لكل منا تأريخه الشخصي: حصيلة وقائع وحيثيات ومسرات وفواجع ونكبات ورحلات وصداقات ودراسة وعمل وتحولات،،،،،; اما الكاتب (والمشتغل في الحقول المعرفية التاي عمادها الفكر والكلمة) فهو وحده من يمتلك تاريخين: الاول شخصي يماثل التوصيف السابق، والثاني تاريخ فكري أشبه بمملكة ساحرة تستوطنها كلمات وافكار ورؤى ولا شئ سواها. بدأت الكتابة المنتظمة منذ بواكير سبعينيات القرن العشرين بعد أن كانت لي مساهمات متناثرة في بضع صحف عراقية، ثم تنامت هذه المسيرة بالدأب والمثابرة حتى انتهت إلى ماینوف على الخمسين كتاباً في الرواية والقصة والمسرحية والمصنفات المعرفية العامة والترجمة، فضلا عن آلاف المقالات الطويلة والقصيرة التي دأبت على نشرها أسبوعيا أو شهرياً في بعض الصحف والمجلات الثقافية العراقية والعربية. يضم هذا الكتاب منتخبات من بعض مقالاتي المنشورة التي أراها صالحة لتكون عابرة لمحددات الزمان والمكان والبيئة الثقافية والأمزجة الشخصية المحكومة بسطوة اللحظة، لكونها - کما أری - تنطوي على أفكار ورؤى ومواقف وبعض خلاصات من واقعنا تهم القارئ العراقي والعربي في برهتنا الراهنة هذه وربما لأوقات قادمة. من المناسب هنا أن أورد ملاحظتين اثنتين : الأولى هي أنني عمدت إلى تبويب المقالات بصيغة محاور رئيسية لتيسير أمر القراءة والمتابعة على القارئ الذي قد يفضل قراءة محاور محددة دون سواها ؛ أما الملاحظة الثانية فهي أن معظم هذه المقالات مكتوبة خلال السنتين الماضيتين (2018 , 2019).
في الساعة الثانية عشرة ظهراً، الخامس من آب 1945 ، حدث أمران تاريخيان في نفس الوقت في اليابان: الشعب الياباني سمع صوت امبراطوره لأول مرة، ليخبرهم في الراديو أن بلدهم خسرت حربها الأولى. هذا الكتاب هو سجل تفصيلي للاربع والعشرين ساعة التي سبقت ذلك البث، منذ الاجتماع الامبراطوري حيث اُتخذ قرار الاستسلام إلى خطاب الأمبراطور نفسه. كان ذلك أطول يوم يعيشه شعب اليابان في تاريخه. بالنسبة لنا، نحن أعضاء معهد دراسات حرب الباسيفيك، كانت فكرة تجميع وكتابة هذا السجل مهمة للغاية، إذ بدا كما لو أننا نعيش من جديد قسوة تلك الاحداث التي عاناها بلدنا. الخامس عشر من آب سنة 1945 ، كان ذروة السنوات المائة الأخيرة في تاريخ اليابان، منذ «إحياء ميجي». كل مستقبل الشعب الياباني، واليابان نفسها، يتوقفان على ذلك اليوم. إنني الأكبر سناً بين أعضاء معهد دراسات حرب الباسيفيك، فقد كنت في الصف الثالث الاعدادي يوم تحدث الأمبراطور من الراديو. حينها كنت أعمل في مصنع للعتاد الحربي ينتج خرطوشة للرشاش 20 ملم، وتلك كانت مساهمتي في الحرب. وفي أحد الايام قصفت طائرات بي 29 المصنع وقتل العديد من زملائي في العمل. يومها كانت جبهة القتال قد انتقلت إلى الداخل، مع ذلك كنت لا أزال آمل بانتصار اليابان، لذلك كان شعوري في منتصف ذلك اليوم خليطاً من المرارة والغضب، مع احساس بعبثية الأمل، إذ اُخبرنا أننا مع احتلال اليابان سوف نُجبر على عيش حياة العبيد.
كانت موجة عرضية قد انطلقت من اتجاه « قناة فورموزا » حوالي الساعة العاشرة ، دون أن تقلق هؤلاء المسافرين كثيرة ، لأن نان - شان ، بقاعها المسطح والأسافين الدوارة المثبتة على الجزء الأسفل منها ، والعرض الواسع جدا لها ؛ كل هذا منح السفينة الشهرة بقدرتها على الصمود في البحر . كان السيد دجوكس في لحظات التو اجد على الشاطئ يصرح بصوت مدو بأن « الفتاة العجوز ( السفينة ) كانت جيدة بقدر ماهي جميلة » . لم يكن يخطر للكابتن ماکویر أن يعبر عن رأيه الإيجابي بكل هذا الصوت العالي أو بمثل هذه الأوصاف العجيبة إلى هذا الحد . كانت سفينة جيدة دون شك ، وليست عجوزة أيضا . لقد تم بناؤها في « دمبارتون » قبل أقل من ثلاث سنوات لصالح شركة من التجار في سيام : « السادة سيغ أند سن » ( سيغ وولده ) . وحين نزلت إلى البحر لأول مرة ، وقد تم إكمالها من كل النواحي وأصبحت جاهزة لتارس عمل حياتها ، راح صناعها يتأملونها بفخر . قال أحد الشركاء : « لقد طلب منا سيغ أن نجد لها قبطانا موثوق ليبحر بها » ؛ وقال الآخر بعد بعض التأمل : « أعتقد أن ماکوير على الشاطئ الآن في الوقت الحاضر » . « هل هو كذلك ؟ أرسل له برقية على الفور . إنه الرجل المناسب تماما » ، هذا ما صرح به كبير الشركاء دون لحظة تردد واحدة . في صباح اليوم التالي وقف ماكوير أمامهم بهدوء ، بعد أن سافر من لندن بقطار منتصف الليل السريع وبعد أن ودع زوجته على نحو مفاجئ وغير معبر عن العاطفة . كانت هي ابنة زوجين عاليي المقام عرفا أياما أفضل . قال الشريك الأكبر : « الأفضل أن نذهب معا إلى السفينة يا كابتن » . وانطلق الرجال الثلاثة لمشاهدة كل نواحي الكال في نان - شان من مؤخر السفينة إلى مقدمتها ، ومن رافدة صلبها إلى بكرات صواريها الثخينة . ولد جوزيف كونراد باسم « یوزف تيودور کونراد كوجينوفسكي » في الثالث من كانون الأول ( 1857 ) في برديتشوف في أوكرانيا البولندية
أفواه الزمن - إدواردو غاليانوثل طائر يهبط الى الارض بسرعة ليلتقط شيئا لانراه، كذلك يفعل ادواردو غاليانو في كل كتاباته يلتقط صورا نادرة من حياتنا اليومية، ويعيد تلوينها باقلامه الساحرة، في صور مدهشة وغريبة كانها من عالم اخر.. الكتاب عبارة عن مجموعة من القصص والحكايا والطُرف والمفارقات والتأملات في الكون والتاريخ والسياسة والحياة وكل ما يخطر على بال الكاتب .. الأسلوب فكاهي وممتع .. أفكار قصيرة ومتفرقة ومتسلسلة بطريقة ذكية.