأنا مُيمِّم بعد قليل صوب مستقبل غير منظور، ولا تلوح منه أيّة كوة، سوى كوّتي التي اخترتها، بالانتماء إلى إعلام المقاومة الفلسطينية، وكان ذلك قد تمّ بترتيب بسيط من أديب فلسطيني، يعيش في دمشق، فهو من سهّل لي هذا الاختيار، وكل هذه الأمور من قضايا السفر.
لم تكن توني موريسون (التي غادرت عالمنا في الخامس من شهر آب 2019) محض كاتبة أو روائية ذات خصوصية عرقية-باعتبارها أيقونة الكاتبات السود-فحسب؛ بل كانت إمرأة شجاعة حفلت حياتها بكلّ صنوف المجالدة والممانعة التي يمكن أن تميّز إمرأة ذات عزيمة فولاذية أرادت رؤية حلمها متحققاً على أرض الواقع، فضلاً عن أنها ك انت عنصراً فاعلاً في حقل الدراسات الجندرية والعرقية والمباحث الخاصة بسياسات الهوية والجماعات المهمّشة والمتمايزة، لا على الصعيد الأمريكي فحسب بل على المستوى العالمي بأكمله. شدّتني علاقة روحية خاصة إلى توني موريسون منذ أن قرأت لها روايتها الأولى (العين الأكثر (زرقة)، ثمّ توطّدت وشائج هذه العلاقة مع رواياتها اللاحقة وبخاصة روايتاها المميزتان )جاز و(فردوس)، بالإضافة إلى أعمالها الرصينة في حقل الدراسات الثقافية التي شاعت وترسّخت مفاعيلها بفعل المؤثرات العولمية المعروفة. تتوّجت مقدرة توني موريسون الروائية والثقافية بحصولها المستحق على جائزة نوبل للأدب عام 1993، كما قلّدها الرئيس الأمريكي باراك أوباما وسام الحرية الأمريكي (وهو أعلى تقدير يمكن أن يحصل عليه فرد من الأمريكيين من غير العسكريين) وتُعدّ بين أعاظم الروائيين الأمريكيين، كما يرى الكثير من النقّاد الادبيين أنّ روايتها (محبوبة) واحدة من أفضل الروايات الأمريكية التي كُتِبت في الربع الأخير من القرن العشرين. وُلِدت توني موريسون ونشأت في منطقة الغرب الأوسط الأمريكي وسط عائلة تكنّ حبّاً لاحدود له لثقافة السود، وقد شكّلت القصص المروية شفاهياً مع الأغاني والحكايات الفلكلورية المعين الثرّ الذي نهلت منه موريسون معظم خبرتها الطفولية. حصلت (موريسون) على شهادة البكالوريوس في الأدب من جامعة هوارد عام 1953 ثم أعقبتها بشهادة الماجستير من جامعة كورنيل عام 1955 ومارست التعليم الجامعي في عدة جامعات أمريكية حتى انتهى بها المطاف أستاذة في جامعة برينستون الأمريكية المرموقة منذ عام 1989 ، كما عملت محررة للنشر في فترات مختلفة من حياتها في بعض دور النشر الأمريكية ولاسيما دار نشر (راندوم هاوس) المعروفة. المترجمة.
يتناول هذا الكتاب ملامح من تحولات البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الأنبار، منذ مطلع القرن الثامن عشر، ويتتبع اصطفافات وتقلبات الولاءات العشائرية في مناطق غرب بغداد، المعروفة اليوم بالأنبار، وهي مناطق وقعت، خلال الفترة التي يتناولها الكتاب، تحت وطأة ثلاثة تهديدات، لا يقل وأحدها خطورة عن الآخر: أولاً، خطر جحافل البدو، من الجنوب المفتوح على الجزيرة العربية، وأيضاً البدو الذين انتقلوا بنجاح إلى جزيرة بلاد الرافدين، بجوار الموصل، مجتازين نهر الفرات الذي يتوسط الأنبار. وامتدت هذه المرحلة من القرن الثامن عشر، وحتى تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1920. ثانياً، «جيوش المدن»، من بغداد شرقاً، بامتداده الجغرافي المفتوح على إيران والدولة العثمانية. وهذا الخطر ألحق هزيمة ساحقة بالتحدي العشائري في جميع أنحاء العراق، خصوصاً منذ انقلاب بكر صدقي عام 1936. ثالثاً، الأيديولوجيات الدينية، منذ عام 2003، وتناوبت عليها تنظيمات سلفية متنوعة، أبرزها القاعدة وداعش. تعايشت عشائر الأنبار ببراعة مع التهديدين الأول والثاني، ولم يحدث أن اضطرت عشائرها إلى هجرات واسعة، سوى انزياحها المحدود من مناطق الحدود السورية العراقية حالياً، نزولاً مع مجرى الفرات باتجاه بغداد، قبل قرابة قرنين من الزمن. ومع ذلك، لم تصبح الأنبار مركزاً للسلطة أو شريكاً فيها ببغداد، طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وبدأت هذه المعادلة بالتغير، مع وقوع كامل العراق الحالي، تحت الاحتلال البريطاني، في عام 1918 حيث اعتبر البريطانيون أن هذه المنطقة مفيدة لإحداث توازن طائفي، نوعاً ما، لتمكين النخب العربية السنية من حكم العراق. إن المراحل اللاحقة لهذا التاريخ، شهدت تحولات بطيئة في علاقة بغداد (مركز السلطة) مع الأنبار، إلى أن حدث التحول السريع، بعد الغزو العراقي للكويت، وهزيمة النظام العراقي في عام 1991. لاحقاً، ستقفز الأنبار إلى صدارة المشهد الأمني في العراق ومنطقة الشرق الأوسط، بعد سقوط نظام صدام في عام 2003، لتصبح منطلقاً لأعنف حركتين شهدتهما منطقة الشرق الأوسط: «القاعدة» و«الدولة الإسلامية - داعش». وهو ما ينقلنا إلى التهديد الثالث الذي يبدو أن نجاة الأنبار من تداعياته، مكلف للغاية، بعد تعرضها لدمار البنية التحتية وتمزق نسيجها الاجتماعي وتفشي وعيد الثارات بين مكوناتها.